ظل المغرب دوما في ذيل الأمم القارئة.. هل ينقذ الملك الصحافة المغربية من السكتة القلبية؟

ظل المغرب دوما في ذيل الأمم القارئة.. هل ينقذ الملك الصحافة المغربية من السكتة القلبية؟

رغم أن الدستور لم ينص عليها صراحة، إلا أن الظرف الحالي يقتضي أن يسند أمرها إلى الملك، ليس لأن له مشروعية مستمدة من انتسابه لآل البيت الشريف فحسب، بل لأن وظيفته كرئيس الدولة تمنحه موارد رمزية لتأمين حقوق الأفراد والجماعة ولعب دور الحكم في كل القضايا السجالية والخلافية في المجتمع..

وأقصد بذلك الحاجة إلى خلق المؤسسة الملكية لإنعاش القراءة أو اللجنة الملكية لدعم المقروئية. إذ من العار أن يبقى المغرب في مراتب دنيا في هذا المجال مقارنة مع دول أضعف منه تاريخيا وسياسيا وحضاريا. فأحسن إصدار لبوزفور «رائد القصة القصيرة بالمغرب» لا يباع منه سوى 1000 نسخة في عامين (!) وأجمل دراسة للمفكر العروي أو المرحوم الجابري لا يباع منها بالكاد سوى 2500 نسخة، ومجمل الصحف المغربية لا تبيع مجتمعة أكثر من 500 ألف نسخة. وإذا كان الفرنسي أو النرويجي أو النمساوي أو الياباني يقضي ما بين 5 أو ثلاث ساعات في القراءة كل عام، فإن المغربي لا يتعدى دقيقتين في أحسن الحالات كل عام. علما أن آية «اقرأ» لم تنزل على قوم «لوط» أو «بوش» أو «ميركل» بل نزلت على أمة سيدنا محمد (ص) الذي يعتز المغاربة بحبه وبالتعلق به.

وهنا المفارقة كيف لمجتمع يهيم حبا في الرسول الكريم ولا يقرأ حتى القرآن، فأحرى أن يقرأ الصحف وأمهات الكتب ويتغذى من الرواية والشعر والتاريخ وعلوم التربية والفقه والسوسيولوجيا وغيرها من ضروب المعرفة.

فالمغرب لم يعرف فقط سنوات الرصاص من حيث الاعتقال والنفي والاختطاف والتعذيب. بل رافقت ذلك «سياسة رصاصية» تروم تضبيع الشعب واحتقار كل ما هو مكتوب وكل ما هو إبداع وكل ما هو نتاج العقل المغربي.

وبما أن المغرب طوى سنوات الرصاص وعوض الضحايا وتبنى سياسة جبر الضرر الجماعي في المناطق التي كانت مستهدفة زمن اللاقانون، فالأمل هو أن تبرز اليوم إرادة رسمية قوية لجبر ضرر المغاربة على مستوى مقروئية الصحف والكتب والإصدارات المختلفة لطي التخلف الفكري وتهذيب ذوق المغاربة وتوسيع متن مداركهم وضمان حقهم في الاطلاع على كل تعبيرات المجتمع بملله وشيعه ونحله.

للأسف رغم تعاقب الحكومات منذ عام 2000 إلى اليوم لم تتم ترجمة هذا الانشغال كهاجس رئيسي في السياسات العمومية، وتحولت وزارة الاتصال إلى منجنيق بيد الحكومات المتعاقبة ترجم من تشاء من خصوم الحكومة بالقيود والتأويلات الضيقة للقانون والمساطر الخاصة بالدعم وتغدق على من تشاء بالمال والامتيازات من المقربين.

 

من هنا وجاهة المطلب القاضي بإحداث القطيعة مع هذه السياسة والقيام برجة في قطاع الصحافة والإصدارات عبر الإعلان عن سياسة عمومية واضحة وإرادة قوية للدولة لردم الهوة في هذا المجال حتى يقترب المغرب من «السميك» العالمي في القراءة والاطلاع.

فمن العار أن تكون جزائر العسكر أحسن حال منا وترعى الصحافة وتوفر لها منافد النشر والانتشار والسبل للعيش الكريم. ومن العار أن تكون مصر أو دول الخليج أفضل حال من المغرب فيما يخص مستوى المقروئية وانتشار الصحف وتعميمها على المؤسسات العامة والخاصة.

