دوالكيفل: التعاضدية العامة وتواطؤ الحكومة والإفلات من المساءلة

دوالكيفل: التعاضدية العامة وتواطؤ الحكومة والإفلات من المساءلة

أعدت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة "ترانسبارانسي المغرب" تقريراً حوْل نظام النزاهة في المغرب، وقدمته في لقاء إعلامي بالرباط يوم الخميس 26 مارس 2015، سجلت فيه، من ضمن ملاحظات كثيرة وهامة، عدم استقلالية أعمدة النظام الوطني للنزاهة، واستمرار الإفلات من العقاب، مما يقوّض مبدأ المحاسبة ويعزّز الأعطاب المعطّلة أو المؤثرة على التقدم نحو الشفافية، وبالتالي تتم عرقلة مكافحة الفساد.

وتربط "ترانسبارانسي المغرب" نجاحَ النظام الوطني للنزاهة في مكافحة الفساد بالمزيد من التقدم في مجال سيادة القانون والديمقراطية والحريات والمساءلة، مضيفة أنّ "أجهزة الرقابة والحكامة الوطنية تنقصها الاستقلالية والتنسيق والامتداد الفعّال في القضاء".

وأنا أتفحص تقرير جمعية محاربة الرشوة، استحضرت تجربتي مع التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، التي ولجتها سنة 1999 مندوبا لموظفي قطاع عمومي، ومواكبتي لمسارها منذئذ ولمسار محاربة الفساد فيها، ومناهضة اختلالاتها والضالعين في ضرب المقتضيات القانونية المعتمدة في المغرب منذ عقود، ولاسيما مع صدور ظهير التعاضد سنة 1963، الذي وضع آليات للإشراف والتتبع والمراقبة لا يتم تفعيلها إلا لماما، ومنها المجلس الأعلى للتعاضد، الذي اجتمع ثلاث مرات يتيمة في ظرف أكثر من خمسين سنة، رغم الصلاحيات الموكولة له وللمفتشية العامة للمالية، وكذلك الفصل 26 من ظهير 1963 الذي ينص على سلطات وزيري التشغيل والمالية في حال ثبوت خلل خطير في تسيير تعاضدية ما، أن يحلا الأجهزة القائمة بقرار مشترك ويخولا سلطات المجلس الإداري لمتصرف واحد أو عدة متصرفين "على أن يعمل هؤلاء على إجراء انتخابات جديدة في ظرف ثلاثة أشهر"، وقد ظل تطبيق هذا الفصل مثل "بيضة الديك" حيث لم يُعمل به إلا في حالات محدودة جدا، أشهرها تطبيق الفصل 26 في حق الرئيس السابق للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية محماد الفراع سنة 2009، الذي وصل ملف اختلالاته إلى القضاء وصدرت فيه أحكام قضائية بعقوبات السجن قضى قليلون مدتها وأفلت الرئيس إلى يومنا هذا من المساءلة الحقيقة والمنهجية بعد مسلسل طويل من التقاضي أعاد الملف إلى نقطة الصفر بقرار صادر عن محكمة النقض، مما يثير العديد من علامات الاستفهام حول خبايا الملف ورهاناته ولوبيات حمايته، بلغت حد الاستهتار بحقوق المنخرطين وبهيبة القانون... وهذا ما أشار إليه تقرير ترانسبرانسي حين تحدث عن "استمرار الإفلات من العقاب، مما يقوّض مبدأ المحاسبة ويعزّز الأعطاب المعطّلة أو المؤثرة على التقدم نحو الشفافية، وبالتالي تتم عرقلة مكافحة الفساد". وهذا ما عانت ولا تزال تعاني من جرائه التعاضدية العامة ومعها تعاضديات أخرى عرفت فسادا لم يخضع للمساءلة مطلقا، أو تعثرت فيه المساءلة في الطريق وطواها نسيان متعمد مشفوع بسبق الإصرار.

هذا التعاطي السطحي والسالب مع ملفات الفساد عامة، وفي القطاع التعاضدي خاصة، هو ما شجع استمرار الاختلالات والممارسات الفاسدة التي لا تحترم الضوابط القانونية، بل تخرقها وتجدد الخرق بانتظام، وهو ما جعل الممارسات الفاسدة تتواصل في التعاضدية العامة والاستهتار بالقانون والصمت الحكومي الذي تحول إلى تواطؤ عبر عنه وزير التشغيل الحالي (قولا وفعلا) أمام غرفتي البرلمان عدة مرات وفي بعض المنابر، وفي قرار مشترك مع وزير المالية حين أقرا زيادات في قيمة الانخراطات الشهرية (أثقلت كاهل المنخرطين والمتقاعدين) رغم أنها صادرة عن جمع عام غير قانوني باعتراف الوزارتين في مراسلات رسمية. واختلالات التعاضدية المذكورة موثقة في تقرير رسمي صادر عن المفتشية العامة للمالية تحت رقم 4649 صادر في مارس 2013 أي قبل سنتين، وما زال ممنوعا عن الرأي العام بشكل تعسفي، في خرق سافر لمبدأ الحق في الوصول إلى المعلومة، مما يضر بمصالح المنخرطين وبمنظومة النزاهة، ولم يتم تحريك مسطرة المساءلة عن الخروقات المتضمنة فيه. وهذه الممارسات تستحق المحاسبة وتقتضي، من ضمن إجراءات أخرى، أن يتضمن مشروع قانون مدونة التعاضد الجديدة تحت رقم 109.12 (الذي تأخر كثيرا في غياهب البرلمان) آليات حقيقية وفعالة للمراقبة القانونية والمالية لتدبير شؤون التعاضديات.

وحتى لا تضيع جهود "ترانسبرانسي المغرب" هباء بخصوص تعزيز نظام النزاهة في المغرب، وحتى لا يستمر الإفلات من العقاب، وحتى يتم تفعيل مبدأ المحاسبة، وحتى لا يتم بالتالي عرقلة مكافحة الفساد...، فإن البرلمان والحكومة والقضاء والنقابات والأحزاب وجمعيات مناهضة الفساد... كل أولئك مطالبون بقراءة متمعنة للدراسة القيمة التي أنجزتها ترانسبرانسي المغرب المشار إليها أعلاه واستخلاص العبرة منه ودعم إعمال خلاصاته ونتائجه.