محمد الموسوي: هل ينتهي الإرهاب بنهاية "داعش"؟

محمد الموسوي: هل ينتهي الإرهاب بنهاية "داعش"؟

الإرهاب وليد مدارس التطرف والعنف وضعف الإيمان بالخالق وبخلقه وعباده وقد كفل لهم حق الحياة الحرة الكريمة وأنعم على الإنسان بنعمة العقل والروح والحب ليحقق أفضل وجود إنساني إلى جانب شريكه الإنسان الآخر من خلال القبول به مساواة مع ذاته كحق بين. ولا منة لأحد في ذلك، لكنها هي قوى ومدارس التطرف المبنية على الجهل وضعف الإيمان بالخالق وعدم الاكتراث بالأخر وبحقوقه ومشاعره.. إنها قوى الشر التي تهدد كل القيم النبيلة على الإطلاق ولا يمكن نسب انتمائها إلا إلى العبث والتطرف والجريمة والإرهاب.

لكل وليد أصل ولكل نبتة منبتها وراعيها. وينطبق ذلك على داعش التي يسعى الجميع، الصادقون وغيرهم بما في ذلك إرهابيون، إلى قتالها أو شكليات قتالها. إرهابيون يقاتلون إرهابيون ومتطرفون مغالون في التطرف يقاتلون إرهابيون، وقتال يستنزف الأبرياء والضعاف ويهدد الأوطان، لكنه هراء في هراء، فلا يوجد من هو مستعد للتخلص من أزمة تمثل جزءا من خلاصه أو مدخلا لحلول تحتاج إلى تلك الأزمة أو أزمة لابد من صنعها لكسب وقت في صراع يتطلب المناورة، ولا ريب في التكاليف، فالغاية تبرر الوسيلة في أغلب الصراعات والتوجهات غير الشفافة. ويبدو أن المشكلة في مطاطية اللغة أو العابثين بثوابت اللغة وقيمها، فباتت التعاريف خاضعة لرؤى مزاجية غير منضبطة من هذا وذاك (لقد ظلموا اللغة وطوعوها لخدمة الشر). ولمفهوم الحقوق والشرعية السائد في عصرنا هذا في أقل وأهون التفسيرات بشأنها منحى غير عادل في كثير من الأحيان، فدرأ الشر بالشر أو إدارة الصراع أو المنافسة مع الأخر بالشر قد يكون مقبولا عند الاضطرار، لكنه بات اليوم ثقافة سلطة تعمم لتصبح ثقافة مجتمع خانع وخاضع لنزوات المتسلطين عليه. وهنا لا أشير إلى داعش كأساس لأزمة أو منبت لفيروس الإرهاب، وإنما كإحدى نبتات الشر والإرهاب التي ينبتها العالم وكنتاج لثقافة الإرهاب، ولكونها أي داعش حديث الساعة ومصيبة على رؤوس عشرات الملايين من البشر في الشرق الأوسط بشكل مباشر ومئات الملايين في العالم بشكل غير مباشر. من منطلقنا هذا، وبمناسبته، يجب التأكيد على أن شدة تأثير الفيروسات في الغالب تكون أكثر حدة على صانعيها ومستخدميها، فعادة ما ينقلب السحر على الساحر وتكون نهايته وكما يقول المولى عز وجل (ومنهم ظالم لنفسه).

بالأمس كانت طهران تصدر ثقافة التطرف وتمول الإرهاب تحت مسميات عدة وما زالت، والمجتمع الدولي يتخبط ويستمر في تخبطه وتعدد أنماط الكيل لديه يتهم طهران بالإرهاب ويطلب مشاركتها في محاربة الإرهاب ويفاوضها بحماس يسوقه الإعلام لإيقاف مشروعها النووي، وطهران تناور كأكبر لاعب وصانع أزمات في المنطقة لكسب الوقت الذي تحتاجه لمخططاتها ولسوريا، ولا ريب في استحداث أو استخدام أزمة حتى وإن كانت من خارج ثقافتها وإطارها الفكري أو معادية وما دامت أزمة للاستخدام فلكل أزمة زوال. وكان للنظام الإيراني ما أراده، سواء كان ذلك بمساع مباشرة أو غير مباشرة، وما أجمل الصيد بآليات الغير وعلى نفقاته وما أروعه إن أتاك إلى حيث تكون يحمله إليك خصومك.. وها هي طهران تحصد نتاج مخططاتها وتدخلاتها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان والمنطقة بشكل عام معلنة ذلك غير آبهة بعرب أو عجم أو أديان أو قيم ولا حرج لديها إن تضافرت جهود مدرستها المتطرفة مع جهود المدرسة التي أنتجت القاعدة، فتحالف معاول الهدم في المدرستين المتطرفتين يفي بالغرض اليوم حتى وإن أدى ذلك إلى تعاسة وفناء شعوب إيران والمنطقة بأسرها. 

وجود فيروس داعش على الرقعة الجغرافية المتمركز عليها محاربا لمعارضي النظام السوري قاطعا عليهم الإمدادات القادمة من الأراضي العراقية حاميا وظهيرا للنظام السوري على مساحات كبيرة.. قامعا للمناطق العراقية التي يحتلها وفيها سياسيون عراقيون معارضون لتدخلات طهران في العراق فأسكتتهم وأعادت الكثيرين منهم إلى حظيرة الطاعة بتكليف أو دون تكليف. وتلك رؤية قابلة للنقاش، فمن يفسح المجال أمام داعش في مناطقها الحالية ويمرر لها أدوات البقاء ويتهاون في قتالها ويظهرها بمظهر القوة التي لا تقهر، لا يمكن أن ينأى بذاته بعيدا عن دائرة الشك ويفتح ذلك دائرة اليقين المطلق لرؤيتنا وآرائنا، وسيظهر الغد حقيقة رؤيتنا التي نختصرها بقول "إنها معركة سياسية لإنقاذ النظامين السوري والإيراني وضحيتها شعوب العراق وسوريا واليمن وإيران. ونتائجها ترسيخ منطق الإرهاب كأمر واقع تفرضه طهران ومدرسة القاعدة متقاسمين المنطقة مروضين المجتمع الدولي وهو قابل للترويض.. مقوضين أحلام شعوب المنطقة بالديمقراطية".

الإرهاب سلوك عدائي منشأه التطرف والمغالاة، وداعش أجيرة نتاج مدرسة تعتمد في جرائمها على ممولين من فئتها وبعض المرتزقة والسذج المغرر بهم، والقضاء عليها أمر هين وممكن شريطة توفر الرغبة في ذلك؟ فإذا انتهت، هل ينتهي الإرهاب والتطرف، أم سنصبح كل حين وآخر على داعش جديدة أو إحدى أخواتها.. نعم سنصبح ما دامت مدارس الإرهاب قائمة في إيران والدول العربية والإسلامية الراعية والغرب اللامبالي، وما دمنا نوفر للإرهاب أسبابه وظروفه.. فهل الإرهاب داعش أم المدارس.