إن النهوض بالمقروئية مشروع دائم، بينما الحكومات زائلة، دعم المقروئية يروم ربح مواطن صالح ويقظ بينما الحكومات تروم ربح زبون انتخابي، دعم المقروئية امتثال للأمر الإلاهي «اقرأ» بينما الحكومة تمتثل للأوامر الحزبية لها والقاضية بتوسيع القواعد الانتخابية والمكاسب البرلمانية.

ولهذا لن تنجح لا وزارة الاتصال ولا وزارة «الانفصال» في ربح هذا الرهان، بل لا بد من أن يمسك الملك بالملف، لأنه فوق الصراعات وفوق الأحزاب وفوق الحسابات الساقطة. ثم - وهذا هو الأهم - لأن الملكية (مثل المقروئية) دائمة في الزمن ولاترتبط بلحظة انتخابية.

هذا الاقتراح ليس نزوة عابرة أو ترف فكري بقدر ما هو مستوحى من تجارب مشرقة رأت النور وكسرت الاعتقاد الذي كان سائدا فيما مضى بأن المغرب لن يحققها. خذوا مثلا تأهيل الشمال، ألم يكن الاعتقاد مرتبطا بالقدرية فيما يخص صعوبة النهوض بتنمية الشريط الشمالي. لكن ما أن تولى الملك محمد السادس الملف وأعلن عن إرادة الدولة لردم الهوة حتى خرجت أساسات المشاريع المهيكلة الضخمة بالشمال في رمشة عين (ميناء + طريق سيار + مناطق حرة إلخ..).

خذوا الأفشورينغ ألم يكن الاستسلام سيد الميدان كلما ووجه مسؤول بوجوب الانفتاح على مهن العالم، لكن ما أن تبنى الملك الملف حتى أضحت المجالات الترابية في مختلف مناطق المغرب تتنافس لاستنبات الأوفشورينغ بنفوذها لما تمثله من مضخة هائلة لتوليد التشغيل وتهيئة المجال الحضري في المحيط الذي تزرع فيه.

خذوا العقار العسكري الذي كان يخنق المدن المغربية ويحرمها من فرص التجديد العمراني والتأهيل الحضري. ألم تسد حالة من الإحباط لدى المراقبين بسبب تجميد ثروة الجيش إلى أن تدخل محمد السادس وأمر بصياغة مونطاج مالي ومؤسساتي جديد يضمن حق المدن في استنشاق هواء عمراني جديد ويؤمن حق الجيش في التوفر على ثكنات جديدة بمواصفات آدمية.

خذوا مطار أنفا الذي كان يكبل الدينامية الحضرية لأكبر مدينة بالمغرب دون أن يجرؤ أحد على اتخاذ قرار بشانه بدعوى أن المطار مرفق أمني ضروري لإخماد الانتفاضات الحضرية بإحضار الجنود من مدن أخرى لتعزيز الأمن، إلى أن خلخل الملك القناعات.

وبدل أن يبقى مطار أنفا منصة لقنبلة سكان الدار البيضاء «ببراميل البارود» كما حدث في انتفاضات 1965 أو 1981، حوله محمد السادس إلى واحة حضرية ستحدث دينامية اقتصادية، بحكم أن القطب المالي لوحده سيشغل حوالي 35 ألف إطار في المهن المالية العالمية. هذا دون الحديث عن الجرعة الجمالية التي سيتم ضخها في الدار البيضاء حالما تنتهي أشغاله تهيئة قطب أنفا عما قريب.

إذا كان الأمر كذلك، لم الانتظار في انطلاق العداد الخاص بتنمية ودعم المقروئية ودعم الصحافة في المغرب؟.

