منير لكماني : الوعي في زمن الهتاف

منير لكماني : الوعي في زمن الهتاف منير لكماني
تحت ضوء الملاعب الصاخب، حيث تتشابك الهتافات وتعلو الأعلام، يولد شعور جماعي بالإنتماء والفرح. هذا المشهد في ظاهره بريء، بل محبب، لكنه في عمقه قد يخفي أسئلة أكبر من مجرد فوز أو خسارة. فحين تصبح الفرجة شاغلا دائما، ويتحول الإنتصار الرياضي إلى حدث يغطي كل ما عداه، يكون من المشروع أن نتوقف، لا لننكر الفرح، بل لنسأل عن حدوده ومعناه.
 
الرياضة كقيمة إنسانية
لا خلاف حول مكانة الرياضة في حياة الناس. هي مجال لتقوية الجسد، وصقل الإنضباط، وتعليم التعاون، وبناء الطموح. في البيوت كما في المدارس، ينظر إليها كوسيلة تربية ووقاية، وكنافذة أمل للشباب. لهذا فان الدفاع عن الرياضة هو دفاع عن قيمة إنسانية أصيلة، وعن حق طبيعي في الترفيه المشروع والمتوازن.
 
التحول الخفي
غير أن المشكلة لا تكمن في اللعبة ذاتها، بل في ما يحيط بها حين تخرج عن سياقها الطبيعي. عند هذه النقطة، تتغير الوظيفة دون إعلان، ويتحول الحدث الرياضي إلى شاشة كبيرة تحجب ما خلفها. يصبح التركيز المفرط وسيلة لصرف الإنتباه، لا بدافع المتعة فقط، بل لتغييب أسئلة أكثر إلحاحا تتعلق بالمعيش اليومي والمسؤولية العامة.
 
إدارة المشاعر
الإنسان كائن عاطفي، ومن يفهم حركة المشاعر يستطيع توجيهها. حين يتم الإستثمار في الفرح الجماعي والغضب الجماعي، تصبح الملاعب مسرحا لتفريغ التوتر بدل معالجته. في هذه الحالة، لا يعود الهدف هو تطوير الرياضة، بل التحكم في المزاج العام، وخلق إيقاع موحد يعلو حين يراد له أن يعلو، ويصمت حين يراد له أن يصمت.
 
الفرجة والوعي
الفرجة في ذاتها ليست خطرا، لكنها قد تصبح كذلك حين تستهلك الوعي بدل أن تنعشه. حين يتابع الناس التفاصيل الصغيرة بشغف مفرط، وينسون القضايا الكبرى، يحدث إختلال في ميزان الإهتمام. هنا لا يتم سلب الوعي بالقوة، بل يتم إغراقه بالضجيج، حتى يفقد قدرته على التمييز بين المهم والعابر.
 
بين الحب والإستغلال
محبة الكرة شعور صادق، لكن إستغلال هذا الحب هو ما يستوجب التنبيه. الفرق كبير بين أن نفرح بإنتصار، وبين أن نستبدل التفكير بالتصفيق. الدفاع عن الوعي لا يعني مصادرة الفرح، بل تحريره من التوظيف. فالرياضة تزدهر حين تكون مستقلة، وتفسد حين تتحول إلى أداة في يد من يبحث عن التغطية لا عن الإصلاح.
 
مسؤولية المتلقي
لا تقع المسؤولية كلها على من يدير المشهد، بل أيضا على من يتلقاه. المتلقي الواعي لا يرفض الفرجة، لكنه يضعها في حجمها الطبيعي. يستمتع دون أن ينسى، ويشجع دون أن يعطل عقله. هذا التوازن هو صمام الأمان الذي يحفظ للرياضة نقاءها، وللمجتمع يقظته.
 
حين تهدأ المدرجات
في زمن تتزاحم فيه الشاشات وتتنافس الأصوات، كيف نحافظ على فرحنا دون أن نفقد وعينا؟ كيف نحب اللعبة دون أن نسمح بتحويلها إلى ستار؟ وأي دور يمكن للفرد أن يلعبه ليبقى متفرجا حرا لا جزءا من جمهور منقاد؟ أسئلة لا تفسد المتعة، بل تحميها، وتمنحها معنى أبقى من نتيجة مباراة.