إدريس قصوري: أصحاب الدولة العميقة سيعرقلون كل من جاء إلى الحكم

إدريس قصوري: أصحاب الدولة العميقة سيعرقلون كل من جاء إلى الحكم

منذ توليه مسؤولية التدبير الحكومي إثر الانتخابات التشريعية لسنة 2011، وحزب العدالة والتنمية يردد، بموازاة سلوكه السياسي، خطابا جديدا من أجل التغطية على مواقف العجز والتردد التي تطبع عمل الأغلبية الحكومية. في هذا السياق يتحدث رئيس الحكومة دائما عن «الدولة العميقة»، وادعاء مسؤوليتها في إفشال برنامجه الحكومي، وعملها على ما يعتبره العدالة والتنمية سعيا شرسا من أجل مواصلة التحكم الفعلي في دواليب الدولة والمجتمع. الأمر الذي يطرح السؤال الحقيقي عن خلفيات الإصرار على تبني هذا الخطاب في سياق تجاذبات العمل السياسي، وعن طبيعة مرجعياته؟ وما هي "الدولة العميقة" التي تسعى فعليا إلى ابتلاع الأمة المغربية؟

أسبوعية "الوطن الآن" في عددها الموجود حاليا في الأكشاك، استقت آراء فعاليات فكرية وسياسية حول هذا الموضوع، ننشر في ما يلي وجهة نظر/ حوار مع الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي إدريس قصوري.

+ كيف تقرأ توظيف بنكيران وقادة حزب العدالة والتنمية لبعض المصطلحات من قبيل «الدولة العميقة»، «التماسيح»، «العفاريت».. والتي تمس -حسب بعض المراقبين- بجوهر وكينونة الدولة؟

- بالنسبة لقاموس «الدولة العميقة»، «اللوبيات ».. فهو قاموس دولي عام مستورد من الثقافة الغربية وتم نسجه في الثقافة السياسية الغربية ونقله داخل حقل الثقافة السياسية بالمغرب في مرحلة كان فيها الصراع على أشده بين اليسار والدولة ورموزها وأقطابها، وخصوصا مرحلة سنوات الرصاص، وقد تم نقله عبر مفكرين ومؤرخين مغاربة مشهود لهم من قبيل عبد الله العروي، ومحمد عابد الجابري رحمه الله، قبل أن يتداوله السياسيون، كما تم تداوله في السنة الأخيرة من طرف حسن أوريد كمثقف خاض التجربة من داخل القصر. إذن مفهوم الدولة العميقة هو مفهوم منتشر يدخل ضمن الثقافة السياسية، وقد تم تناوله من طرف السياسيين بطبيعة الحال من أجل خدمة الأهداف السياسية وخوض الصراع من خلاله مع النظام ومع رموزه سواء كفاعلين، أشخاص، أو أحزاب أو مجموعات وما إلى ذلك في السياسية وفي الاقتصاد، وهي تعبر عن واقع صحيح وفعلي في المغرب. وبالتالي فمصطلح الدولة العميقة ليس منقولا من المشرق أو من جماعات إسلامية معينة.. وأظن أن الإعلام ينبغي أن تكون له ذاكرة، وكذلك السياسيين، وأنا أتحدث كأستاذ، أما في إطار التوظيف السياسي فمن الممكن أن أقفز على مرحلة معينة وعلى شخص وأنسب أشياء إلى شخص معين.. فحكومة عبد الرحمان اليوسفي كرست جزءا كبيرا من هذه المفاهيم من داخل الحكومة وليس من خارجها، حيث ساد الحديث عن اللوبيات، حكومة الظل، الحديث عن العرقلة، الحديث عن المنهجية الديمقراطية التي لم تحترم.. صحيح أن السيد اليازغي قال إن «المخزن مات»، وهي منقولة عن المرحوم الجابري، لكنه عاد في ما بعد ليؤكد أن «المخزن لم يمت»..

