عبد المالك البوطيين: الجزائر لا تتوفر ولو على "معلم" واحد في حرفة الزليج وهي مضطرة الى جلب "المعلمين" من المغرب

عبد المالك البوطيين: الجزائر لا تتوفر ولو على "معلم" واحد في حرفة الزليج وهي مضطرة الى جلب "المعلمين" من المغرب عبد المالك البوطيين
يدعو‭ ‬عبد‭ ‬المالك‭ ‬البوطيين،‭ ‬صانع‭ ‬تقليدي‭ ‬بمكناس،‭ ‬إى‭ ‬دعم‭ ‬قطاع‭ ‬الصناعة‭ ‬التقليدية‭ ‬محذرا‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬اندثار‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الحرف‭ ‬التقليدية‭ ‬مستقبلا‭ ‬بسبب‭ ‬الثقافة‭ ‬السائدة‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬الى‭ ‬تهميش‭ ‬القطاع،‭ ‬وضمنها‭ ‬الزليج‭ ‬التقليدي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬عليه‭ ‬الشباب،‭ ‬داعيا‭ ‬الى‭ ‬تدخل‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تخصيص‭ ‬منح‭ ‬لفائدة‭ ‬الشباب‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬التكوين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصناعة‭ ‬التقليدية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬المنح‭ ‬الجامعية‭ ‬لحماية‭ ‬هذا‭ ‬الموروث‭ ‬وضمان‭ ‬استمراريته،‭ ‬كما‭ ‬يتطرق‭ ‬للمحاولات‭ ‬المتكررة‭ ‬للجزائر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السطو‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬المغربي،‭ ‬مؤكدا‭ ‬بأن‭ ‬الجزائر‭ ‬تظل‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬توفرها‭ ‬على‭ ‬الصناع‭ ‬وافتقارها‭ ‬الى‭ ‬المواد‭ ‬الأولية‭.‬

كيف‭ ‬تنظرون‭ ‬كصناع‭ ‬تقليديين‭ ‬للمحاولات‭ ‬المتكررة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬عسكر‭ ‬الجزائر‭ ‬للسطو‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬المغربي‭ ‬وآخرها‭ ‬محاولة‭ ‬السطو‭ ‬على‭ ‬الزليج‭ ‬وعلى‭ ‬القفطان؟
مع‭ ‬الأسف،‭ ‬الجزائريون‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬مجرد‭ ‬التوفر‭ ‬على‭ ‬مسجد‭ ‬يضم‭ ‬الزليج‭ ‬والجبس‭ ‬يعد‭ ‬كافيا‭ ‬للادعاء‭ ‬بأنها‭ ‬منتوجات‭ ‬جزائرية‭. ‬فتبني‭ ‬منتوج‭ ‬معين‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬صحيحا‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬صناعة‭ ‬لهذا‭ ‬المنتوج،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬المغاربة‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬ابتكروا‭ ‬هذه‭ ‬المنتوجات‭ ‬ويدركون‭ ‬جيدا‭ ‬جميع‭ ‬مراحل‭ ‬تصنيعها،‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬الجزائريين‭ ‬يفتقدون‭ ‬لكل‭ ‬هذا،‭ ‬كما‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يتوفرون‭ ‬على‭ ‬المواد‭ ‬الأولية‭. ‬و‭ ‬لنعطي‭ ‬مثال،‭ ‬الزليج‭ ‬فالجزائر‭ ‬لا‭ ‬تتوفر‭ ‬على‭ ‬المادة‭ ‬الأولية‭ ‬لصناعة‭ ‬الزليج،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تتوفر‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬«معلم»‭ ‬واحد‭ ‬لحرفة‭ ‬الزليج،‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬تضطر‭ ‬الى‭ ‬جلب‭ ‬«المعلمين»‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬فاس‭. ‬هناك‭ ‬نوعان‭ ‬من‭ ‬الزليج‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬هما‭ ‬زليج‭ ‬فاس‭ ‬وزليج‭ ‬تطوان،‭ ‬وهما‭ ‬يختلفان‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الألوان‭ ‬والنماذج‭ ‬وأيضا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬طريقة‭ ‬تقطيعه،‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬فطنت‭ ‬لمحاولات‭ ‬السطو‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬المغربي،‭ ‬وقامت‭ ‬بتسجيل‭ ‬الزليج‭ ‬والقفطان‭ ‬لدى‭ ‬منظمة‭ ‬اليونسكو‭. ‬الزليج‭ ‬كان‭ ‬مهددا‭ ‬بالانقراض‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬لولا‭ ‬وجود‭ ‬معمار‭ ‬يتجسد‭ ‬في‭ ‬المساجد‭ ‬والقصور،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الملوك‭ ‬العلويون‭ ‬كان‭ ‬لهم‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬استمرارية‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الحرف،‭ ‬وخصوصا‭ ‬حرف‭ ‬المعمار‭ ‬وأيضا‭ ‬اللباس‭ ‬التقليدي‭ ‬مثل‭ ‬القفطان،‭ ‬فلما‭ ‬تلج‭ ‬دار‭ ‬المخزن‭ ‬لن‭ ‬تجد‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬يرتدي‭ ‬«بيجاما»‭ ‬مستوردة‭ ‬من‭ ‬الصين‭.. ‬الكل‭ ‬يرتدي‭ ‬القفطان‭ ‬واللباس‭  ‬«البلدي»‭ ‬وحتى‭ ‬ولو‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بسائحة‭ ‬أجنبية‭ ‬تم‭ ‬استقدامها‭ ‬لحضور‭ ‬مناسبة‭ ‬معينة،‭ ‬إذ‭ ‬يصر‭ ‬المغاربة‭ ‬على‭ ‬إلباسها‭ ‬القفطان‭ ‬المغربي‭.‬
 
لكن‭ ‬الدولة‭ ‬الجزائرية‭ ‬نفسها‭ ‬اعترفت‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬بوتفليقة‭ ‬بكون‭ ‬الزليج‭ ‬مغربي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استعانتها‭ ‬بصناع‭ ‬مغاربة‭ ‬لترميم‭ ‬قصر‭ ‬تلمسان؟
هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحرف‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬تسجليها‭ ‬لدى‭ ‬منظمة‭ ‬اليونسكو‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية،‭ ‬لأن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بدولة‭ ‬عريقة‭ ‬ضمنت‭ ‬استمراريتها‭ ‬لما‭ ‬يفوق‭ ‬12‭ ‬قرنا،‭ ‬حيث‭ ‬قد‭ ‬تجد‭ ‬رياضا‭ ‬عمره‭ ‬يفوق‭ ‬300‭ ‬عاما‭ ‬ولازال‭ ‬الزليج‭ ‬بداخله‭ ‬محافظا‭ ‬على‭ ‬رونقه‭ ‬وجماليته‭. ‬وهناك‭ ‬مساجد‭ ‬عريقة‭ ‬مزينة‭ ‬بالزليج‭.‬‭ ‬وقد‭  ‬ساهم‭ ‬ترميم‭ ‬المدن‭ ‬العتيقة‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الصناعة‭ ‬التقليدية‭ ‬وفقا‭ ‬لخصوصياتها،‭ ‬والآن‭ ‬هناك‭ ‬جهود‭ ‬لتوثيق‭ ‬التراث‭ ‬المادي‭ ‬واللامادي‭ ‬للمغرب،‭ ‬لكن‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬تفرضه‭ ‬اليونسكو‭ ‬يجعل‭ ‬وتيرة‭ ‬تسجيل‭ ‬هذا‭ ‬التراث‭ ‬بطيئة‭ ‬نوعا‭ ‬ما،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تسجيل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حرفة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬السنة،‭ ‬والمغرب‭ ‬يتوفر‭ ‬على‭ ‬تراث‭ ‬غني،‭ ‬وكل‭ ‬سنة‭ ‬يسجل‭ ‬صنف‭ ‬من‭ ‬تراثه‭ ‬سواء‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالتراث‭ ‬اللامادي‭ ‬أو‭ ‬المعمار‭ ‬أو‭ ‬اللباس‭ ‬التقليدي‭ ‬أو‭ ‬الطبخ‭..‬وقد‭ ‬أبرمت‭ ‬اليونسكو‭ ‬شراكة‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الحرف‭ ‬المهددة‭ ‬بالاندثار،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬مسؤولية‭ ‬كبيرة‭ ‬ملقاة‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الدولة‭..‬
 
 العديد‭ ‬من‭ ‬الحرف‭ ‬مهددة‭ ‬بالانقراض‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬نقل‭ ‬"الصنعة"‭ ‬الى‭ ‬الأجيال‭ ‬الحالية،‭ ‬فما‭ ‬السبيل‭ ‬الى‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬نظرك؟
