الباحث أجغوغ يشرح الأسباب التي أدت إلى التقهقر السياسي للحركة الأمازيغية في السنوات الأخيرة

الباحث أجغوغ يشرح الأسباب التي أدت إلى التقهقر السياسي للحركة الأمازيغية في السنوات الأخيرة

إذا قمنا بمقارنة سياسية بسيطة بين القوة السياسية للحركة الأمازيغية بالمغرب أيام محاصرتها بجميع الأشكال والطرق زمن الملك الراحل الحسن الثاني ومرشده الناهي والآمر إدريس البصري، ومرحلة الانفتاح الرسمي والحزبي على الأمازيغية واتفاق جميع الأطراف السياسية على ضرورة خدمة الأمازيغية لغة وثقافة، وبشكل آخر زمن منع الجمعيات الأمازيغية من وصولات الإيداع، مع زمن ترسيم الأمازيغية، نجد أن القوة السياسية للحركة الأمازيغية في زمن دسترتها أقل شأنا بشكل كبير مع زمن القمع السياسي المباشر الذي كانت تعيشه أيام الثمانينات والتسعينات.. هكذا نكون أمام سلوك سياسي محتشم لحركة سياسية، كان من المفترض أن يكون وزنها السياسي يفوق بشكل كبير وزنها في أيام محاصرتها السياسية والزج بمناضليها في السجون.. أما إذا استحضرنا عدد منخرطيها في زمننا هذا، فالأمر يزيد أكثر حيرة، لأن من المعروف وطنيا ودوليا أن الحركات السياسية التي تمتلك عددا كبيرا من المنخرطين والمتعاطفين تكون قوية سياسيا.. فيا ترى ماذا وقع للحركة الأمازيغية حتى أصبحت تعيش أزمات سياسية خانقة؟؟؟

حسب رأيي المتواضع، وبعد أكثر من عشرين سنة من الانخراط والمساهمة المتواضعة في بناء أسس الحركة الأمازيغية في المغرب، يمكن أن أشخص للقارئ مجموعة من الأسباب الموضوعية والذاتية التي أدت إلى هدا التقهقر السياسي الذي أصاب الحركة الأمازيغية وشل ديناميتها وحركيتها.. فمن جملة هذه الأسباب الذاتية والموضوعية نجد :

1- الأسباب الذاتية:

إن الترتيب الخاطئ الذي وضعه مجموعة من أطر الحركة الأمازيغية لأهدافهم وراء انخراطهم في الفعل السياسي الأمازيغي، انعكس سلبا على أداء الحركة الأمازيغية.. إن المصلحة الشخصية سواء كانت مادية أو رمزية، تبقى حق كل فرد.. لكن وضع هذه المصلحة الشخصية في المقدمة على حساب المصلحة العامة والسياسية لحركة ما تؤدي إلى تراجع أداء هده الحركة.. إنها حالات كثيرة وقعت فيها مجموعة واسعة من نشطاء الحركة الأمازيغية بالمغرب، وخاصة بعد إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وكذا إنشاء التلفزة الأمازيغية بميزانيات ضخمة لا تقبل النقاش والمحاسبة.. هاتان المؤسستان أدتا مباشرة إلى ظهور اقتصاد الريع، مما تسبب في المنافسة والجري وراء تحقيق أهداف مادية محضة لمجموعة واسعة من نشطاء الحركة الأمازيغية، متناسين بذلك الأهداف الكبرى والرئيسية التي خلقت لها هاته المؤسسات... تمكنت ظاهرة اقتصاد الريع من مسخ السلوك السياسي لدى مجموعة من نشطاء الحركة الأمازيغية، وأصبحت نخبتنا السياسية تسبح وراء جلب المال بجميع الوسائل والطرق التي تسمح به هذه المؤسسات.. هكذا أصبحنا لا نميز بين الفاعل السياسي والإعلامي والمسرحي والباحث في صفوف الحركة الأمازيغية.. السياسي يصبح غدا ممثلا، والإعلامي يصبح باحثا، والمسرحي يصبح مؤرخا... الكل داخل الحركة الأمازيغية يجري وراء عقد اتفاقيات عمل مع هذه المؤسسات.. والجميع أصبحوا قادرون على أداء جميع الأدوار والأفعال التي يقتضيها اقتصاد الريع، فأصبح المسخ والفساد ينخر جسد الحركة الأمازيغية..