فهناك 39 وزارة، وكل وزارة تضم عشرات المديريات والأقسام. كما أن كل وزارة تضم مندوبيات خارجية على رأسها مندوب وأطر سامية. وإذا جمعنا هذا الشتات سنجد حوالي 4000 إطار. أضف إلى ذلك وجود 83 عمالة وإقليم، وكل عمالة تضم ما بين 50 إلى 150 إطار (حسب حجمها وشساعتها) أي في المجموع هناك حوالي 8500 إطار (متصرف ورجال سلطة في الإدارة الترابية المحلية). أما الجماعات المحلية فيصل عددها إلى 1503 جماعة حضرية وقروية، وإذا علمنا أن نسبة التأطير بالجماعات تصل إلى 16 في المائة سنعرف أن هناك حوالي 23000 إطار جماعي بالمغرب (من أصل 156 ألف موظف بالجماعات المحلية) موزعين على الكتاب العامين والمهندسين والبياطرة والأطباء والمتصرفين ومهندسو التطبيق والمعماريين والإعلاميين.

وإذا استحضرنا الأجهزة الأمنية (من جيش ودرك وشرطة وقوات مساعدة وجمارك والوقاية المدنية) فبدون شك سيصل العدد إلى وجود 20 ألف إطار آخر يتحمل مسؤولية داخل ثكنة أو كوميسارية أو إدارة أمنية مركزية أوحامية أو سرية.

أما إذا أحصينا المؤسسات العمومية المملوكة للدولة أو التي تتضمن أسهما للدولة فإن العدد هو 400 مؤسسة، وكل مؤسسة تضم رؤساء أقسام ومدراء وكتاب عامون بشكل يجعل العدد يقفز إلى حوالي 4000 إطار تقريبا.

بمعنى إذا جمعنا هذه الأرقام سنصل إلى حوالي 60 ألف إطار مدني وعسكري بالإدارة المغربية بالإمكان أن تحولهم الدولة إلى منصة لإقلاع الصحافة المغربية (بكل ألوانها الفكرية والسياسية) عبر تبني السلطات العمومية لخطة واضحة في الاشتراك وشراء الصحف لتوزيعها ووضعها فوق مكاتب هذه الأطر: من جهة سيكون ذلك بمثابة تقريب المنتوج الصحفي لكافة أطر الدولة، ومن جهة ثانية ستكون مختلف المقاولات الإعلامية مؤمنة نسبيا في ضمان حد أدنى من المبيعات مثلما هو معمول به كافة دول المعمور.

بل في الدول المتمدنة ( وحتى الخليجية التي اقتبست هذه التجربة) هناك انخراط واضح للقطاع الخاص عبر التزام الفنادق والمؤسسات الجامعية والسجون بدعم الصحافة عبر الاشتراك والشراء لوضع الجرائد رهن إشارة نزلاء الفنادق ومرتادي المكتبات الجامعية والسجنية.

عدد الصحف بالمغرب وحجم النسخ المقترح شراؤها من طرف الدولة على امتداد السنة لا يمثل حتى نسبة 0.5 في المائة من المبلغ الإجمالي المهدور في مشروع عمومي واحد. مثلا: ملعب فيليب بالبيضاء كلف 12 مليار سنتيم وهو غير صالح للمارسة الكروية نهائيا، في الوقت الذي يمثل هذا المبلغ ميزانية سنتين أو ثلاث سنوات لدعم المقروئية بالمغرب لكافة الصحف والمجلات والإصدارات، مع فارق كبير أن ملعب فيليب مليء اليوم ب«البزاق» فيما أن دعم المقروئية سيضمن عقولا مملوءة بالأفكار والتحاليل والمعطيات.

هذا مجرد اقتراح ولذوي القرار واسع النظر.

كيف اخترق السلفيون المغاربة حقلنا الديني

هل اخترق السلفيون المغاربة فعلا حقلنا الديني؟ أم أنهم يتمتعون بطلاسم خاصة جعلتهم ينومون مسؤولي القطاع، وينتصرون على الدولة والأمة في محفل رسمي، وذلك إطار يتميز بحساسية خاصة في هذه الظرفية، بعد انحصار المشروع الديمقراطي والتنويري مقابل «دعشنة» العالم؟

ذلك هو السؤال الذي نطرحه بمناسبة ندوة «السلفية، تدقيق المفهوم وبيان المضمون» التي نظمها المجلس العلمي الأعلى يوم الخميس 2 أبريل الجاري بمدينة الرباط

