زكية لعروسي: نداء من خلف الزجاج الإداري: إلى مؤسساتنا.. من مغتربة لم تطلب سوى موعد

زكية لعروسي: نداء من خلف الزجاج الإداري: إلى مؤسساتنا.. من مغتربة لم تطلب سوى موعد زكية لعروسي
أكتب هذا المقال لا لأنني إستثناء، بل لأنني حالة عادية جدا،  مغربية في الخارج تحاول أن تجد موعدا لتجديد بطاقتها الوطنية، فتجد نفسها وجها لوجه أمام نظام لا يعترف إلا بمن يفهم لغته الرقمية ويملك مفاتيحها. لم أكتب بدافع الغضب، ولا من موقع الخصومة، بل من موقع الانتماء، ومن باب رجاء طال إنتظاره، رجاء لا يلوّح باتهام، بل يطالب فقط بأن يسمع.
لسنا ضد التطوير، ولا ضد الرقمنة، ولا ضد تحديث المساطر. على العكس، نحن من أكثر المدافعين عنها، لأننا نؤمن أن الإدارة الحديثة يجب أن تكون واضحة، قريبة، ومتاحة. لكن ما يحدث اليوم أن الموعد الإداري تحوّل إلى باب ضيق، لا يمرّ منه إلا من أتقن طقوسه. لم يعد الموعد يطلب ببساطة، بل يصاد. لا يحجز، بل يطارَد بين مواقع إلكترونية، ومواعيد ممتلئة، ورسائل صامتة لا تجيب، كأنها كتبت لتغلق لا لتفتح.
نكتب ونحن نحمل في جيوبنا أسماءنا المغربية، وفي ذاكرتنا الوطن، وفي أيدينا فراغا إداريا إسمه: موعد لم يأت. نحن مغاربة العالم، الذين غادروا الجغرافيا لكنهم لم يغادروا الوثيقة، ولا البطاقة، ولا الحاجة إلى ورقة صغيرة تثبت أننا ما زلنا هنا… وما زلنا هناك في آن واحد. نقدّر الجهد الكبير الذي تبذله مؤسساتنا القنصلية، ونعرف حجم الضغط، وتعقيد المساطر، وتزايد الطلبات، وتغيّر الأزمنة، لكننا نعيش في المقابل خللا صامتا، لا يصرخ، لكنه يتراكم، ويتحوّل مع الوقت إلى عبء ثقيل على كاهل المغترب المغربي.
المشكل، في جوهره، ليس في الوثيقة ذاتها، ولا في الشروط، ولا حتى في الانتظار داخل المكاتب. المشكل يبدأ قبل ذلك بكثير، عند اللحظة الأولى: عند الموعد. ذلك الموعد الذي صار كائنا افتراضيا، لا يرى ولا يلمس، ولا يمسك به إلا من أتقن لغة المنصات، وفهم دهاليز المواقع، وتمكّن من مفاتيح الإعلاميات. أما الذين لا يملكون هذه الأدوات، من كبار السن، من العمال، من النساء والرجال الذين لم تسعفهم ظروفهم لاكتساب مهارات التعامل مع الإنترنت، فقد وضعوا، دون قصد، خارج الزمن الإداري.
وهنا يطرح السؤال نفسه بهدوء، لكنه سؤال ثقيل: هل يعاقَب المواطن لأنه لا يعرف كيف ينقر على الزر الصحيح؟ في المنطق الإداري السليم، الرقمنة وسيلة لا شرطا للإقصاء، هي جسر لا حاجز، طريق إضافي لا بوابة وحيدة. أليس من حق من لا يستطيع الحجز عبر الإنترنت أن يحجز موعدا عبر الهاتف؟ أليس من حقه أن يجد صوتا بشريا.يردّ عليه، بدلا من صفحة لا تفتح، أو خانة تقول ببرود: لم نتمكن من إرسال طلب الموعد؟
ثم نصل إلى الاتصال، إلى تلك المحاولة البسيطة التي يفترض أن تكون جسرا للاستفسار، فإذا بها متاهة. نحن لا نتصل بالإدارة، بل نتصل بمراكز إتصال بعيدة، متغيّرة الأصوات، مقطوعة الذاكرة. في كل مرة نروي القصة من جديد، نشرح، ننتظر، ثم ينقطع الخط. ينقطع الصوت، ويبقى المغترب معلّقا بين سؤال بلا جواب وحاجة لا تنتظر. لا مخاطب واحد، لا ملف يتابَع، لا إستمرارية إنسانية، فقط دوران إداري يرهق النفس ويضعف الثقة.
وهذا الانقطاع ليس تقنياً فقط، بل شعوريا أيضا  يشعر المغترب أن صوته لا يصل، وأن قصته تذوب في نظام لا يعرف المتابعة. ومع ذلك، نحن نعرف أن موظفي مؤسساتنا يبذلون جهدا كبيرا، وأن الضغط عال  وأن الطلب متزايد. لكننا نعرف أيضا أن الحلول موجودة، وبسيطة، ولا تحتاج إلى ثورة إدارية. فتح باب حجز المواعيد عبر الهاتف للذين لا يستطيعون الحجز عبر الإنترنت ليس تراجعا، بل عدالة إدارية. تخصيص مخاطب واضح أو مسار متابعة ثابت هو إحترام للمواطن.
الوثيقة الإدارية ليست مجرد ورقة، إنها هوية، وإنتماء، وحق قانوني لا يجوز أن يتحوّل إلى معركة إستنزاف. المغترب المغربي ليس ضيفا على مؤسساته، بل أحد أسباب وجودها. هو من يحمل الوطن معه في اللغات الأخرى، وفي العمل، وفي الصورة، وفي الذاكرة. ومن حقه أن يجد إدارة تفهم تعقيد حياته، وتفتح له الأبواب، بدلا من أن تطلب منه أن يتقن المفاتيح وحده.
نحن لا نطلب تفضيلا، ولا تجاوزا للقانون، ولا إستثناء. نطلب فقط إدارة قريبة، مفهومة، مرنة، وواعية بتعقيدات العيش خارج الوطن. من حق المغترب المغربي أن لا يتعطّل زواجه، أو عمله، أو سفره، أو كرامته القانونية بسبب خلل إداري قابل للإصلاح. ومن واجبنا، كمواطنين أوفياء، أن ننبّه لا أن ندين، وأن نطالب لا أن نخاصم.
هذا نداء إلى مؤسساتنا في الخارج، إلى إداراتنا القنصلية، إلى وزارة الخارجية، وسفارا تنا وإلى كل من يعنيه الأمر: افتحوا لنا بابا إضافيا من فضلكم، واتركوا للهاتف دورا إنسانيا، وأعيدوا للموعد بساطته الأولى. فنحن لا نطلب المستحيل، بل نطلب فقط أن لا يصبح الوطن ورقة معلّقة في موقع لا يفتح. لأن الوطن، في النهاية، لا يختزل في منصة إلكترونية، ولا في موعد مؤجَّل، بل في شعور بسيط وعميق: أنك حين تحتاجه، يكون في الموعد....