محمد خير: السيسي، العلمانية والحجاب

محمد خير: السيسي، العلمانية والحجاب

في احتفالات تنصيب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منتصف العام الماضي، ترقب المصريون الصورة العائلية للرئيس الجديد، الذي أتى -للمرة الخامسة في 60 عاماً- من الجيش، وفي المحكمة الدستورية العليا حيث ألقى السيسي القسم الرئاسي، ظهرت العائلة الرئاسية الجديدة بكامل أبهتها، وبكامل حجابها أيضا.

بدت سيدات العائلة، جميعا، الزوجة والابنة وزوجة الابن، وقد تزيّنَ بحجاب أنيق، يطلق عليه شعبيا "سبانيش".
كان هذا هو الحجاب الرئاسي الثاني بعد حجاب عائلة الرئيس الأسبق مباشرة، محمد مرسي، لكن حجاب عائلة مرسي، الأول على الإطلاق في القصر الجمهوري المصري، نُظر إليه كزيّ "طبيعي"، كون الرئيس أتى من جماعة الإخوان المسلمين، أبرز من دعا وروّج وساهم ونجح في نشر الحجاب عبر أكثر من 70 عاما، منذ كان الحجاب مجرد فكرة يطلبها مرشد الإخوان من عبد الناصر فيستهجنها الأخير، إلى أن صار الزي الشعبي الدارج في مصر.

أزيح مرسي وجماعته عن الحكم على يد السيسي، لكن الحجاب بقي في القصر الرئاسي، تغير فقط من نسخته الإخوانية الريفية "الخمار"، إلى نسخته البرجوازية المدينية "الـسبانيش".

هذا التغير الشكليّ، كان أقل بكثير من طموح من انتظروا أن يروا في السيسي قائدا علمانيا، وهو طموح ظل يعلو وينخفض، يعلو بالصلابة والتشدد غير المسبوقين من الرئيس الجديد في مواجهة الإسلاميين، ويهبط بهجمات هي -أيضا- الأشد من نوعها على كل "مختلف" في مصر، فازدادت الإحالات الجنائية في قضايا حرية العقيدة، واشتدت الهجمات على "المثليين جنسيا"، وامتلأت الصحف بأخبار من نوعية القبض على "متحولين جنسيا"، بل إن شبانا كانوا يحتفلون في مركب نيلي ويمزحون بإطلاق الزغاريد قد تم اعتقالهم بتهمة إِشاعة الفجور.

هذه الهجمات وآخرها إحالة الكاتبة فاطمة ناعوت إلى محكمة الجنايات بتهمة ازدراء الدين الإٍسلامي، بسبب انتقادها ظاهرة الذبح الجماعي في عيد الأَضحى، جعلت أحلام "علمانية السيسي" تخفت حتى تكاد تندثر إلى أن أوقدتها مرة أخرى، تصريحات غير مسبوقة في جرأتها، تصريحات زاد من تأثيرها أنها جرت في احتفالات المولد النبوي وبين جمع هائل من علماء الأزهر.

لم يكتف السيسي -في احتفال المولد- بالحديث عن ضرورة ثورة دينية، بل تحدث عن "أفكار ونصوص عمرها مئات السنين" تحولت إلى "نصوص مقدسة تعادي الدنيا كلها"، وعن "1.6 مليار شخص -في إِشارة إلى المسلمين- عايزين يقتلوا الدنيا كلها"، وعن "عالم إسلامي تحول إلى مصدر للقلق والخطر والتدمير في العالم كله".

ويطلب السيسي من الحاضرين -المشايخ- أن "يخرجوا من إطار هذه النصوص، "لأنك مستحيل تحس بالمشكلة وانت جواها".

في واقع الأمر كانت للسيسي تصريحات سابقة في الشأن نفسه، منها قوله -أثناء لقائه بعدد من المثقفين قبل أيام-  إن "قولبة الإسلام لمدة 1000 عام حين اختبرت حاليا أثبتت أن الإسلام تم تحميله بما يمكن أن يقضى عليه"، وقوله -في لقاء مع الإعلامي إبراهيم عيسى أُثناء الحملة الانتخابية- إن "الخطاب الديني في العالم الإسلامي بالكامل، أفقد الإسلام إنسانيته".

غير أن تصريحات -المولد- الأخيرة كانت الأِشد تركيزا وكثافة في نقدها، والأشد جرأة في انتقالها من انتقاد "الخطاب الديني" إلى" النصوص المقدسة"، حتى وإن كان يعني بالأخيرة "نصوصا تم تقديسها"، غير أن هذا الفارق الدقيق في المعنى لم يكن بالطبع ما ركز عليه معارضوه الإسلاميون، الذين يجدون في كل تصريح جديد من هذا النوع حجة جديدة يروجون عبرها أنها حرب على الإسلام لا على الإرهاب.
هذا التكرار في النقد الجريء للخطاب الديني، الذي يلامس -في رأي المتشددين- الدين نفسه، يشي بموقف قد يكون أصيلا من "المشكلة الإسلامية" المعاصرة، لكنه لا يشي حتى الآن، بأي بديل علماني ولو على مستوى الأفكار.. فسياسيا، تشهد مصر التقلص الأكبر للحريات العامة منذ عقود، أما عن الحريات الخاصة فليس أنسب من تعبير وكالة "اسوشيتدبرس" الذي وصفت به المثليين المصريين بأنهم قد "أعيدوا إلى الظلام".. أما المعضلة الأخطر، فهي انتظار الحل ممن سببوا المشكلة، أي طلب السيسي من الشيوخ أنفسهم أن يحدثوا التغيير المنشود. في الواقع، لا يمكن لطلب أن يكون "لاعلمانياً" أكثر من ذلك.

(عن جريدة "المدن" الإلكترونية اللبنانية)