بنكيران يدك "دولة الدستور" لبناء دولة "الإخوان العميقة"

بنكيران يدك "دولة الدستور" لبناء دولة "الإخوان العميقة"

تختلف حكومة بنكيران عن مثيلاتها السابقات بانبثاقها عن مخاض سياسي غير مسبوق عبر عنه دستور 2011، باعتباره تمثل حاجة المجتمع المغربي إلى التحول الحقيقي، على ضوء الانتفاضات التي هزت أركان الحكم، خاصة في تونس ومصر ضمن ما يسمى تفاعلات "الربيع العربي". وبهذا المعنى ينظر إلى ذلك الدستور على أنه سما بدرجات التعاقد بين الفاعلين السياسيين، وعبر عن نضج جماعي من أجل التجاوب مع ضرورات التغيير والإصلاح، وبذلك صار هذا الدستور أرفع وثيقة قياسا إلى تاريخ الممارسة الدستورية المغربية، لا فقط لغنى الزخم السياسي المصاحب لها وللرهانات المعقودة عليه، ولكن للصلاحيات المقررة ضمنه، ومن بينها تطور وضعية وصلاحيات المسؤول الحكومي الأول إلى ما أصبح مؤسسة رئاسة الحكومة.

وباعتبار هذه الوضعية وهذه الصلاحيات، فلم يعد ممكنا البحث عن مشاجب لتعليق الفشل الحكومي، سواء في المستويات القطاعية، أو في المستوى الحكومي الشامل، وإلصاقها بمواقع أو اعتبارات كما كان يحدث سابقا حين كانت بعض الأطياف السياسية تنحت بعض المفاهيم لترسم حقيقة العمل الحكومي، وتبين موارد التحكم وهشاشة مشروع الانتقال الديمقراطي..

إذا كان لمثل هذا الخطاب ما يبرره موضوعيا في مرحلة سابقة، فإن الحديث عن "الدولة العميقة" لا يستقيم، اليوم، في وضع دستوري وسياسي ومجتمعي مختلف. وإذن فالإصرار على تبني هذا الإطار المفهومي "الدولة العميقة"، وما يرافقها من تعبيرات ملتبسة (التماسيح والعفاريت...) يعني أولا التغطية عن فشل التدبير الحكومي، خاصة في القطاعات التي تمس المعيش اليومي للمواطنين، والبحث عن متهمين آخرين ليعلقهم في الحملات الانتخابية القادمة. وبذلك يحتمي بهذا الإطار المرجعي، كما برز في سياقات دولية مختلفة، خاصة في تركيا ومصر وتونس على سبيل المثال، على أن المشترك بين هذه السياقات هو الجذر الإخواني للفاعل السياسي الرئيسي في كل هذه الأقطار.

ولذلك ينهج "العدالة والتنمية" السياسة والدين بأقنعة مختلفة، كما كنا نوضح ذلك دائما في ملفاتنا، ويعمل (عبر توزيع الأدوار بين قيادييه) على اللعب كل الحبال واعتناق شعار: "شي كوي و شي يبخ"، فهو مع إمارة المؤمنين وضدها، مع المؤسسات وضدها، مع الديمقراطية وضدها، مع المغرب وضده، وذلك لتأسيس دولته العميقة ولتوطيد امتدادها الشبكي، ومن أجل الوصول إلى ذلك لا يجد حرجا في عمل وقول أي شيء، إنه المنتصر والمظلوم، الحاكم والمحكوم، وكل شيء جائز ومبرر للالتفاف على موروث المغاربة.

أسبوعية "الوطن الآن"، ومن أجل تعميق النقاش في هذا الموضوع، استقت وجهات نظر فاعلين في الحقل السياسي والديني.. وفي هذا الإطار صرحت حسناء أبو زيد (عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي) بأن "لجوء حزب العدالة والتنمية إلى استيراد مفهوم الدولة العميقة من النموذج التركي لا يرجع فقط إلى تأثره بنجاح هذه التجربة سابقا، ولكن يرجع في اعتقادي أساساً إلى عقدة المنشأ من رحم الإدارة عبر حزب المرحوم عبد الكريم الخطيب، رجل النظام، في إطار تشذيب الحركة الإسلامية وضرب اليسار من جهة والتحكم في خيوط التناوب التوافقي المرتقب آنذاك؛ لذلك لم يقدم هذا الحزب المحترم في تاريخه منذ تأسيسه مذكرة أو تصوراً للإصلاح الدستوري قبل 2011 وتجنب دائماً الخوض في صلاحيات الملك أو في تعريف النظام السياسي القائم".

ومن جهته أكد عبد العزيز أفتاتي (قيادي في حزب العدالة والتنمية) أن "الحديث عن الدولة العميقة ليس بالمفهوم الذي تتحدثون عنه، وهذه الوضعية موجودة في أكثر من دولة تعيش مراحل الانتقال الديمقراطي.. فحتى في تركيا ساد هذا النقاش وكانوا يقصدون نفس الشيء تقريبا، بمعنى هناك دولة فيها رئيس ورئيس الحكومة والمؤسسات وعلى الهامش "كاين الشغل ديال مؤسسات موازية".

إدريس قصوري من موقعه كأستاذ جامعي ومحلل سياسي، يرى أن "أصحاب الدولة العميقة منتشرين في كل مكان بشكل بنيوي ومنهجي وهم يعرقلون الإصلاحات ولا يريدون للدولة أن تتطور قيد أنملة سواء من الداخل أو الخارج في اتجاه المواطنة والديمقراطية، وبالتالي فهم سيعرقلون كل من جاء إلى الحكم سواء كان بنكيران أو اليوسفي، وكل من سيأتي إلى الحكم غدا، سواء من " البام" أو "الاستقلال" ستتم عرقلته من أجل كبح تطور الدولة".

وبررت القيادية في حزب البام خديجة الرويسي توظيف مصطلحات الدولة العميقة والتماسيح والعفاريت من قبل بنكيران وقيادة حزبه بأنه في غير محله، الهدف منها هو "تقويض الدولة والمؤسسات من خلال تقمص دور "البهلوان"، وهو يدرك تماما أين يتجه والأهداف المرسومة".

الباحث محمد لمرابط أكد بدوره أن "حديث إخوان الأستاذ بنكيران عن "الدولة العميقة"،وهو مفهوم لا يمكن حمله على "عفاريت" كبيرهم، ولا على الوعي الشقي لجاهليته الكبرى، بل يمثل في العمق تعبيرا عن نوايا استهداف الدولة المغربية بثوابتها المذهبية، ومشروعها المجتمعي الحداثي الديمقراطي".

وأكد عبد الرحمان العمراني (أستاذ جامعي) بأن "الاستعمال السياسوي المكثف لمفهوم الدولة العميقة يكشف في أحسن الأحوال عن نوع من العجز عن التغيير الملوح به في البرامج، وذلك بتكرار، حتى لا نقول امتهان إلقاء اللائمة على كائنات هلامية، عجز غير معترف به مع الذات non assume ، وفي أسوا الحالات تعبير عن بنية عقل سياسي يزعجه اكتشاف ان السياسة هي مسؤولية، تقتضي من السياسيين حينما يتحملون المسؤولية الحكومية، تحملها كاملة، على الأقوال، كما على الأفعال".

(تفاصيل شاملة حول هذا الملف تجدونها في غلاف "الوطن الآن" الجديد تحت عنوان "بنكيران يدك "دولة الدستور" لبناء دولة "الإخوان العميقة") 

une-Coul-11-03