إما أن هناك وزيرين للنفط في دولة "داعش"، قتلهما كل من نظام الأسد والولايات المتحدة الأمريكية، بالصدفة، في اليوم نفسه، أو أنه رجل واحد فقط، قتله أحد الطرفين، بالتنسيق مع الآخر. فامتعض الطرف الآخر جراء تغييب دوره عن العلن.
تزامنُ الإعلان الأمريكي و"السوري"، عن مقتل "أبو سياف"، أو "أبو التيم" السعودي، مسؤول النفط في "دولة داعش"، يكشف بصورة مقصودة، عن التنسيق العميق والنوعي بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية، ونظام الأسد، في سياق الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية".
الأمريكيون كانوا حريصين على التأكيد، في سياق بيانهم عن العملية، أنهم لم يستشيروا، ولم ينسقوا، مع حكومة النظام، في سياق التحضير للعملية التي تطلبت إنزال قوات خاصة في ريف دير الزور.
لكن إعلان التلفزيون السوري، الخاضع للنظام، قبل ساعات من البيان الأمريكي، عن مقتل مسؤول النفط في "داعش"، يُوحي بأن هناك تنسيقاً واستشارة دون شك. وإن كان بيان التلفزيون السوري قد نسب تنفيذ العملية لقوات النظام، إلا أن ذلك، على الأرجح، رسالة استياء أرسلها النظام للأمريكيين تحديداً، استهدف فيها إحراجهم، بعد أن علم أنهم سيُنكرون التنسيق معه في هذه المرة أيضاً.
وفي تصور أولي لما حدث، يمكن مراجعة عشرات التقارير التي تصل حد التواتر الكافي، لتأكيد وجود تعاون في مجال النفط والغاز بين "داعش" وبين النظام، يبدو أن "أبو سياف"، أو "أبو التيم" حسب رواية النظام، كان المسؤول عنه.
ومن المعلوم أن حقل "العمر" النفطي، الذي قُتل فيه مسؤول النفط في "داعش"، هو أكبر حقل نفطي سوري تسيطر عليه "داعش" في دير الزور. وحسب الكثير من التقارير، شهد الحقل المذكور عدداً من الصفقات بين "داعش" وبين نظام الأسد عبر وسطاء، بعضهم موظفون في القطاع النفطي السوري ذاته. في البيان الأمريكي، فإن معلومات استخباراتية ساعدت على تنفيذ عملية تصفية مسؤول النفط في التنظيم. ومن أقدَرُ من النظام على تقديم هذه المعلومات؟ وهو من يملك تصوراً واضحاً لهيكلية حقل العُمر النفطي، وأبنيته، ودون شك، كان على إطلاع بأن مسؤول النفط في "داعش" يتواجد داخل حقل العمر في أوقات معينة، وذلك من خلال التعاطي معه في صفقات عديدة في مجال النفط والغاز.
سبق أن أكد بشار الأسد شخصياً، وجود تنسيق غير مباشر بين نظامه وبين الأمريكيين في الحرب على "داعش"، وذلك عبر الحكومة العراقية. جاء تأكيده هذا في المقابلة التي أجراها مع "بي بي سي" البريطانية، في شهر شباط الماضي، والذي تلاه مباشرة نفي جاء على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض.
لكن حادثة مقتل "أبو سياف"، أو "أبو التيم" حسب رواية النظام السوري، تؤكد وجود هذا التنسيق، على الصعيد الاستخباراتي. وقد يكون هذا التنسيق غير مباشر، ويتم بالفعل عبر الوسيط العراقي، كما ذكر الأسد سابقاً، لكن الأمريكيين لا يريدون تأكيد ذلك، تجنباً للحرج أمام الرأي العام المناوئ للنظام، خاصة في الأوساط الشعبية، السورية والعربية.
بكل الأحوال، تقدم هذه الحادثة تأكيداً لأمر كان مُرجحاً لدى معظم المتابعين، لكن النفي الأمريكي كان يحول دون الجزم به تماماً. وهو إن دلّ على شيء، فهو يدل على استمرار القيمة الاستخباراتية العالية التي يملكها نظام الأسد لدى الأمريكيين والغرب عموماً. وهي قيمة، لطالما استخدمها النظام لفتح قنوات تواصل دبلوماسية مع الغرب تحديداً. حدث ذلك أكثر من مرة خلال العقد الأول من القرن الحالي، حيث كان للتعاون الاستخباراتي بين النظام، وبين الأمريكيين، وزنه في اعتبارات العلاقات بين الطرفين. وسبق أن كشفت "ويكليكس" أن علي المملوك، مسؤول المخابرات العامة قبل الثورة، كان أحد أبرز أعضاء الدائرة الضيقة المسؤولة عن إدارة العلاقات مع واشنطن داخل النظام السوري.
كل ما سبق يوصلنا إلى تصور واضح حول أسباب تمسك الغرب عموماً، والولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً، باستمرارية مؤسسات الجيش والأمن في "الدولة السورية"، وحرصهم على عدم انهيارها. ذلك أن لتلك المؤسسات، وخاصة المؤسسات الأمنية منها، أواصر ارتباط متينة مع الجهات الغربية. ولا يبدو أن التنسيق توقف بين تلك المؤسسات، وبين الغرب، إلا لفترات محدودة، توقفاً يمكن وصفه بـ "البرود"، لا بـ "القطيعة"، وذلك رغم كل ما يقدمه الإعلام "المُمانع" من بروباغنذا عن استهداف الغرب لنظام الأسد وتهديده له.
(عن جريدة "المدن" الإلكترونية اللبنانية)