حين نقرأ الورقة التوجيهية التي هيأتها المجالس لهذه الندوة، وكذا نتائج المداولات والأشغال نجد أن الندوة تبدو كما لو انعقدت في زمن ومكان معلقين في الهواء، في حين تنبه كل السياقات الوطنية والعربية والدولية إلى خطورة المد السلفي الذي صار يعمق تناسلاته وأبعاده، ويلعب على كل الأوتار من أجل إشاعة الغموض حول مشروعه الهدام للفكر والأمة والمجتمع المغربيين. ولذلك فالندوة تطرح عددا من الملاحظات التي يهم بعضها الإطار العام للسلفية بشكل عام، ويهم بعضها الآخر مضامين الندوة التي حضرها فقهاء الدولة والعلماء وسدنة الفكر السلفي.

بخصوص النوع الأول من هذه الملاحظات (الخاص بالإطار الفكري) نسجل أن من البديهي التذكير بأن الاعتبارات العامة المحيطة بالسلفية اليوم، هي غير تلك التي ميزت سلفية عصر النهضة في الشرق (نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين)، وميزت بنفس المستوى السلفية المغربية كما بلورها السلفيون المغاربة، ابتداء من ثلاثينيات القرن الماضي، حيث كانت تلك السلفية ذات مضمون تحريري وتنويري يروم تقديم قراءة جديدة للتراث العربي والإسلامي تنزع عنه طابع التزمت الذي وسمه منذ ابن حنبل وابن تيمية. كما كان ذلك المضمون مطبوعا ببعد وطني مقاوم يعلي من قيم الحرية والإنسان في مواجهة مكشوفة ضد الاستعمار والجهل والتخلف.

أما سلفية اليوم فقد صيغت بالشكل الذي يجعلها تكثف كل أشكال اليأس والانتقام من المجتمع ومن الدولة، ولذلك صرنا نلاحظ تمايزا بين نوعين من الممارسة السلفية:

- الأولى تقدم نفسها باعتبارها امتدادا للسلفيات الأولى، لكنها بدون مبادرة أو فعل.

- الثانية: سلفية دموية وإرهابية غارقة في الدم والظلام والبؤس الفكري.

ومع ذلك فهذا التمايز ليس بالوضوح الكافي، إذ نجد أن أنصار النوع الثاني غالبا ما يتسترون داخل جلابيب النوع الأول، وذلك في حالة كمون وتربص. وهناك أمثلة كثيرة على هذا الغموض الانتهازي الذي يجعل حزبا كالنور في مصر يعمل بمبدإ التقية كامنا اتجاهاته الانغلاقية في انتظار التمكين، وهو يرى أن أولى خطوات هذا التمكين الانقضاض على البرلمان المصري المزمع تنصيبه في الأشهر القادمة. وفي الوضع المغربي، نجد عددا من السلفيين يعلنون إدانتهم للإرهاب، لكن ما أن تسمع فتاواهم حتى يتضح لك البعد «الداعشي» لرؤيتهم للدين وللكون.

فهل استحضرت ندوة المجالس هذا التغير الجديد في الممارسة السلفية؟

انطلاقا من متابعتنا لأشغال الندوة يتبين أن هذه الأشغال كانت في واد، والحقيقة السلفية في واد آخر. وبذلك أضاعت الندوة جزءا كبيرا من أهدافها المتصورة، إذ عوض التوضيح كان التغميض، وعوض الفهم كان التستر على واقع الأمور.

لقد حملت الندوة عنوان «السلفية، تدقيق المفهوم وبيان المضمون»، ومعنى ذلك أن الاستراتيجية المبتغاة تستوجب من الناحية المنهجية فحص المفاهيم، وقراءتها في بعدها التاريخي المرتبط بتطور هذه المفاهيم، وبعد الوضع الراهن حيث يتم الفحص على ضوء ما يجري في الواقع، وفي طبيعة التنظيمات المسماة سلفية. وهذا ما لم يتحقق عمليا لعدد من الاعتبارات، أولاها، أنه رغم التعريفات التي أعطيت لمفهوم السلفية، بقي المفهوم هلاميا لعدم تشخيصه تشخيصا حقيقيا. وعندما يغيب التشخيص، فلا يمكن التعويل على العلاج. في نفس الإطار الغامض، ركزت معظم العروض على مفهوم التوفيق بين السلفية والتصوف. وهو أمر لا يستقيم. فلا معنى لسلفية لا تنطح، ولا معنى لتصوف لا يشطح. فإما أن يذوب الواحد منهما في الآخر. أما أن يتعايشا فهذا من المحال البين.

