أوشن يعلق على أغنية "اعطيني صاكي باغا نماكي": سوق الغناء مثل رحبة الحبوب ولكل زرع كياله..

أوشن يعلق على أغنية "اعطيني صاكي باغا نماكي": سوق الغناء مثل رحبة الحبوب ولكل زرع كياله..

في سياق الجدل القائم حول أغنية الفنانة الشعبية الداودية "اعطيني صاكي باغا نماكي"، وما أثارته من ردود أفعال متضاربة بين من يراها أغنية مثل باقي الأغاني الشعبية الشبابية، وبين من يراها أغنية منحطة تفسد الأخلاق وذوق الناشئة، بل تستدعي متابعة من تؤديها قضائيا. وافانا الكاتب والزميل عمر أوشن بوجهة نظره حول هذا الموضوع، ننشره في ما يلي:

ما الفرق ما بين" انت باغية واحد يكون دمو بارد.. تلعبي عليه العشرة "...إلى آخر التخربيقة التي غناها سعد لمجرد وأغنية الداودية "أعطيني صاكي باغا نماكي"..

لا أجد فرقا كبيرا بين كلمات الأغنيتين، ورغم ذلك الأولى لقيت قبولا في أوساط مختلفة، فيما أغنية الداودية أثارت جدلا كبيرا من جوانب فنية وأخلاقية وثقافية.

الداودية كانت في هذه القصة الجدار القصير.. تجرأ الجميع على الهجوم عليها، وهناك من طالب بمحاكمتها ومتابعتها قضائيا لأنها أفسدت أخلاق وذوق الناشئة، ولربما زعزعت عقيدة مسلم كان على سبة ينتظر من يزعزع عقيدته  ويفسد أخلاقه الطهرانية البريئة الملائكية..

سوق الغناء والطرب والفنون والموسيقى مثل كل الأسواق، يختلط فيها الحابل بالنابل والبضاعة الفاسدة الرديئة بالبضاعة الجيدة الرفيعة.

هكذا هي الأمور تجري دائما، وللمستهلك والمستقبل الجمهور القرار الأخير.

من أراد الداودية و"اعطيني صاكي" سيجدها، ومن رغب في سماع "القمر الأحمر" و"راحلة" و"الما يجري قدامي" سيجدها أيضا.

الحرية في إطار ليبرالي اجتماعي متقدم ملتزم هي الأساس.. قد يقول قائل حرية الإبداع والتعبير لها حدود والتزامات ومسؤوليات مع المجتمع.. لا أحد يجادل في الأمر، لكن ليس بمعنى جعل الرقابة هي المبدأ والقاعدة وبسط نفوذ حراس المعبد ومحاكم التفتيش على الناس.

الداودية غنت بحثا عن الشهرة وعن البيع والرواج التجاري.. الداودية فكرت بمنطق الربح والمال والماركتينغ والبوز وكسب أكبر عدد من الزبناء والمستهلكين، لا أقل ولا أكثر، ولم يكن يهمها كلام النقد ودروس الأخلاق. تصرفت كما يتصرف أي تاجر. السياسيون يفعلون نفس الشيء.

المال هنا هو سيد الموقف وهو صاحب القرار في النهاية وإليه المصير.

سعد لجرد لم يكن على الإطلاق أحسن من الداودية حين غنى :"انت باغية واحد يكون دمو بارد" بإيقاع شرقي خليجي مثلما فعلت هي.. الجميع يبحث عن نكهة الخليج ومال الخليج وسهرا " العمارات"..

لماذا سكتنا عن صاحب "تلعب عليه العشرة" وأطلقنا النار على  زينة الداودية رغم أنها  تبدو لي أكثر إقناعا من الناحية الفنية من لمجرد.

الكلمات التي توصف بأنها كلمات ساقطة زنقوية دخلت إلى الغناء من زمن بعيد طويل عريض وليس اليوم.. من ينظر إلى تاريخ الغناء سيجد ألفاظا وكلمات وإشارات تلتقط أجواء الشراب والخمر والجنس والمتع والخيانة والفانتازم...

الشاب خالد غنى في بداياته" بين البحر والروشي كلعت كلشي يايا يماياما ياما.." 

والحاجة الحمداوية غنت من زمان أغنيتها المعروفة "آها وبشوية.. يمشي ويجي بشوية.. با جلول بشوية".. هناك من غنى قائلا "الليل طويل والروج قليل".. وآخر أنشديقول "السروال لكحل ما بغى يتحل".. أو مقطع أخر "البيرة سخونة باش هلكونا" و"الدري يحبو معكلو ز..."و"كاس الويسكي" وغيرها من الأغاني المعروفة...

عبد العزيز الستاتي كان من رواد "تيار" ظل قريبا إلى وجدان وثقافة الجماهير الشعبية مثلما فعل شيوخ العيطة والروايس في كل جهات المغرب.. مع ذلك كان يغني كلمات مضحكة أحيانا مثل "عطيني الفيزا والباسبور من كازا لمارسياي.."، "سكران وعلي جمعت الجيران وتهمتني بالباطل"، وغيرها من الأغاني...
أنصتوا لأغاني الشباب الجيل الجديد وهو يغني الراب.. أنصتوا جيدا للكلمات ستجدونها في كثير من الأحيان قوية ثورية متمردة ساقطة فاضحة عارية محطمة للنمطية والنفاق والأخلاق "الحميدة".

البقاء للأصلح والأبهى والأجمل فنيا وشعريا وإنسانيا.. أما الزبد فيذهب جفاء.. هذه رغوة ستذوب قريبا.. هذه عجاحة ستمضي، وما ينفع الناس يدوم ويدوم.. "أعطيني الناي" التي غنتها فيروز باقية ومستمرة، أما "أعطيني صاكي باغا نماكي" فستزول وننساها.. الأهم في كل شيء هو أن تغلب البضاعة الجيدة.  أما السوق فسيظل سوقا وسلعا كما في كافة المجالات.. لتعش الجودة.