في ظل الأوضاع العالمية المتردية، لعلاقة المسلمين مع الغرب، ومع غيرهم من أهل الملل الأخرى في الدول العربية والإسلامية، وما آلت إليه هذه الأوضاع، من تعصب للدين، وعنصرية للعرق وعصبية جاهلية، وجب علينا أن ننظر في طبيعة هذه العلاقة، من زاوية إنسانية، ونذكر فيها بفلسفة الدين الإسلامي في تعايشه مع الآخر، وتصوره لهذه العلاقة التي باتت تشكل أزمة دينية وسياسية في كل ربوع العالم.
لقد أجاز الإسلام "لأهل الكتاب"وغيرهم، أن يعيشوا في ظل المجتمعات الإسلامية آمنين مستقرين، يمارسون عباداتهم بكل حرية، ويحضون بحماية تمكنهم من الاطمئنان على أموالهم وممتلكاتهم وحياتهم. ولا يجوز لمسلم أن يعتدي على "كتابي"، ما دام ملتزما بعهد الوفاء، والاحترام للمشاعر والمقدسات الدينية والوطنية للدولة الإسلامية.
فلا يكرهون على اعتناق أي دين من الأديان، أو يهددون في مصالحهم، لإخضاعهم أو إرغامهم بالقوة على ذلك، وهذا مما يتنافى مع الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، التي هي من صميم الرسالة الإسلامية.
ولأن الإيمان في الإسلام هو تصديق قلبي يبلغ مرتبة اليقين، استحال الوصول إلى هذا الإيمان بأي لون من ألوان الإكراه، فكانت القاعدة القرآنية المحكمة: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي". لذلك كان سبيل الإسلام إلى القلوب والعقول، ليس بالعنف والشدة، وإنما هو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين"، فمن استجاب قلبه وتفكر عقله كان مؤمنا بالإسلام، ومن أعرض قلبه، وأغلق عقله ف"لكم دينكم ولي دين"، وله الحرية في أن يعتقد ما شاء، ويتعبد كيف ما شاء، "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر".. وحسابه في الآخرة على الله، أما في الدنيا، فإنه له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين..
ومن ثم كان هذا هو موقف الإسلام من غير المسلمين، وهذه فلسفته في اندماج أفراد المجتمع بعضهم مع بعض، أكانوا مواطنين في دولته، أو كانوا شعوبا أو دولا متجاورة، ماداموا مسالمين ومعاهدين، وقد وفدوا بالعهود المبرمة مع المسلمين، وذلك لأن الإسلام لا ينكر على الآخرين بقاءهم على عقائدهم تبعا للقاعدة الأساسية التي هي: "لا إكراه في الدين". والعدل في الإسلام للجميع، أكانوا مسلمين أم لم يكونوا، تبعا لقوله تعالى: "يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله، شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون".
وبالتالي فقد تأكد لنا نظريا وتشريعيا من مصادر الإسلام الأساسية، أن الإسلام يقبل عن رضا بوجود أديان وعقائد مغايرة له، ويقر مبدأ الحرية الدينية، مما يوجد في المجتمع العربي الإسلامي وعلى صعيد الإسلام تعددية دينية وعقائدية. فكانت هذه الخصيصة هي من أهم الخصائص التي تميز بها المسلمون عبر قرون واستطاعوا من خلالها أن يتعايشوا مع كافة المعتقدات والأديان الأخرى في تساكن وسلام.