الحسين بوخرطة: التكوين المهني وتنمية الاستثمار في منطقة سيدي سليمان

الحسين بوخرطة: التكوين المهني وتنمية الاستثمار في منطقة سيدي سليمان

إن رهان تحقيق المزيد من الدعم لمسار تطوير العلاقة ما بين التكوين المهني وتنمية الاستثمار بإقليم سيدي سليمان هو الدافع الأساسي الذي جعلني أكتب هذا المقال.

لقد لمست، بعد إعطاء الانطلاقة للمشاريع الاستثمارية في المنطقة الصناعية "سيدي يحيى-القنيطرة"، أن إقليم سيدي سليمان في طريقه إلى مأسسة العلاقة ما بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوفر المهارات البشرية الخريجة من المعهد المتخصص للتكنولوجيا التطبيقية بسيدي سليمان. إنه مؤشر جد إيجابي يؤكد اليوم وجود منطق جديد في السياسات العمومية، منطق أصبح يربط الحاجيات الاجتماعية للأسر محليا بسوق الشغل (استغلال مهارات الشباب)، وفي نفس الوقت، يساهم في الرفع من القدرة التنافسية للوحدات الإنتاجية السلعية والخدماتية، بحيث أصبح التكوين عاملا أساسيا في تقليص كلفة الإنتاج والرفع من مردودية العمل بالنسبة للرأسمال الوطني والدولي. لقد أصبح جليا، خصوصا في السنوات الأخيرة، أن تنوع التكوينات المهنية بالمنطقة، وارتفاع عددها وعدد المستفيدين منها، قد أصبح محفزا حقيقيا للاستثمار بالإقليم.

ونظرا للإقبال المتزايد، سنة بعد سنة، على مؤسسة التكوين المهني بمنطقة سيدي سليمان، فقد قمت بإجراء بحث ميداني خصصته لهذه المؤسسة وعدد كبير من الخريجين منها من مختلف الأفواج والشعب أو الفروع التكوينية. واتضح من خلال التحريات التي قمت بها أن التكوين المهني قد لعب فعلا دورا كبيرا في تثمين وتنمية الاستثمار في المنطقة الصناعية السالفة الذكر. كما تبين أن تحسن طبيعة التقابل ما بين العرض والطلب في سوق الشغل محليا من جهة، وبين التنمية والتكوين المهني من جهة أخرى، قد ساهم بشكل كبير في بعث نوع من الارتياح لدى الأسر إقليميا. لقد عرف عدد المتدربين المسجلين والخريجين من هذه المؤسسة في مختلف التخصصات، نتيجة هذا الارتياح، ارتفاعا كبيرا. كما عرف الإقليم، بفعل هذا التقابل الإيجابي، نوع من الديناميكية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

وتأكيدا لهذه الاستنتاجات، أجريت بعض الحوارات مع عدد من الخريجين والخريجات من مختلف الشعب التكوينية، حيث صرحوا لي جميعا أنهم مروا من عدة مراحل مهنية مكنتهم من صقل مواهبهم، وتحقيق التراكم في الخبرة والتجربة عبر الممارسة الميدانية، الشيء الذي مكنهم من الترقية في عملهم، وبالتالي من تحسين أجورهم، ومستوى معيشة أسرهم. كما ثبت لي كذلك، من خلال تتبع المسار المهني لبعض الخريجين القدامى، أن البعض منهم، بعدما توفقوا في الحصول على مناصب شغل في عدد من الشركات الدولية (بالمدن المعروفة كالجديدة، وطنجة، والدار البيضاء، والمحمدية،....) تمكنوا من الحصول على عقود عمل في الخارج.

وعليه، فاستحضارا للدور الذي لعبته وتلعبه مؤسسة التكوين المهني بمدينة سيدي سليمان، تبين لي، من خلال الحوارات التي أجريتها مع عدد من المسؤولين والفاعلين المحليين والإقليميين، أن المنطقة تحتاج إلى مزيد من الجهد للرفع من مستوى الالتقائية والتكامل في الفعل لتقوية العلاقة ما بين التنمية الترابية والتكوين، وخلق نوع من التوازن ما بين العرض والطلب في سوق الشغل. ومن ضمن النقط الأساسية التي تكررت في حديث أغلبية المستجوبين نذكر:

- تحسين البيئة المحيطة بالمعهد المتخصص للتكنولوجيا التطبيقية من خلال تمكينه من مدخل يليق بالأدوار التي لعبها ويلعبها في الديناميكية الاقتصادية والاجتماعية إقليميا، واتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة لحماية المتدربين والمتدربات من جميع المخاطر المحتملة (تجهيز وصيانة الإنارة العمومية على مستوى الشارعين المؤديين إلى المعهد، الإكثار من جولات رجال الأمن،...إلخ)،

- التعبير عن الحاجة إلى خلق منطقة صناعية بمدينة سيدي سليمان لتنويع المنتوجات السلعية والخدمات اللوجيستيكية وإضفاء القيمة على المنتوجات الفلاحية المتنوعة ومنتوجات المجالات الترابية (تنويع المشاريع الاستثمارية في الصناعة الغذائية لتحقيق الاستغلال الناجع للإمكانيات الترابية الغنية بالمنطقة)،

- عقد شراكات ما بين مؤسسة التكوين المهني ومختلف الإدارات والوحدات الإنتاجية والفضاءات التجارية الكبيرة والمتوسطة في مجال التكوين المستمر، وتمكين المتدربين والمتدربات من قضاء فترات التدريب الرسمية بشكل يتناسب وتخصصات تكوينهم،

- خلق مجمع سكنى بالمرافق الضرورية بجوار المنطقة الصناعية "سيدي يحيى-القنيطرة" على شاكلة مشروع ديار منصور بالمحمدية ازناتة، لتوفير شروط الراحة والطمأنينة للعاملين بها،

- تقوية دور الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات (المحدثة مؤخرا بالمدينة) في البحث عن تنويع فرص الشغل وضمان الشفافية في توجيه الكفاءات المناسبة للمناصب المناسبة،

- خلق فضاءات للترفيه للأسر لتشجيع الموظفين والمستخدمين للاستقرار بمدينة سيدي سليمان: خلق نادي للموظفين والمستخدمين والفعاليات الثقافية والاقتصادية بالمواصفات المعروفة، خلق مدارس ومراكز للتكوين اللغوي والفني والموسيقي للأطفال والشباب، تقديم الدعوات للمراكز الثقافية الأجنبية لفتح فروعا لها بسيدي سليمان،...إلخ.

وفي الأخير، أخبر القارئ أنني سأعود لهذا الموضوع في فرصة ثانية لأبرهن بلغة الأرقام والصور الفوتوغرافية القفزة النوعية التي عرفها إقليم سيدي سليمان في مجال التقدم في تقوية العلاقة ما بين التكوين المهني والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.