عبد الرحيم أريري: الدولة تنهب أموال الدارالبيضاء

عبد الرحيم أريري: الدولة تنهب أموال الدارالبيضاء

يرى عبد الرحيم أريري، مدير موقع "أنفاس بريس" وأسبوعية "الوطن الآن"، إن أزمة المدينة هي أزمة حكامة ورؤية وليس تمويلا، مؤكدا أن التمويل يتعرض للنهب من قبل الدولة، وبين كيف يم تفريغ خزائن البيضاء لفائدة الدولة مما أدى إلى تراكم الأعطاب بالعاصمة الاقتصادية.

وأوضح أريري، المتخصص في شؤون الدار البيضاء، في حوار مع يومية "الصباح" نشر السبت الأحد 11/12 أبريل 2015، أن الرهان معقود على الموارد البشرية التي ستشتغل في القطب المالي، من أجل تحسين النسل السوسيولوجي للبيضاء. ويقصد محاور الصباح بالنسل السوسيولوجي أزيد من 35 ألف إطار عالي في المهن المالية، مع ما سيترتب عن ذلك من ميلاد طلب قوي على جودة الخدمات في المطاعم والترفيه والتعليم وقضاء الأغراض الإدارية والسلوك في الفضاء العام.

 + مرت سنة ونصف على الخطاب الملكي من داخل البرلمان حول الدار البيضاء، وما تلاه من مخططات إنقاذية، فماذا تغير في المدينة؟

- تغيرت ثلاثة أمور: أولا، تمت خلخلة القناعات التي كانت سائدة من قبل لدى النخب السياسية والإدارية والتكنوقراطية  من أن الملك كان له اهتمام بروتوكولي فقط بالبيضاء وليس اهتماما مرتبط بشرط وجود. الأمر الثاني الذي تغير وهو أن البيضاء ربحت "مونطاج" مؤسساتي سيساعد على تدارك التأخر الحاصل في الإنجاز. وأقصد تسريع وثيرة ميلاد شركات التنمية المحلية، وهي الفكرة التي ولدت مع مرحلة الوالي محمد القباج دون أن تتحقق على أرض الواقع لوجود لوبيات كانت من مصلحتها أن تبقى الأمور تدار بالطريقة البدائية. ولم تخرج للوجود آنذاك سوى شركة "كازا ترانسبور" الخاصة بالترام التي أعطت نتائج باهرة في التقيد بالمشروع وبميزانيته وبجدولته الزمنية، وكذا شركة "إدماج سكن" التي حققت وثبة مذهلة في محاربة السكن الصفيحي، في حين كان صعبا إخراج الشركات الأخرى. وأما ثالث تغيير، فلا يدركه إلا من يعيش في الحوض الشرقي للدار البيضاء، أي الشريط الممتد من "روش نوار" إلى المحمدية مرورا بعين السبع والحي المحمدي وسيدي مومن والبرنوصي، وهو حوض تسكنه حوالي مليون نسمة وينتج 17 في المائة من الناتج الداخلي الخام بالبلاد لكن دون أن ينعم بالحق في التطهير وبالتالي حقه في التهيئة الساحلية.

+ وكيف السبيل إلى إنصاف هذه المنطقة؟

- إن الغضبة الملكية أنصفت هذه المنطقة التي تؤمن المال للمغرب على اعتبار أن اللوبيات كانت تضغط في اتجاه حصر التهيئة والتطهير في الجنوب الغربي للولاية لكون كبار الشركات العقارية اشترت الأراضي هناك وتريد أن تبتز الدولة لجر المنافع نحو عقاراتها على حساب الإنصاف المجالي للمدينة. وبفضل التدخل الملكي تم تخصيص حوالي 140 مليار سنتيم لمحاربة التلوث بالساحل الشرقي للولاية، وهو ما سيسمح غدا للمستثمرين بالمغامرة للقيام بمشاريع على طول هذا الساحل (فنادق، مسابح، مطاعم، ملاهي، إلخ...) فضلا عن ضمان الحق في السباحة في البحر النقي لمليون نسمة كانت تسبح في مياه ملوثة من جهة ولتخفيف الضغط على ساحل عين الذئاب من جهة ثانية.