- الاعتبار الثاني، أنه لم يتم تحليل مفهوم السلفية باعتبارها سليلة الإيديولوجية الوهابية التي انتشرت على أرض الحجاز منذ القرن الثامن عشر للميلاد، ومثلت منذ ظهورها التجلي الواضح للمذهب الحنبلي، ولتصورات وفتاوى ابن تيمية، ومن هناك صارت المعتقد الرسمي لبعض الدول الخليجية، وبدون استحضار هذا الجذر التاريخي يصعب قراءة المفهوم بشكل جيد، وليس عبثا أن ينبثق فكر القاعدة ومؤسسه من داخل شبه الجزيرة العربية. هذا المعطى لا يترجم دعوة دينية أو تصورا فكريا تحاول أن تصرفه تلك الدول في مجال بناء الأفكار والاجتهادات، بل لقد صار في ملتهم إطارا تعبويا تخصص له موارد مالية من أجل النشر والانتشار في العالم العربي والإسلامي.وهنا لا يمكن أن نغفل أثناء القراءة أثر الإيديولوجية الوهابية - في توطين القاعدة في أفغانستان، وفي إشعال نار الحرب الأهلية في الجزائر لمدة عشر سنوات...

لقد غيبت الندوة هذا السياق التاريخي، مثلما غيبت ما هو أخطر، كون السلفية بمفاهيمها القائمة على الغموض، وعلى أحادية الفكرة والتنظيم، وعلى التزمت المذهبي تهدد مؤسسة إمارة المؤمنين القائمة على رحابة المذهب المالكي، وترفض أن تتعايش في كنفها أو معها.

من المؤسف أن مجريات الندوة تجعل المتتبع يسجل أن شكل الندوة ومضمونها جعلاها قد تندرج بهذا التخبط في وظيفة التدليس على المستوى الداخلي والخارجي، في الوقت الذي ستوفر فيه المزيد من ظروف الحماية لاستنبات مزيد من التطرف في البلاد، الأمر الذي يطرح سؤال مشروعية الدولة الدينية، والأخطر من ذلك سؤال حاضر المغرب ومستقبله. ولذلك من المؤسف كذلك تسجيل أن الرابح في هذه الندوة هو التيار السلفي على جميع الأصعدة المادية منها والرمزية، سواء من خلال المضامين التي كرست الهلامية والغموض أكثر من أي شيء آخر، أو من خلال عدد الكلمات التي أخذها الشيخ زحل مقارنة مع غيره من المنتدين. وسواء من المدلولات الرمزية، وقد تمثل ذلك بشكل جلي أيضا من خلال هرولة وزير الأوقاف لتقبيل رأسه زحل، في حين أعرض عنه هذا الأخير، وفي ذلك فليتبارى قراء السطور وما بينها وما خلفها. وعلى نفس الخط تساءل المتتبعون كيف يمكن خلق مناخ تعبوي لمواجهة الفكر، وقد تم تهميش الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، في حين تمت العناية بشيوخ السلفية كالفيزازي وزحل.

مجمل القول إن الندوة المذكورة قد أخطأت الموعد والسياق والأهداف، إذ كان عليها أن تدفع بالوضوح التام إلى أقصاه، عبر التأكيد على أن السلفية إما تكون رسالة تنوير وتجديد أو لا تكون، وعبر التأكيد ثانيا على أن هوية السلفي الحقيقي يحب أن تكون قاطعة مع ممارسة وفكر الغموض، أي مع فكر القاعدة و«داعش» وأخواتها. قد ينازعنا أحد ما في القول إنهم انتصروا اليوم، لكن المؤكد أن مغرب الاعتدال والوسطية والحوار والتسامح قد تلقى ضربة موجعة من خلال ندوة كان ينبغي أن تسمى «تغميض المفهوم وإتلاف المضمون».

أحمد لفضالي