الولايات المتحدة الأمريكية التي ظلت تسوق نفسها للعالم كواحة للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات، أضحت تلاحقها بقوة في الشهور الأخيرة جثث السود واللاتينيين الذين قتلوا نتيجة للتعذيب من طرف الشرطة الأمريكية... هذا ما خلص إليه تقرير نشرته شبكة "سكاي نيوز".
وقال التقرير، إن الولايات المتحدة تشهد، بحسب إحصائيات رسمية، حوالي 400 حالة قتل سنويا نتيجة استعمال عناصر الشرطة القوة القاتلة أثناء عمليات الاعتقال والتوقيف، أغلب هذه الحوادث تستهدف ما يعرف بالمجموعات العرقية.
فقبل أشهر عدة، وتحديدا بمدينة فيرغسون، أدى مقتل الشاب الأسود مايكل براون على يد شرطي إلى مظاهرات وأعمال عنف غير مسبوقة.. وتضاربت الروايات بشأن الحادث، إذ قالت عائلة براون على أن ابنها قتل عمدا بسبب لونه، لكن الشرطي نفى ذلك بشكل قاطع، مؤكدا أنه استعمل القوة القاتلة لحماية نفسه بعد أن هاجمه براون.. وبعد أشهر من التحقيقات قضت هيئة محلفين بتبرئة الشرطي.
قرار سلط الضوء بقوة على تاريخ طويل من القتل الذي ارتكبته الشرطة الأمريكية من دون توجيه أي اتهامات لعناصرها من طرف النظام القضائي.
ويعترف بعض المراقبين الأمريكيين أن الولايات المتحدة الأمريكية بنيت على أسس العنصرية والعبودية مند قدوم الأمريكيين الأوائل إلى هذه البلاد، بدءا بإبادة السكان الأصليين وتجارة العبيد وانتهاء بما يحدث للمهاجرين غير الشرعيين حاليا، رغم أن الدستور الأمريكي يكفل الكثير من الحريات والقيم، وهو ما يستلزم النضال من أجل تطبيقه على الأرض من الناحيتين القضائية والأمنية.
وظلت العلاقة، حسب تقرير "سكاي نيوز"، بين المجموعات العرقية والنظام الأمني الأمريكي محكومة بتاريخ طويل من المواجهات وعدم الثقة.. فالاعتقاد السائد أن نسبة استخدام الشرطي للقوة القاتلة تتضاعف بمرات عندما يكون الموقوف أمريكيا أسود أو من أصل لاتيني.. كما أن هناك اعتقاد سائد لدى أفراد الشرطة أن هاتين المجموعتين تضم نسبة هامة من تجار المخدرات أو من أصحاب السوابق أو من ذوي الميول العنيفة بطبيعتها، بيد أن الصورة لا تكون دائما كذلك مما يؤدي إلى ارتكاب أخطاء تقديرية من طرف الشرطي قد يكون ثمنها مكلفا للغاية.
ويرى بعض المراقبين الأمريكيين أن التحقيقات التي تشرف عليها هيئة المحلفين، سواء في بيركسون أو نيويورك أو غيرها، تتسم بالسرية، مما يحرم الرأي العام من الاطلاع عليها، ويذكي الشكوك في النظام القضائي، إذ أن الكثيرين يعتقدون بأن العدالة لم تتخذ مجراها بشكل صحيح ونزيه.
وحسب تحقيق أنجزته "دايلي نيوز"، فقد قتل 157 شخص خلال الخمس السنوات الماضية بالولايات المتحدة الأمريكية أثناء عمليات الاعتقال التي قامت بها الشرطة في مدينة نيويورك وحدها، 27 في المائة منهم من العزل، بينما 86 في المائة إما سود أو من أصل لاتيني، في حين أدين فقط ثلاثة من رجال الشرطة خلال هذه الفترة، لكن من دون الحكم عليهم بأي عقوبة مالية أو سجنية.
ويقول خبير أمريكي في تصريح لـ "سكاي نيوز": "القانون الأمريكي لم يجرم أبدا العنصرية، هذا شيء مستحيل لأنه قد تجرم الفعل لكن المعركة الكبرى تكمن في تغيير العقل، في تغيير الفكر والصورة النمطية المتأصلة في عقول الكثيرين وفي مقدمتهم رجال الشرطة.. ولكي نقوم بذلك ينبغي إعادة النظر في المنظومة التعليمية وتدريب الشرطة على قيم المساواة وتجريم التمييز، وبذلك سنتمكن من تجاوز الصور النمطية.. وبدون ذلك ستستمر العنصرية وقد تتخذ أبعادا أكثر خطورة ".