منذ توليه مسؤولية التدبير الحكومي إثر الانتخابات التشريعية لسنة 2011، وحزب العدالة والتنمية يردد، بموازاة سلوكه السياسي، خطابا جديدا من أجل التغطية على مواقف العجز والتردد التي تطبع عمل الأغلبية الحكومية. في هذا السياق يتحدث رئيس الحكومة دائما عن «الدولة العميقة»، وادعاء مسؤوليتها في إفشال برنامجه الحكومي، وعملها على ما يعتبره العدالة والتنمية سعيا شرسا من أجل مواصلة التحكم الفعلي في دواليب الدولة والمجتمع. الأمر الذي يطرح السؤال الحقيقي عن خلفيات الإصرار على تبني هذا الخطاب في سياق تجاذبات العمل السياسي، وعن طبيعة مرجعياته؟ وما هي "الدولة العميقة" التي تسعى فعليا إلى ابتلاع الأمة المغربية؟
أسبوعية "الوطن الآن" في عددها الموجود حاليا في الأكشاك، استقت آراء فعاليات فكرية وسياسية حول هذا الموضوع، ننشر في ما يلي وجهة نظر عبد العزيز أفتاتي، قيادي في حزب العدالة والتنمية.
"الحديث عن الدولة العميقة ليس بالمفهوم الذي تتحدثون عنه، وهذه الوضعية موجودة في أكثر من دولة تعيش مراحل الإنتقال الديمقراطي، حيث تسود أوضاع معينة، لوبيات، جهات تنظم نفسها وتعمل للحفاظ على مصالح غير قانونية ولا علاقة له برأس الدولة الذي تحيلون عليه. فحتى في تركيا ساد هذا النقاش وكانوا يقصدون الشيء نفسه تقريبا. بمعنى هناك دولة فيها رئيس ورئيس الحكومة والمؤسسات، وعلى الهامش «كاين الشغل ديال مؤسسات موازية»، لكنهم لا يعنون بالضرورة رأس النظام. وفي المغرب يتحدث الناس عن شبكة من المصالح وعن مراكز نفوذ تنسق عملها باستمرار للدفاع عن مصالحها في مستويات الدولة الثلاث: الحكومة -المنشآت العمومية- الجماعات المحلية وهذا هو ما نعنيه بالنقاش.
من يستعمل التعابير التي تتحدثون عنها لا يقصد ما تعنونه بكلامكم، فهو يعني بها جهات تملك إمكانيات مهمة وتعمل على عرقلة كل ما لا يخدم مصالحها، كما تسعى إلى الاستفادة بأساليب غير قانونية وغير واضحة، وتشتغل وتؤثر من خلال عدد من مواقع المسؤولية من خلال علاقاتهم بأشخاص يسيرون أو يساهمون في التسيير بشكل من الأشكال، وتجد أن لهم علاقات داخل البرلمان ويمارسون الضغط في اتجاه التشريع ويمارسون الضغط كذلك في اتجاه الإدارة من أجل الحصول على معطيات وعلى أعمال وصفقات.. إذن الأمر ليست له أي علاقة برأس الدولة.
أنتم تقولون لدينا وزارة العدل «واش كاين شي واحد تيقول عندك»، وهذا المنطق لم يسبق لحزب العدالة والتنمية أن تعاملت به ولن تقبل أبدا التعامل به «بحال يلا الساحة داها شي واحد آخر.. واش هاذي دولة ولا سوق ديال الفواكه كل واحد يأخذ ما يشاء..» هذا غير معقول، فكيف يعقل أن تكون وزارة معينة تابعة لجهة ما أو حزب.. الرميد كيقوم بشغالو ويلا ما قامش بشغالو يتحاسب بحالو بحال يا أيها الناس.. واش القضاء غير كيجي وتيتحرك، القضاء يتحرك وفق مسطرة، وحتى في الأوقات الصعبة لا يمكن أن تحرك جهاز القضاء مثل قطعة الشطرنج، كما أن الجيوب لا تمنحك الفرصة لمواجهتها بشكل قانوني. فكما قلت لك هي تعمل بطرق غير واضحة، إنهم يشتغلون في الخفاء.
ففي وضع انتقالي كالذي نعيشه يكون فيه منسوب الفساد كبير، واليوم إذا كنت أنت أو أنا نتوفر على دليل مادي فأكيد أننا سنقصد أقرب وكيل للملك، لكن عندما لا تتوفر على أي دليل، بل فقط مؤشرات فلابد من فتح النقاش من أجل محاصرة هذه الجهات، وربما قد يشجع أشخاص آخرين على الإدلاء بمعطيات لمحاصرة هذه الجيوب أو هذه الجهات أو ما أسميه شخصيا الدولة العميقة /الدولة الموازية. بمعنى كما لو أن هناك أشخاصا يتوفرون على إمكانيات الدولة ويشتغلون بالموازاة، فهم يوظفون أساليب لإقامة ما يشبه دولة موازية خاصة بهم عبر شبكة من العلاقات ومن المصالح ومن خلال عمل مستمر من أجل الحفاظ على الوضع الذي كانوا يحظون به سابقا، بل بالعكس محاولة تطويره، وهذا أمر معروف في تجارب عديدة، وليست له علاقة برأس النظام. اليوم داخل الحكومة ليس هناك فساد، ففي وقت من الأوقات كان الناس بواسطة الحكومة يفسدون في واضحة النهار ويتحصنون، فلا عين رأت ولا أذن سمعت، وعدد من الوزراء راكموا ثروات خيالية. واليوم لم يعد من الممكن أن يتصرف وزير كما كانوا يتصرفون في في أوقات سابقة. وفي المؤسسات العمومية أصبحنا نجد قدرا من الشفافية ومن المنافسة. وبالنسبة للجماعات المحلية يمكن أن أقول لك لم يحدث تغيير كبير، فنفس الرموز هم الذين يدبرون هذا البؤس وفي عمومهم، وخاصة المفسدين مازالوا في مواقعهم. وأعتقد أن الانتخابات المقبلة ستغير الوضع".