مظاهر الفوضى اللاتربوية والممارسات المستهجنة ومعالم السيبة التي اجتاحت الجسم التربوي المغربي، والتي تقاطرت علينا عبر مواقع التخاطب الاجتماعي التي شهدتها بعض المدارس العمومية، تدق إسفين آخر في نعش المدرسة المغربية.
الباحثون في تداعيات الظاهرة الشغبية والعنفية والاستهتارية، بدءا بآخر كارثة مدرسية من ثانوية ابن القاضي الإعدادية بمدينة وجدة،حينما أطلق تلميذ قنبلة غاز مسيل للدموع داخل القسم، خلف آثارا كارثية اضطرت معها مختلف القوى الأمنية إلى الحضور إلى عين المكان، مرورا بالأشرطة الفاضحة لتلاميذ يحتجزون أستاذتهم، وآخرون يدخلونبالأشرطة الفاضحة لتلاميذ يحتجزون أستاذتهم، وآخرون يدخلون هذا، إضافة إلى مذكرات أخرى، تدعو الأستاذ إلى تكليف المتعلم، بدل إخراجه من الفصل، بأنشطة أخرى( البستنة والنظافة والنجارة والخرازة والنكافة...).
يمكن القول ثمة عوامل جمة ساهمت في صناعة هذه الفوضى التربوية التي اضطر فيها الأستاذ أن يرفع يده عن مهمة التدريس التي حولتها الوزارة الوصية إلى حرفة وإجارة يعلم فيها بشكل ميكانيكي دون تربية وبناء للقيم وصناعة شخصية المتعلم.
- الرصد المبالغ فيه والمسيء للهيآت الحقوقية التي تمارس مختلف أشكال التحيز والحياد السلبي والإيجابي... ضد الأستاذ دون التلميذ، محاصرة إياه بإكراهات قانونية تصل إلى حد الإكراه البدني أو الإعفاء. فأي رد لفظي أو جسدي من لدن الأستاذ على تلميذه هو من باب الممنوع الذي يدفعه إلى البحث عن ردود أفعال أخرى، عنوانها الموت السريري داخل محيطه المؤسسي والفصلي، وما له من انعكاسات سترك أوزارها للعقود القادمة.
- تحول جمعيات آباء التلاميذ إلى راع لمبدأ السلم والسلام والخوف من جهة، وإغماض الأعين عن ما يقترفه متعلمها من فوضى وممارسات لا تربوية من جهة أخرى. وهنا لابد من دعوتها إلى تجديد هياكلها، وإعادة النظر في برامجها وقوانينها، من أجل المساهمة في بناء المدرسة العمومية.
- تقديم النقابات الوطنية لاستقالتها من حمل مشعل الدفاع عن المكونات المدرسة العمومية، التي ينبغي أن يحتل فيها الأستاذ مركز العملية التعليمية التعلمية عوض التلميذ لأسباب مختلفة لا يتسع المقال لسردها ومناقشتها.فما عاد للنقابات من وظيفة أو دور سوى التركيز على الملفات الشخصية الضيقة، والاقتصار على المطالب الذاتية والتعويضات المالية.
- الآلة الإعلامية المغرضة، عبر ما ترسخه وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، الورقية والسمعية البصرية والإلكترونية من رسائل مسمومة تقوض صورة المدرس إن على المستوى الشخصي أو المهني.
أريد ألا تفوتني المناسبة، في هذا الصدد، للإشارة إلى مسؤولية وسائل الإعلام التاريخية في تهديم أحكامنا وصورنا حول المدرس وأدواره التربوية والتعليمية في بناء المجتمع.
فلعل هذا المسلسل من الأشرطة التي تظهر تباعا على مواقع التواصل الاجتماعي يدفع إلى طرح جملة من الأسئلة، أولها: ما قول القوانين في عملية التصوير داخل مؤسساتنا التعليمية؟
الوزارة الوصية التي أخذت على عاتقها التحقيق في واقعة مدرسة الإعلاميات التي كانت في نوبة هيجان، وشرعت في سب وشتم تلميذها. ما قولها في شرعية وقانونية التصوير قبل متابعة الأستاذة، لماذا اللجوء إلى التشهير وعدم احترام المعطيات الشخصية التي يحث عليها دستور2011؟
كان من الأليق والأجدر أن تتجه الوزارة، التي تكبل الأستاذ بقيود المذكرات السطحية التي تخفي بؤس المدرسة المغربية، أن تبث في قانونية استعمال الهواتف داخل المؤسسات، وفي قلب الفصول المدرسية.
وبناء عليه، فإن دعوتنا اليوم تنبع من منطق الخوف على نشئنا والحرص على فلذات أكبادنا. هي صرخة مدرس يدعو إلى ضرورة استحضار القيم الإنسانية الكونية، والضمير الأخلاقي والمسؤولية الوطنية من جهة ثانية في تدبير قضايا مدرسينا وملفاتنا التربوية التي ما زال المجلس الأعلى للتربية والتكوين يتقاضى عنها الآلاف، بل الملايين من التعويضات من ميزانية المواطن المغربي.
ولعل ما يعزز هذا الطرح الذي ذهبت إليه صمت الوزير أمام حملة "انصف أستاذك" التي تفجر مواقع التواصل الاجتماعي، وتشهد دعما كبيرا من لدن الجميع.