- مرض القيادة وجنون الزعامة الذي أصابا مجموعة من نشطاء الحركة الأمازيغية، له كذلك وقعه السلبي في أداء الحركة الأمازيغية.. إن تجاهل البعض لأهداف الحركة الأمازيغية المقدسة واستحضارهما فقط لأهدافهما الشخصية وجنونهما الزعماتية، أدى إلى شلل التطور السياسي للحركة الأمازيغية.. ويمكن لنا أن نذكر الانقسامية التي استهدفت الحركة الأمازيغية عندما سعى الجميع سنة 2008 إلى تنظيم أشغال الكونغريس العالمي الأمازيغي بالمغرب والجزائر.. مجموعتان تبادلتا التهم فيما بينهما، وكل جهة تسعى إلى تعالي موقفها وقرارها في مكان تنظيم أشغال المؤتمر مؤدية بذلك وظيفة مجانية لأعداء الحركة الأمازيغية.. إنها وظيفة الانقسام داخل صفوف الحركة الأمازيغية، وبالتالي ضعفها وتراجعها.. أحداث متكررة داخل الحركة الأمازيغية كان سببها الزعامة والقيادة، أدت بشكل كبير إلى هدا التقهقر والتراجع السياسيين اللذين تعيشهما الحركة الأمازيغية.

- ثقافة الإشاعات الممنهجة التي تمكن أعداء الحركة الأمازيغية من خلقها داخل صفوف الحركة الأمازيغية، أدت بشكل كبير إلى توسيع دائرة الضعف السياسي لدى الحركة الأمازيغية.. إذ لم يستثن أحد من نشطاء الحركة الأمازيغية من تهمة سلبية تروج ضده ومن أصدقائه المقربين له.. هكذا أصبح الجميع في موضع الشك وموضع خدمة أجندة معينة.. وجد خصوم الحركة الأمازيغية عناصرها مجهزة داخل صفوف الحركة الأمازيغية لنشر تهم وإشاعات باطلة في حق سياسيين كبار وصغار، وبالتالي تكسير ثقتهما وعزلهما بشكل يؤدي مباشرة إلى ضعف الحركة الأمازيغية.

ثقافة الإشاعات الباطلة وعقلية القيادة والزعامة مع ظاهرة اقتصاد الريع، كلها عوامل ذاتية أدت إلى ضعف الحركة الأمازيغية.

2- الأسباب الموضوعية:

- من يتكلم عن السياسية يتكلم عن المال.. إنها قاعدة عامة لجميع الحركات السياسية في العالم.. الفقر المادي الممنهج الذي تعيشه مجموعة من النشطاء السياسيين للحركة الأمازيغية، والفقر المادي الذي تعيشه معظم الجمعيات الأمازيغية، له كذلك وقعه السلبي في أداء الحركة الأمازيغية.

- غياب التنسيق الوطني بين الجمعيات الأمازيغية وظهور تنسيقات وطنية وهمية، له وقع كبير في الضعف السياسي الذي تعيشه الحركة الأمازيغية.

- الجهوية الموسعة التي أصبح العديد من نشطاء الحركة الأمازيغية يؤمن بها، له كذلك وقع كبير على الضعف السياسي للحركة الأمازيغية.. الحديث الواسع عن مطالب الحركة الأمازيغية الريفية والحركة الأمازيغية السوسية والحركة الأمازيغية الأطلسية، أسقطت الكثير من نشطاء الحركة الأمازيغية في مأزق خطير.. إنه مأزق الانقسامية التي رسمها الخصم التقليدي للحركة الأمازيغية عندما فكر في خلق نشرة اللهجات وقاومتها الحركة الأمازيغية بقوة وعيا منها آنذاك أن هذا المخطط الانقسامي سوف يضعف الحركة الأمازيغية.. وها المخزن نجح في إسقاط الحركة الأمازيغية في التعصب الواسع لنشطائها لجهاتها ولهجاتها.

- غياب الاحترام للسياسيين المحترفين الأمازيغيين من لدن المنخرطين الجدد.. فكل من ينطق كلمة أزول يجد نفسه يمتلك الحق في مقارعة كبار الحركة الأمازيغية ومزاحمتهم في اتخاذ القرارات السياسية الإستراتيجية.

إن هذه الأسباب الذاتية والموضوعية التي تم ذكرها ساهمت بشكل كبير في التقهقر السياسي الذي تعيشه الحركة الأمازيغية.. وسوف أتناول في الحلقة المقبلة الحلول الممكنة من أجل استرجاع الحركة الأمازيغية لهيبتها وقوتها السياسية.