 المشكل‭ ‬لا‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬هذه‭ ‬الحرف‭ ‬الى‭ ‬الأجيال‭ ‬الحالية،‭ ‬بل‭ ‬المشكل‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬السائدة،‭ ‬فسابقا‭ ‬كانت‭ ‬الأسر‭ ‬تفضل‭ ‬تزويج‭ ‬بناتها‭ ‬من‭ ‬الصناع‭ ‬التقليديين‭ ‬بدلا‭ ‬عن‭ ‬الموظفين‭ ‬أو‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬باقي‭ ‬الفئات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وهو‭ ‬معطى‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬قائما‭ ‬اليوم‭. ‬فالصانع‭ ‬التقليدي‭ ‬أصبح‭ ‬ينظر‭ ‬له‭ ‬بنظرة‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬«الحكرة»‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المجتمع،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يجد‭ ‬تفسيره‭ ‬في‭ ‬الصعوبات‭ ‬التي‭ ‬أضحى‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬الصناع،‭ ‬فرغم‭ ‬كونهم‭ ‬ينتجون‭ ‬فإنهم‭ ‬يجدون‭ ‬صعوبات‭ ‬في‭ ‬تسويق‭ ‬منتجاتهم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬لم‭ ‬تعطي‭ ‬اهتماما‭ ‬كبيرا‭ ‬للصناع‭..‬صحيح‭ ‬هناك‭ ‬تحول‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬نكون‭ ‬عدميين،‭ ‬فقد‭ ‬سبق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬رفعت‭ ‬مذكرة‭ ‬لما‭ ‬كنت‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬غرفة‭ ‬الصناعة‭ ‬التقليدية‭ ‬بجهة‭ ‬فاس‭ ‬–‭ ‬مكناس‭ ‬طلبت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬دعم‭ ‬الدولة‭ ‬لمجال‭ ‬التكوين،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬تشغيل‭ ‬الأطفال‭ ‬أصبح‭ ‬ممنوعا‭ ‬بمقتضى‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬تخصيص‭ ‬منح‭ ‬للشبان‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬تعلم‭ ‬حرف‭ ‬الصناعة‭ ‬التقليدية‭ ‬لمدة‭ ‬سنتين‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬ضرورة‭ ‬توفير‭ ‬دعم‭  ‬لـ‭  ‬«المعلمين»‭  ‬مع‭ ‬توفير‭ ‬تحفيزات‭ ‬ضريبية،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬سيضع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬على‭ ‬السكة‭ ‬الصحيحة‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬سيضمن‭ ‬الاستمرارية‭ ‬وتوفير‭ ‬نفس‭ ‬جديد‭ ‬للقطاع،‭ ‬خصوصا‭ ‬الزليج‭ ‬وصناعة‭ ‬النحاس‭ ‬وصناعة‭ ‬الجلود،‭ ‬فحاليا‭ ‬نحن‭ ‬نعاني‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬اليد‭ ‬العاملة‭ ‬المؤهلة،‭ ‬واذا‭ ‬لم‭ ‬تنتبه‭ ‬الدولة‭ ‬للقطاع‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬قد‭ ‬يعرض‭ ‬حرفا‭ ‬أخرى‭ ‬للانقراض‭ ‬مستقبلا‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزليج،‭ ‬حيث‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬اذا‭ ‬استمر‭ ‬الوضع‭ ‬على‭ ‬حاله‭ ‬ألا‭ ‬نجد‭ ‬«معلما»‭ ‬في‭ ‬الزليج‭ ‬بعد‭ ‬16‭ ‬أو‭ ‬17‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الآن،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬الصناع‭ ‬حاليا‭ ‬يبلغون‭ ‬45‭ ‬في‭ ‬العمر‭ ‬فما‭ ‬فوق‭ ‬خلافا‭ ‬لفترة‭ ‬الثمانينيات‭ ‬والتسعينيات،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يتواجد‭ ‬صناع‭ ‬في‭ ‬العشرينيات‭.‬
عبد المالك البوطيين، صانع تقليدي بمكناس