+ ماذا تقصد بأن اهتمام الملك بالبيضاء، ليس بروتوكوليا وإنما شرط وجود؟

- أقصد أن الملك ما فتئ منذ توليه الحكم في صيف 1999 يصدر الإشارات للطبقة السياسية من أن مصير التراب الوطني رهين بالاهتمام بالدار البيضاء ولكن للأسف لم تلتقط صرخاته التي وثقها في خطب أو قرارات مما جعله يرفع إيقاع السخط والغضب في البرلمان في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية عام 2013 وهو الخطاب الذي خصصه بالكامل تقريبا للعاصمة الاقتصادية. فالملك أعطى الإشارة الأولى في أكتوبر1999  لما أشهر دفتر تحملاته في البيضاء، وجدد هذه الإشارة في عام 2000 بمناسبة انطلاق الحوار الوطني من كون البيضاء هي عصب البلاد، وزكاها في 2004 أثناء رئاسته للمجلس الأعلى لإعداد التراب الوطني وهو المجلس الذي خلصت توصياته إلى أن المغرب لن تقوم له قائمة مالم يتم النهوض بالبيضاء ومعالجة أعطابها الكبرى، ورسخ الملك الإشارة عام 2006 لما أعطى الضوء الأخضر لترحيل مطار أنفا وإحداث قطب مالي وكذا ترخيصه لإعداد الوثيقة المرجعية لتهيئة المجال الوظيفي لشريط البيضاء القنيطرة.

+ وأين دور النخب السياسية؟

- موازاة مع ذلك كانت معظم خطب الملك تتطرق لتأهيل الأحزاب وتكوين الكوادر المؤهلة لتدبير الشأن العام ومع ذلك لم تلتقط الإشارات، فبادر محمد السادس في سابقة لم يألفها المغرب في تاريخه الراهن إلى تخصيص استقبال ملكي رسمي بالقصر الملكي بالحبوس عام 2009 للتصديق على المخطط التوجيهي للتهيئة الحضرية للدار البيضاء بحضور كل النخب السياسية والإدارية والتقنية، بما يفيد أن الملك يلتزم أمام الشعب كضامن لتنفيذ التوجهات الكبرى لهذا المخطط حتى لا يبقى حبرا على ورق مثلما كان الحال مع مخطط "بانسو" السابق. ولا أدل على ذلك، من أن الموقعين أمامه بالقصر الملكي تم تطويقهم بجدولة زمنية مضبوطة لتنفيذ أولى التوجهات ووجوب إخراجها لحيز الوجود عام 2013 وهي: الطرامواي والملعب الكبير وتهيئة الساحل الشرقي للمدينة والمنافذ الطرقية الرئيسية.

+ هل يبدو لك أن الغضبة من داخل البرلمان أعادت تلك الدينامية الممتدة إلى سكتها الصحيحة؟

- أود أن أوضح أن "قسوحية راس المسؤولين"، هي التي وجد الملك أنه لابد أن يتدخل بشأنها في البرلمان بالطريقة التي أشرت إليها، خاصة وأن تأهيل باقي الأقطاب التي كان يشرف عليها محمد السادس (طنجة الجديدة- فاس- مراكش- العيون- إلخ....) وفق ما سطر في "الدستور الترابي" عام 2004 بخصوص توصيات الحوار الوطني حول إعداد التراب، أظهر محدودية في النتائج المرجوة على اعتبار أن جني الثمار لن يتحقق طالما ظلت البيضاء معطوبة.

+ في نظرك، هذه الأعطاب، مرتبطة بأزمة رؤية ومشروع وحكامة أم بأزمة تمويل؟

- لم يسبق أن كان مشكل الدار البيضاء مشكل تمويل، لسبب بسيط وهو أن أموال البيضاء كانت وما تزال، تهرب من طرف الدولة. المشكل في ظني هو مشكل حكامة وتداخل الاختصاص وغياب التنسيق بين المركز والمحيط لتكون المشاريع مربحة للمدينة، فضلا عن الصراعات السياسية الماضية التي ظلت ترخي بظلالها على التدبير اليومي للولاية.

