ابراهيم سبع الليل: "شارلي إيبدو" مسرحية محبوكة الإخراج، يشارك فيها محسوبون على الإسلام

ابراهيم سبع الليل: "شارلي إيبدو" مسرحية محبوكة الإخراج، يشارك فيها محسوبون على الإسلام

ضمن ردود الفعل على إصرار مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية على الإساءة لله عز وجل والدين الإسلامي وللرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، توصل موقع "أنفاس بريس"، بالعديد من وجهات النظر، نعرضها تباعا:

"في الحقيقة، لا أعتقد على الإطلاق أن الأمر يتعلق بحرية التعبير ولدي ما يكفي من الأدلة لتبرير موقفي هذا.

هل أذكر على سبيل المثال التضيق الذي يتعرض له منتقدي السياسات الإسرائيلية الرعناء في بلد الأنوار أو الذين ينددون بالاستغلال السياسوي لما تعرض له بعض اليهود على يد النازيين الألمان. وبما أن الأمر يتعلق بالسخرية، فيكفي أن نتوقف عند حالة الفنان الكوميدي ديودوني Dieudonné وما يتعرض له من تضييق ومنع ومحاكمات بل وتهديدات على يد جهات فرنكوصهيونية.

هو إذن استفزاز مقصود واضح الأهداف من فرنسا الرسمية، يتعين فهمه في اعتقادي في سياق أمرين أساسين ينبغي أخذهما بعين الاعتبار:

أولا: هناك عقدة تاريخية لدى فرنسا الرسمية اسمها الإسلام تمتد جذورها إلى عدة قرون، عدة قرون من الصراع ومن الكرّ والفر، يجعل فرنسا كدولة، لا تتصور أن يصبح الإسلام ثان أكبر ديانة تمارس على أراضيها، والمؤشرات كلها تؤكد على حقيقة واحدة وهي أنه إذا استمر الوضع على نفس الوثيرة، سيصبح  أغلب سكان فرنسا مسلمون بغض النظر عن أنماط التدين التي سيتخذه هؤلاء. منذ عقدين من الزمن كتب ديمغرافي فرنسي اسمه جون كلود شوزني Jean-Claude Chesnais، كتابا يحمل عنوانه الكثير من الدلالات ويحوي في طياته الكثير من الحقائق المخيفة بالنسبة للقيمين على السياسات الغربية والفرنسية بوجه خاص.

 عنوان الكتاب هو" أفول الغرب" Le crépuscule de l’Occident  ويبين صاحبه – وهو خبير ديمغرافيا- بالأرقام أنه إذا استمرت السياسات الديمغرافية والخيارات الاجتماعية في الغرب بنفس الوثيرة، فلاشك أن العالم سيشهد في حدود بضع عقود نهاية الإنسان الغربي ذي الملامح المعروفة على أراضي القارة العجوز. أكثر من ذلك يتحدث الكاتب على ما يسميه " أسلمة أوربا" l’islamisation de l’Europe، ويصفها أنها ظاهرة تعيشها أوربا انطلاقا من عامل الديمغرافيا فحسب، أي أن أعداد المسلمين يزداد بشكل أكبر بكثير من غيرهم من باقي الديانات. إذا أضفنا إلى ذلك أعداد المواطنين الغربيين الذين يدخلون في الإسلام كل عام، رغم محاولات التشويه التي يتعرض له كدين ورغم الصورة السلبية التي يقدمها غالبية المسلمين، فلا شك أننا نفهم عقدة فرنسا من الإسلام.

 أوضح بخصوص هذه النقطة أن هاجس الإسلام موجود في كل المجتمعات الغربية، بيد أن التعامل مع هذا الواقع يختلف من بلد لآخر، عموما – على سبيل المثال- الدول والمجموعات البشرية الانجلوفونية، لديها مقاربة للتعاطي مع هذه الظاهرة أكثر انفتاحا وهو ما نلاحظه مثلا هنا في كندا بين كبييك الجهة ذات الأغلبية الفرنكوفونية وباقي الجهات خاصة تلك الأنجلوفونية.

ثانيا: أعتقد أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها فرنسا بشكل خاص وأوربا بشكل عام، ستجعلها تعمد إلى افتعال أزمات من هذا النوع من خلال استفزاز المسلمين واستغلال جهل بعضهم من أجل تحقيق غايتين استراتيجيتين: من جهة التدخل في بلدان مختلفة كما حدث في مالي وفي ليبيا تحت مسمّى محاربة الإرهاب والمساعدة على قيام أنظمة ديمقراطية، بينما يتعلق الأمر- في الحقيقة- بالرغبة في التحكم في البلدان واستغلال خيراتها حتى وإن تطلب الأمر اللعب باستقرارها وأمنها.

الهدف الاستراتيجي الثاني هو التحكم في الشعب الفرنسي وتوجيه اهتمامه من خلال الترهيب أو ممارسة نوع من  La phobocratie، وهذا مصطلح يعود للبروفسور المهدي المنجرة رحمة الله عليه. أعتقد أن النظام السياسي الفرنسي لم يكن يحلم بقضية تجمع شتات الفرنسيين في هذه اللحظات العصيبة كما فعلت قضية "شارلي إيبدو" لذلك سيتم استغلالها إلى أبعد الحدود، ستشكل رهانا للانتخابات الفرنسية المقبلة كما ستشكل رهانا لتبرير السياسة الخارجية الفرنسية العدوانية التي برزت وستبرز بشكل لافت في السنوات المقبلة.

وأعتقد اليوم أن النظام السياسي الفرنسي قد نجح في هدفيه، وكمؤشر يكفي أن نرى كيف تعامل المواطن الفرنسي بشكل عام اليوم، إذ ازدحم الفرنسيون بشكل لم يسبق له مثال من أجل اقتناء الثلاثة ملايين عدد من شارلي إيبدو التي صدرت خلال ساعات، واحتوت على غالبية الرسوم التي كانت محلّ اعتراض من غالبية المسلمين. أعتقد أن المواطن الفرنسي أبان عن قابلية للتّحكم ستشجع النظام السياسي الفرنسي على اتخاذ إجراءات في اتجاه السير بالهدف الثاني إلى مداه.    

الأمر إذن في تصوري، لا يتعلق بحرية التعبير بقدر ما يتعلق باستراتيجيات سياسية، بمسرحية محبوكة الإخراج واضحة الأهداف والمعالم، يشارك فيها بعض بسطاء الفكر من المحسوبين على الإسلام".