إدريس الفينة: هل انتهت السنوات العجاف في المغرب؟

إدريس الفينة: هل انتهت السنوات العجاف في المغرب؟ تحمل الأمطار رسالة أمل للبادية التي تضرر ت بشدة خلال السنوات الماضية
مع التساقطات المطرية المهمة التي عرفها المغرب خلال هذا الشهر، ومع حجم الثلوج المسجلة في سلاسل الأطلس، عاد سؤال الجفاف بقوة إلى النقاش العمومي: هل نعيش فعلًا نهاية مرحلة الجفاف التي طبعت السنوات الأخيرة، أم أننا أمام انفراج ظرفي لا غير؟
 
من حيث الوقائع، لا يمكن التقليل من أهمية ما تحقق. فالأمطار الأخيرة حسّنت بشكل ملموس وضعية التربة، وأنعشت الغطاء النباتي، ورفعت من آمال الموسم الفلاحي، كما أن الثلوج تمثل مخزونًا مائيًا استراتيجيًا سيتحول تدريجيًا إلى موارد مائية خلال الربيع. هذه عناصر إيجابية بلا شك، خاصة بعد سنوات من الإجهاد المائي الحاد.
 
لكن التحليل الاقتصادي العقلاني يفرض التمييز بين الحدث المناخي والمسار البنيوي. الجفاف في المغرب لم يكن حادثًا عرضيًا، بل نتيجة تراكب عوامل هيكلية: تغير مناخي، اختلالات في تدبير الموارد المائية، نموذج فلاحي كثيف الاستهلاك للماء، وضغط ديمغرافي ومجالي متزايد. لذلك، فإن موسمًا مطريًا واحدًا مهما كانت جودته لا يكفي لإعلان نهاية الجفاف.
 
اقتصاديًا، لهذه التساقطات انعكاسات فورية ومهمة. فالقطاع الفلاحي سيستفيد من تحسن المردودية، ما سينعكس على النمو الاقتصادي، وعلى الطلب الداخلي، خصوصًا في الوسط القروي. كما أن تحسن المراعي سيخفف الضغط على مربي الماشية، ويحد جزئيًا من ارتفاع كلفة الأعلاف، وهو ما قد ينعكس إيجابًا على أسعار بعض المواد الغذائية. غير أن هذه الآثار تظل مشروطة باستمرارية التساقطات وتوازنها، لا بغزارتها الظرفية فقط.
 
اجتماعيًا، تحمل الأمطار رسالة أمل للبادية التي تضرر ت بشدة خلال السنوات الماضية: فرص شغل موسمية، استقرار نسبي للدخل، وتراجع مؤقت في دوافع الهجرة القسرية. لكن هذه المكاسب تبقى هشة ما لم تُدعّم بسياسات عمومية قادرة على تحويل التحسن المناخي إلى أثر اجتماعي مستدام.
 
باختصار وبالأرقام، التساقطات المطرية الأخيرة في المغرب يمكن أن تعيد تنشيط ما بين 120 و180 ألف فرصة شغل موسمية في الفلاحة والأنشطة المرتبطة بها، وتحسّن المراعي بما يخفض كلفة الأعلاف بنحو 20–30%، ما يحافظ على آلاف مناصب الشغل القروية غير المهيكلة. كما قد ترفع الدخل القروي الإجمالي بحوالي 8 إلى 12 مليار درهم خلال سنة واحدة، وتقلّص الهشاشة والفقر في البادية بنحو 1 إلى 1.5 نقطة مئوية، مع تهدئة مؤقتة للهجرة القروية بنسبة 15–25%. غير أن هذا الأثر يظل مرحليًا، إذ إن كل سنة جفاف تفقد الاقتصاد القروي ما بين 50 و70 ألف منصب شغل دائم، ما يؤكد أن الأمطار تمنح متنفسًا ظرفيًا لا حلًا هيكليًا.