+ وكيف تهرب الدولة أموال البيضاء؟

- توجد أمثلة كثيرة عن تهريب أموال الدار البيضاء من قبل الدولة لفشل الحكومة في إبداع صيغ أخرى تضخ بها الموارد لفائدة الخزينة العامة هناك، والمثال الأول يهم الاختناق المروري وأزمة التنقل بالبيضاء، إذ من المعلوم في كل المدن التي تحترم نفسها أن مداخيل السيارات تبقى في المدينة ولا تهرب إلى الحكومة. فأسطول السيارات بالدار البيضاء يصل تقريبا إلى 2 مليون سيارة حسب آخر إصدار لوزارة النقل، وإذا علمنا أن مالكي السيارات البيضاويين يسددون رسوما وضرائب على السيارة كل عام (فينيات ولافيزيت...) تقارب 3 ملايير درهم 300 مليار سنتيم سنويا) آنذاك نفهم سر المشاكل التي تعانيها العاصمة الاقتصادية.

فهذه الأموال تجبيها الدولة بالقوة ولا تحول لبلدية البيضاء علما أن صيانة الطرق (5000 كلم هو طول الشبكة بالبيضاء) تتطلب سنويا – حسب المعايير الدولية - 60 مليار سنتيم لضمان الجودة، كما يتطلب الوضع إنجاز مرائب تحت أرضية أو عمودية في مختلف المناطق وأنفاق وقناطر لضمان انسياب المرور. أضف إلى ذلك أن المدينة في حاجة ماسة إلى 4 خطوط إضافية للطرامواي بكلفة تقارب 30 مليار درهم، دون الحديث عن الميترو. وبالتالي لو بقيت هذه الأموال في البيضاء لما وصل الاحتقان إلى هذا المستوى طبعا مع استحضار وجود مسؤولين لديهم "الكبدة" على البلاد وليسوا "دراكيلات" يمصون المدينة ومواردها.

+ وما هو المثال الثاني؟

- المثال الثاني يتجلى في أن الدار البيضاء لما تقتطع ضرائب السكان لتهيئة حي معين (مثلا راسين- المسيرة- أنفا- 2 مارس- عين الذئاب- إلخ...) بالملايير ترتفع أوتوماتيكيا أسعار العقارات بالحي المذكور، لكن المفارقة أن القيمة المضافة أثناء بيع الشقق تهربها الدولة للخزينة العامة ولا تحويلها لفائدة المدينة كما هو معمول به في الدول المتمدنة حتى يتسنى القيام بعمليات مماثلة وبسرعة في أحياء أخرى بفضل عائد البيع أو تخصيصها لعمليات التجديد العمراني. وإذا راجعنا سجلات إدارة التسجيل والتنبر التابعة للمالية سنقف على حجم الحيف الذي يطول البيضاء.

+ في ظل ذلك، وغيره من الأعطاب الجذرية، هل يستقيم الحديث، عن البيضاء قطبا ماليا منافسا في إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط؟

- أعتقد أنه يحق لنا أن نعتز بقرار إحداث القطب المالي بالبيضاء لسببين اثنين: الأول هو الثقة التي وضعتها بريطانيا في المغرب لما قرر خلق قطب مالي، علما أن بريطانيا هي امبراطورية المال بالعالم بحكم أن أي حاوية تجوب البحار في العالم تحمل بصمة الحي المالي في لندن: إما أن تمويل تلك الحاوية تم بفضل بنك يوجد في العاصمة البريطانية وإما أن تأمين الحاوية تم في لندن وإما أن إعادة التأمين تقرر في لندن .بمعنى أن بريطانيا لها يد في كل ما يجري في التجارة العالمية، وبالتالي فهي  ليست بليدة إلى حد أن كل كبار مسؤوليها الماليين والسياسيين بدأوا يحلون بالمغرب منذ عام 2007 لتتبع ورش إخراج القطب المالي بالبيضاء.

السبب الثاني، يكمن في أن القطب المالي، فرصة لتحسين نسل سكان البيضاء، أقصد النسل السوسيولوجي وليس البيولوجي، بحكم أن القطب المالي سيوظف حوالي 35 ألف إطار عالي في المهن المالية، مع ما سيترتب عن ذلك من ميلاد طلب قوي على جودة الخدمات في المطاعم والترفيه والتعليم وقضاء الأغراض الإدارية والسلوك في الفضاء العام.

فوجود 35 ألف إطار ذوي مستوى جامعي عال ومدخول مالي محترم ويتعاملون مع الخارج كل يوم (ثلث المعاملات ستتم مع المنصات المالية العالمية)، سيمثل قيمة مضافة إيجابية جدا.