الأستاذة بشرى البرطيع: السيرة النبوية خير معين لتصحيح تمثلاتنا واستدماج كل القيم والعبر

الأستاذة بشرى البرطيع: السيرة النبوية خير معين لتصحيح تمثلاتنا واستدماج كل القيم والعبر

نظم المجلس العلمي المحلي لسطات  ندوة فكرية وروحية يوم الثلاثاء 10 فبراير 2015 بولاية سطات حول السيرة النبوية العطرة تناول فيها مجموعة من الباحثين والدارسين  جوانب من الندوة  التي خصص موضوعها "التأسي الهادي والتجلي الباني" انطلاقا من قوله تعالى في الآية 21 من سورة الأحزاب (لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان  يرجو الله  واليوم الآخر وذكر الله  كثيرا) والدكتورة بشرى البرطيع، عضو المجلس العلمي المحلي سطات  ساهمت  بمداخلة  بعنوان "حول أساليب التربية من خلال السيرة النبوية" هذا نصها:        

"الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..

وبعد:

القرآن الكريم دستور الأمة الإسلامية ومصدر تشريعها، الذي تستمد منه قوتها وخصائصها التي تمتاز بها عن غيرها من صفاء العقيدة وشمولها وربانية منهجها وكماله، قال تعالى: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المومنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا" [ سورة الإسراء/9].

وتعد السيرة النبوية المنهج العملي التطبيقي لما جاء في القرآن الكريم قال تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر" [سورة الأحزاب/21].

فالمنهج النبوي تشريع يستمد أحكامه وأخلاقه من رب العالمين قال تعالى: "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" [سورة النجم/3-4] وهو بذلك تشريع يرتبط بواقع الناس ويسمو بالإنسان ويكرمه ويقيم العدل وينشر الأمن والإخاء والرحمة، كان أبا قبل أن يبعث وبعد أن بعث صار أبا ومعلما رحيما لهذه البشرية.. قال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" [الأنبياء/107].

لقد استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحدث تغييرا جذريا في جزيرة العرب وما حولها، وحول العرب من أمة جاهلية تعيش على هامش التاريخ إلى أمة مؤهلة لقيادة العالم بأسره في زمن قصير.

إن ما امتاز به النبي صلى الله عليه وسلم القدوة من صفات أسهمت في إثراء شخصيته التربوية وامتلاكه لمهارات التواصل التي تفوقت على أحدث ما توصل إليه العلم الحديث من أساليب التربية والتعليم.. قال تعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم" [سورة القلم/4].

والدارس للسيرة النبوية يجدها غنية بالأساليب التربوية التي يمكن أن تكون منهجا مثاليا نسير عليه في ترشيد وتعليم أبنائنا، من مثل التربية بالقدوة التي تحول تعاليم ومبادئ الدين الحنيف إلى سلوك عملي، والتربية بالموعظة وهي من أساليب الرسل والأنبياء عليهم السلام في تبليغ دعوتهم، قال تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" [سورة النحل/ 125].. والتربية بالقصة التي لا يقتصر دورها التربوي وتأثيرها على الصغار بل تعداه ليشمل الكبار، وقد أثمر تأثير القصة في العهد النبوي نماذج بشرية فاقت كل جيل قبلها.

والتربية بالترغيب والترهيب لأن الفرد يعيش بين الخوف والرجاء.. قال تعالى: "وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين" [سورة الأعراف/ 56]. وقال أيضا: "إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم" [الأعراف/167].

وإذا لم تفلح هذه الأساليب يلجأ إلى العقوبة ولا ينبغي أن يستعمل هذا الأسلوب ابتداء وإنما هو أسلوب احتياطي لأن العقوبة ليست مقصودة في ذاتها وإنما هي وسيلة  للإصلاح.

هذه الأساليب وغيرها تضع بين يدي الإنسان صورة للمثل الأعلى المجسد لمجموع مبادئ الإسلام وأحكامه في كل شأن من شؤون الحياة الفاضلة يتمسك به و يحذو حذوه.

إن السيرة النبوية بأحداثها ومواقفها مدرسة نبوية متكاملة لما تحمله بين ثناياها من المعاني التربوية العظيمة التي تضع للدعاة والمربين منهج التربية الصحيح، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم معلما ناجحا ومربيا فاضلا لم يأل جهدا في تلمس أجدى الطرق الصالحة في التربية، فهو التطبيق العملي لحكم الله أمرا ونهيا، هو قرآن يمشي فوق الأرض، وصورة حية خالدة على مر التاريخ، قدوة الإنسانية كلها قال تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا" [الأحزاب/21].

ومما لا شك فيه أن دراسة السيرة النبوية خير معين على تصحيح تمثلاننا ومواقفنا واستدماج كل القيم والعبر المستنبطة في سلوكاتنا مما يكسبنا  المناعة ضد كل أشكال الانحراف والتطرف والغلو..، فنكون كما قال ربنا عز وجل: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" [آل عمران/110]".