مغربيات صنعن التاريخ: الشفشاونية الحرة امرأة التحدي السياسي بامتياز

مغربيات صنعن التاريخ: الشفشاونية الحرة امرأة التحدي السياسي بامتياز

هذه سلسلة من الكتابات التاريخية بصيغة المؤنث لمغربيات صنعن التاريخ، وبصمن مشوارهن من خلال عملية البحث والتنقيب وقراءة الوثائق التاريخية عبر أغلب مجالات الجغرافيا، وإعادة تشكيلها بقلم الأستاذ الباحث مصطفى حمزة، الذي أغنى الخزانة المغربية بإصداراته المهمة، والتي تناول فيها مسار شخصيات كان لها الحضور القوي على مستوى التاريخ الجهوي والوطني.

ولتقريب القراء من هذا النبش والبحث المضني، اختارت "أنفاس بريس" عينة من النساء المغربيات (25 شخصية نسائية) اللواتي سطرن ملاحم وبطولات وتبوؤهن لمراكز القرار والتأثير فيها فقهيا وثقافيا وسياسيا وعسكريا.

- السيدة الحرة: امرأة التحدي السياسي بامتياز

لم يكن تكليف السلطان مولاي أحمد الوطاسي لزوجته السيدة الحرة، ابنة شفشاون، بالاتصال بالبرتغال وهو يغادر مدينة تطوان، سوى تتويجا واعترافا منه بمسارها السياسي الذي خطته بدربة وحنكة يقل نظيرهما عند الكثير من الرجال. 

فالسيدة الحرة ابنة لآلة زهرة الأندلسية، لم تلج عالم السياسة تزلفا لأصحاب التجلة، ولا عبر إلباسها لدينها رقع الاستجداء لتدغدغ بها عواطف ومشاعر الدهماء من بني جلدتها ليوقعوا لها ثبوت شرعية ممارسة فن علم الممكن، ولا عبر وعود للبشر تفوق ما تتوفر عليه الدول من متاع، لكن ولجته عبر ما تراكم لديها من معرفة، وما اكتسبته من قدرة على التواصل، وفهم لواقع خبرته.

فالسيدة الحرة ابنة الأمير أبي الحسن علي بن موسى بن رشيد الشريف، درست «العلوم على عدة شيوخ...» يقول الأستاذ عبد العزيز بن عبد الله، باعتبار المعرفة مدخلا أساسيا لميدان السياسة، ودرست إلى جانب العربية التي كانت تتقنها «الإسبانية » يضيف نفس الأستاذ، لكون التعدد اللغوي أهم وسائل التواصل، مما يترجم تلك العلاقة الطيبة التي كانت لها مع الأتراك، ومع سلطان فاس، أما خبرتها بالواقع فقد راكمتها عبر مسار حياتها الحافل بالتجارب، والأحداث التي طبعت تاريخ المغرب في عصرها. 

ولدت السيدة الحرة عام 900 ھ، وتربت في بيت جهاد، فقد كان والدها علي بن راشد، مختط مدينة  شفشاون، وقائدها، «يجاهد وهو شاب في العدوة» يشير الأستاذ عبد العزيز بن عبد الله، مما أهل السيدة الحرة للدور السياسي الذي لعبته في تاريخ المغرب. 

لكن اهتمام ابنة لآلة زهرة الأندلسية بالسياسة، سيعزز أكثر بارتباطها بعلي المنظري مجدد بناء مدينة تطاون، حسب الناصري، «فقد تزوجت علي المنظري وانتقلت معه إلى تيطاون حيث وجدت وسطا أندلسيا مثقفا رقيق الحاشية كالذي تربت فيه، وكان زوجها (علي المنظري) في نضال مستمر مع البرتغاليين في طنجة وأصيلا وكذلك سبتة، مما ساعد السيدة الحرة على لمس الدسائس السياسية، التي كانت تحاك في ذلك العصر ضد المغرب»، يضيف مؤلف كتاب معطيات الحضارة المغربية.

غير أن حنكة ابنة أبي الحسن في المجال السياسي، واستيعابها لدسائسه، سيترجمهما استبدادها المطلق بقيادة تطوان وبالجهاد ضد المسيحيين، بعد وفاة زوجها علي المنظري، «إذ تزوجت مولاي علي بن عمر الحسني وولدت بنتا، زوجتها لأحد حفدة المنظري الذي كان والده قائدا في تطوان، والذي عرفت كيف تنحيه لتجعل صهرها الشاب في منصبه وتستبد هي نفسها بالقيادة المطلقة في تطوان، وبالجهاد ضد المسيحيين»، يقول عضو أكاديمية المملكة المغربية والمجامع العربية والمجمع الهندي.  

لم تعوز أخت الأمير أبي عبد الله محمد بن أبي الحسن، مقومات المرأة المغربية السياسية المحنكة، فقد كانت ملمة بعلوم عصرها، ومستوعبة لسبل تواصله، ومستلهمة لما يحاك ضد وطنها شمالا وغربا، كما لم تعوزها مقومات المرأة المجاهدة، من قوة وعتاد، إذ كانت لها «بواخر تقرصن في الشواطئ الإسبانية...» حسب الأستاذ بنعبد الله.

ومن هنا لم يكن ارتباط مولاي أحمد الوطاسي بالسيدة الحرة، التي خطبها من أخيها  الأمير أبي عبد الله سنة 1541 م، وتكليفه لها بالاتصال بالبرتغال بعد مغادرته تطوان، سوى اعترافا منه بالقيمة السياسية للمرأة المغربية، وقدرتها على التحدي.