الآن جاءت حكومة بنكيران بمرجعيتها وحساسيتها الإسلامية مما أدى إلى تصاعد العداء والصراع، حيث عاد الصراع الإيديولوجي القوي إلى الواجهة بعدما كان قد اختفى في السابق، وهذا ما جعل سي بنكيران يعتمد مفاهيم «التماسيح»، «العفاريت»، واللذين تم نحتهما انطلاقا من حقل قريب من مرجعية بنكيران الإسلامية، لما نتحدث عن الجن والعفاريت.. والأساسي أن هذين المفهومين لهما إشارة رمزية عميقة وواقعية في حقلنا السياسي.. المغرب مازال يمر من مرحلة انتقالية، المغرب لم يبلغ درجة وردية من الحرية والحقوق والسياسة، المغرب يسير بخطوات إيجابية، وكل عمليات الإصلاح والتحسين والتطوير تعرف عرقلة ضمنية أو صريحة من أصحاب المصالح، والذين هم بطبيعة الحال منتشرين في الدولة، وهذا لا يقتصر فقط على المغرب، بل موجود في جميع الدول، ما نراه في مصر وما يحدث من تحولات، ما نراه في ليبيا وما يحدث من تحولات، وما نراه في تونس حيث قام أشخاص بالثورة وتمكن آخرون من الصعود إلى الحكم. فأصحاب الدولة العميقة منتشرون في كل مكان بشكل بنيوي ومنهجي وهم يعرقلون الإصلاحات ولا يريدون للدولة أن تتطور قيد أنملة، سواء من الداخل أو الخارج في اتجاه المواطنة والديمقراطية.. وبالتالي فهم سيعرقلون كل من جاء إلى الحكم سواء كان بنكيران أو اليوسفي، وكل من سيأتي إلى الحكم غدا، سواء من «البام» أو "الاستقلال" ستتم عرقلته من أجل كبح تطور وتحسين وتجويد الدولة كي تكون دولة ديمقراطية ودولة الفعالية ودولة النجاعة والشفافية ودولة الحكامة، وسيعرف عرقلة وعقوبات وتحديات وصعوبات وبالتالي سيلجأ إلى إخراج سلاحه الرمزي-اللفظي، وكافة أسلحته، لأن خطاب الصحافة وخطاب السياسي سلاحه أولا هو اللغة.. إذن سيتم اللجوء إلى هذه الأمور حتى في المرحلة المقبلة.

+ بعض المراقبين يتساءلون، ألم يكن بنكيران وحزبه على علم مسبق بواقع المشهد السياسي في البلاد، وسندهم في ذلك هو أن الدستور الجديد يمنح رئيس الحكومة هامشا مهما من الصلاحيات، ومادام بنكيران يقر بفشله في تدبير المرحلة محملا المسؤولية لـ "العفاريت» و«التماسيح» -يضيف هؤلاء- لماذا لا يقدم استقالته ويبرئ ذمته؟

- صحيح.. أنا معك لابد أن يتحلى السياسي بالمسؤولية، وخصوصا بعد دستور 2011 الذي حمل مجموعة من الصلاحيات، لكن بنكيران ليست له القدرة لكشف هؤلاء الناس للمجتمع وتقديمهم للعدالة، وربما إذا استعصى الأمر أن يقدم -كما قلت- استقالته. لكن أظن أن بنكيران وحزبه جاء ليدبر الشأن الحكومي ويساهم في تدبير شأن الدولة، وهو يشتغل من داخل النسق السياسي المغربي الذي يتضمن هامشا للمساهمة في تسيير الدولة من موقع تنفيذي، وهناك أيضا جلالة الملك له صلاحيات بمقتضى الدستور... وهو بوعي منه بهذه الأمور لن يقدم استقالته، لأنه منذ كان في المعارضة، والآن في الحكومة، يعرف تركيبة الدولة وبناء الدولة ويعرف الصعوبات ويعرف التحديات، وبالتالي فمهمته هي أن يناضل ويساهم بجزء ما من أجل التقدم في إصلاحات معينة، وهذا يتطلب شيئا من الصراع وشيئا من التحدي وشيئا من الصبر وخوض معركة مع المعرقلين بما تسمح به صلاحياته وصفاته ووظيفته، وليس أن يقدم استقالته، لأنه يعرف هذه الأمور منذ كان خارج الحكومة.. وبالتالي يصعب القول إنه كان يجهل هذه الأمور.. وهو يدافع أيضا كي يجعل هذه الفئات تتراجع عن خططها وأهدافها وتترك العمل يسير بطريقة معينة.. وإذا كانت السياسة أخلاقا ففيها أيضا جزء من اللاأخلاق التي تقوم على المناورات وعلى السيناريوهات وعلى اعتبارات معينة، واللغة هي جزء منها.