يطرح اليوم النقاش حول من يملك فعلاً مفاتيح القرار في قطاع الصحة بالمغرب: هل هو وزير الصحة، أم الهيئة العليا للصحة التي أُسست بالقانون لكنها ما تزال غائبة عن واجهة الفعل؟ ام لكل صلاحياته؟
انطلاقاً من مقال «التهراوي، الوزير الذي يمكنه أن يحقق الكثير في ميدان الصحة» للدكتور أنور الشرقاوي، جاء رد البرلماني الدكتور الإبراهيمي لا بلغة التشاؤم، بل ببرودة الواقع المؤسساتي: "وزير الصحة غير قادر على تحريك الملفات الكبرى، لأن سلطة القرار الفعلي، حسب قول الوزير نفسه ، ليست بيده، بل بيد الهيئة العليا للصحة (HAS)".
هذا التصريح، وإن بدا صادماً، يفتح سؤالاً جوهرياً مع مطلع سنة 2026:
هل الهيئة العليا للصحة، التي أُحدثت بموجب القانون، تمتلك فعلاً الوسائل، والآليات، والموارد البشرية والمالية التي تخوّل لها الاشتغال الجاد والفعلي على الملفات الصحية المستعجلة؟ أم أننا أمام مؤسسة قائمة بالنص، غائبة بالفعل؟
الدكتور الإبراهيمي كان واضحاً، وربما فظّاً في صراحته، حين سُئل عن قدرة وزير الصحة على إنجاز عدد من المشاريع الاستراتيجية التي يطالب بها المهنيون منذ سنوات، وعلى رأسها:
إحداث وكالة وطنية مخصّصة للتبرع بالأعضاء وزرعها، تقنين الإلزامية القانونية للتكوين الطبي المستمر، الاعتراف المؤسساتي الصريح بالقطاع الطبي الحر داخل الهيكل التنظيمي لوزارة الصحة،
إدماج الطب العسكري، والطب الخاص، ومصالح حفظ الصحة الجماعية، والوقاية المدنية ضمن المجموعات الصحية الترابية،
وأخيراً، تحيين التعريفة الوطنية المرجعية للأعمال الطبية (TNR).
جواب البرلماني كان قاطعاً: الوزير لن يستطيع تحريك أيٍّ من هذه الملفات..بل أكثر من ذلك، حين طُرح عليه ملف تحيين TNR، جاء الجواب صريحاً: «ليس من اختصاصي، بل من اختصاص الهيئة العليا للصحة HAS». هذا جواب الوزير.
والمنطق نفسه، حسب.الوزير ، ينطبق على زرع الأعضاء والتكوين الطبي المستمر، وهما — للأسف — خارج سلّم أولويات الفعل التنفيذي الحالي.
هنا، لا يعود السؤال: من الصادق ومن المخطئ؟
بل يصبح السؤال الحقيقي: من يحكم قطاع الصحة فعلاً؟
وإن كانت الهيئة العليا للصحة هي صاحبة القرار الاستراتيجي، فلماذا هذا الصمت؟ ولماذا هذا الغياب او التغييب عن النقاش العمومي؟
وأين هي تصوراتها، وبرامجها، ومواقفها من الملفات التي تمسّ صميم الممارسة الطبية وكرامة المهنيين وحق المرضى؟
إن أخطر ما في هذا المشهد ليس تضارب التصريحات، بل تفريغ المسؤولية من معناها.
وزير يَعدّ، أو يُنتظر منه أن يعدّ، لكنه يتهرب من المسؤولية.
وهيئة تملك الاختصاص، لكنها لا تمارس الحضور ولا تتحمّل كلفة القرار. لماذا ؟
في النهاية، لا يحتاج قطاع الصحة إلى صراع مؤسساتي صامت، بل إلى وضوح في مراكز القرار، وتحمّل صريح للمسؤولية.
فإما أن تكون الهيئة العليا للصحة فاعلاً حقيقياً، مرئياً، ومحاسَباً،
وإما أن يبقى الوزير واجهة سياسية تُحمَّل آمالاً لا يملك أدوات تحقيقها.
وبين هذا وذاك، يبقى السؤال معلقاً:
هل نحن أمام غياب فهم ووعي سياسي للمشاكل الصحية المستعجلة ؟
أم اننا أمام حكومة تتفنن في خلق المؤسسات دون إعطاءها وسائل للعمل ؟