محمد شروق يفتح صندوق الذاكرة: ندم شديد على مغادرة الرباط والاشتغال بعمالة المحمدية!! (08) 

محمد شروق يفتح صندوق الذاكرة: ندم شديد على مغادرة الرباط والاشتغال بعمالة المحمدية!! (08)  محمد شروق
تنشر جريدة "أنفاس بريس" حلقات من ذكريات ومذكرات الكاتب الصحافي محمد شروق، انطلاقا من قضائه للخدمة المدنية بوزارة الداخلية والإعلام (قطاع الإعلام) في 01 دجنبر 1986؛ إلى إحالته على المعاش في 25 مارس 2024، بعمالة الدار البيضاء أنفا كمسشار للعامل في الصحافة والاتصال.
 
مباشرة بعد الأيام الأولى من الاشتغال بديوان عامل المحمدية حسن الرحموني، لاحظت محاولات التقرب مني من طرف رؤساء الأقسام والمصالح الخارجية ورجال السلطة، وهذا أمر معروف في الإدارة. فكلما كنت قريبا من قائد الهرم ستكون مطلوبا للتعارف والدعوات، وكلما ابتعدت، انتهى كل شيء  فالمصالح هي المحرك.
أنا والحمد لله كنت ومازلت ضد هذه المقاربة، محاولا بناء علاقات مبنية على الاحترام المتبادل والتواضع، لتقديم رسالة واضحة: أنا هنا مثلكم..أنا ابن حي شعبي (البرنوصي) وابن عائلة متوسطة الحال،  فلا داعي إلى هذه البروتوكولات الفارغة.
قام العامل بوضع عبد المجيد  في مكتب بمدخل العمالة ليكون عيونه التي لاتنام، فكان يسجل كل شيء مثير للانتباه خاصة تحركات رؤساء الأقسام. في الصباح وبعد الظهر، يبعث للعامل في ظرف مغلق التوقيت الذي يلج فيه كل مسؤول مقر العمالة.
أما محمد فراح، فتم تعيينه مسؤولا عن الكتابة الخاصة للعامل رفقة كاتبتين. 
محمد أوزيدان كان ينوي العامل تعيينه رئيسا للديوان مكان عبد اللطيف البرنوصي. 
في صباح يوم من الأيام،  سيدخل الرحموني مباشرة إلى الديوان، ويأمر أوزيدان بالجلوس عل كرسي رئيس الديوان، في مشهد غير إنساني. لأنه بعد لحظات، سيحضر البرنوصي ليجد أوزيدان جالسا في مكانه. فهم الرسالة مباشرة والتحق بي في المكتب الثاني بالديوان. سيظل بدون مهمة يقرأ معي الصحف، لكنه سيعود إلى مكانه كرئيس، علما أنه إبن أخ المفتش العام آنذاك محمد البرنوصي. ولست أدري هل كان هذا عاملا مؤثرا أم لا ؟ أو لأن محمد أوزيدان لم يقم بالمهمة كما يجب.  
أنا كنت بالديوان بمهام متعددة ومختلفة. مرة دراسة ملف وتحليله أو استقبال شخصية ما، والتنسيق مع مراسل جريدة لوماتان le Matin التي كانت تنشر أنشطة العمال.
كان العامل يطلب مراجعة المقال مع المراسل الذي لم تكن بيننا معرفة سابقة. كنت أناقش معه المقال بمهنية واحترام
لكن الأمر الذي هيمن على المشهد هو أن العامل اختار الضغط النفسي خاصة على الباشا ورجال السلطة ورؤساء الأقسام. 
كان الرحموني لا يغادر مكتبه في المساء إلا بعد الساعة الثامنة وأحيانا يظل هناك إلى التاسعة مساء، مع منع أي رئيس قسم من مغادرة مكتبه حتى يخرج العامل. 
أما الباشا فكان يحضر إلى الديوان يوميا لتقديم تقرير للعامل قبل مغادرته للمكتب.
الاستفسارات كانت تتهاطل على رجال السلطة رؤساء الدوائر لأن هناك عيونا، خاصة من المخازنية؛ كانت تراقب كل تحركاتهم وكانت على تواصل هاتفي مستمر مع العامل.
في صباح يوم من الأيام سيحضر إلى الديوان القائد محمد فنيد بطلب من العامل لاستقباله. علمت أنه قام بهدم بناء عشوائي.
ظل القائد ينتظر استقباله حتى خرج العامل من مكتبه بعد الساعة الواحدة.
سيعود في الثانية والنصف ليبقى ينتظر حتى المساء و يغادر.
في اليوم التالي، سيتكرر نفس السيناريو دون أن يرى العامل أو يستقبله أو حتى يكلمه.
نفس القائد وكان مسؤولا  عن الملحقة الإدارية الثالثة (زنقة سوس)، سيطلب منه العامل إزالة جزء من شجرة مرمي بشارع تابع له دون تحديد المكان.
سيقضي القائد وقتا مهما وهو يبحث عن جزء الشجرة المرمي دون أن يجد شيئا.
وفي يوم آخر، طلب العامل من القائد أن ينتظره بمقر الدائرة، دون أن يحضر واضطر القائد إلى قضاء الليلة بالدائرة.
هذا كان أسلوب العامل لأنني كنت قريبا منه وأحيانا يتباهي أمامي بمثل هكذا أفعال. لكن في داخلي كنت أندم ندما شديدا على اليوم الذي قبلت العمل معه، رغم وضعي الخاص بالعمالة. فقد خلقت للعيش إعلاميا.
لم يكن قائد الدائرة الثالثة الوحيد موضوع الأسلوب الاستفزازي، بل جميع رجال السلطة.
مرة قال لي أن أطلب رئيس الشؤون العامة تحضير صورة بروتوكولية لجلوس الشخصيات بمنصة ملعب البشير الذي كان سيحتضن مباراة مهمة في كرة القدم.
فوجىء السيد بناني رحمه الله بالطلب، لأن البروتوكول مهمة الديوان. ومع ذلك قام بالواجب بالتشاور بيننا.
عندما دخلت عند العامل  وأعطيت الملف، قال لي كلاما مازلت أتذكره، وهو يضع ملفا آخر أمامي:" هاهو عندي غير بغيت نخدمو.."
بقيت صامتا متسائلا في نفسي: آهذا عامل عينه الملك لقضاء مصالح الدولة والمواطنين؟
يتبع..