يوم واحد يفصلنا عن نهاية 2014، ويستمر الجدل في الجزائر بشأن مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يحكم البلاد من فوق كرسي متحرك، لتطالب المعارضة بانتخابات مبكرة بعد أشهر فقط من تنظيم الانتخابات الرئاسية، في وقت تقول فيه الموالاة إن الأمر غير مطروح قبل نهاية ولاية الرئيس في 2019، وربما لم يخطف الأضواء من صحة الرئيس في 2014 سوى كوارث الطيران، التي زهقت أرواح قرابة 200 شخص في حصيلة غير مسبوقة في البلاد.
وشهدت الجزائر العام 2014 انتخابات رئاسية هي الأكثر جدلا في تاريخها، لم يتوقف فيها الجدل بين المعارضة والموالاة حول صحة بوتفليقة وقدرته على الحكم .
ففي أبريل 2013، تعرض الرئيس الجزائري لجلطة دماغية نقل على إثرها للعلاج بمستشفى “فال دوغراس″ بباريس، وبعد عودته للبلاد في يوليو/ تموز من السنة نفسها مارس مهامه في شكل قرارات ورسائل ولقاءات مع كبار المسؤولين في الدولة وضيوف أجانب يبثها التلفزيون الرسمي دون الظهور في نشاط ميداني يتطلب جهدا بدنيا بحكم أنه ما زال يتنقل على كرسي متحرك.
وساد غموض في بداية العام الحالي حول ترشح بوتفليقة لولاية رابعة ليقرر الأخير التقدم لسباق الرئاسة الذي جرى يوم 17 أبريل الماضي في خطوة تعد سابقة في تاريخ البلاد بحكم أنه لم يشارك في حملته الدعائية وأناب عنه مسؤولين وقادة أحزاب تدعمه كما ظهر يوم الاقتراع وهو يدلي بصوته على كرسي متحرك ليتكرر نفس المشهد بعد أيام في حفل آدائه اليمين الدستورية كرئيس لولاية رابعة.
وصاحب هذه المحطات السياسية تبادل للتهم بين المعارضة التي تعتبر ترشح الرئيس وفوزه رغم المرض “خرقا للدستور” بحكم أنه غير قادر على الحكم وأحزاب الموالاة التي تردد في كل مرة أن بوتفليقة “يتمتع بكل قواه العقلية ووضعه الصحي لم يؤثر على آداء مهامه الدستورية”.
وأطلق الرئيس الجزائري وسط هذا الجدل شهر يونيو/ تموز الماضي مشاورات مع مختلف الأطراف السياسية في البلاد “لإعداد دستور توافقي” كما قال لكن أغلب أطراف المعارضة قاطعتها واعتبرتها “هروبا إلى الأمام ومحاولة من النظام لربح الوقت والالتفاف على مطالب التغيير الحقيقي”.
ولم يعلن لحد الآن عن نتائج هذه المشاورات لكن بوتفليقة أعلن في تصريحات له يوم 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أن “الجزائر تستعد لتعديل دستورها وهي تحضر لذلك بجدية وكلها دراية بنضج الأفكار التي أفرزتها المشاورات الواسعة التي نظمت لهذا الغرض” دون أن يكشف عن موعد لذلك أو حتى مضمون هذه التعديلات.
وكان هذا الوضع السياسي “نعمة” على المعارضة التي نجحت لأول مرة في تاريخ البلاد في جمع أحزاب وشخصيات مستقلة وأكاديميين من مختلف التيارات في تحالف واحد أعلن عن تأسيسه في سبتمبر/ أيلول الماضي سمي “هيئة التشاور والمتابعة للمعارضة” من أجل الضغط على النظام الحاكم.
ووجه هذا التحالف شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي “نداء” للجزائريين من أجل المساهمة في التغيير جاء فيه “تُشهد هيأة التشاور والمتابعة الشعب الجزائري، الصانع الوحيد لتاريخه، على خطورة الوضعية لأنه بدونه لا يمكن إيجاد أي حل ممكن ودائم لها كما لا يمكن أن يكون للانتقال الديمقراطي ، الذي تدعو إليه الهيئة وتضع نفسها في خدمة الشعب من أجله، معنى وبعد إلا إذا اقتنع بعدالته وبصدق نواياو النساء والرجال المنادون به”.
كما رفعت المعارضة المنضوية تحت هذا التكتل سقف مطالبها شهر نوفمبر/ تشرين الثاني بالدعوة إلى “تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة نظرا لوجود شغور في رئاسة الجمهورية لعدم قدرة الرئيس على أداء مهامه” وهو مطلب ردت عليه أحزاب الموالاة بأنه “طعن في شرعية الصندوق وأن انتخابات الرئاسة ستكون عام 2019 بعد انتهاء ولاية الرئيس″.
وتقول المعارضة إن “محيط الرئيس من سياسيين وكذا رجال أعمال هو من يسير البلاد خلف الستار في ظل مرض الأخير” وترد أحزاب الموالاة أن “رئيس الجمهورية يقوم بمهامه ويتابع كل الملفات ونشاط الحكومة بشكل مستمر”
من جهتها خرجت مؤسسة الجيش عن صمتها في مقال نشرته مجلة الجيش هذا الشهر بشأن مطلب المعارضة بتنظيم انتخابات مبكرة وحياد الجيش بالقول “حري بهؤلاء الالتزام واحترام مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش الوطني الشعبي وتماسكه ووحدته وعدم الزج به في الشأن السياسي الذي هو ليس من مهامه على الإطلاق وعدم استغلال تمسكه بمهامه الدستورية للطعن في شرعية مؤسسات الدولة”، في إشارة إلى الطعن في شرعية الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.
ووسط هذا الاستقطاب الثنائي بين المعارضة والموالاة، اقترح حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي يوصف بأنه أقدم حزب معارض في البلاد تاريخ 23 و24 فبراير 2015 تاريخا لعقد مؤتمر “الإجماع الوطني” لجمع كافة الأطياف السياسية في البلاد من أجل مشروع سياسي موحد.
ولقي المشروع قبولا من احزاب الموالاة شرط ألا تكون “شرعية الرئيس بوتفليقة محل نقاش” كما يقولون فيما تحفظ تكتل “هيئة التشاور والمتابعة للمعارضة” كونه “يشكل كسرا لجهود الضغوط على النظام الحاكم”.
وتنقضي هذه السنة “الطويلة سياسيا” في الجزائر دون حدوث اختراق في الوضع السياسي المتأزم بشكل سيؤجل الحسم إلى العام 2015 الذي سيكون محطة للفصل في الملفات العالقة مثل تعديل الدستور والانتخابات المبكرة.
وربما لم يخطف الأضواء من صحة الرئيس في 2014 سوى كوارث الطيران، فخلال أقل من 10 أشهر، وقعت خمس حوادث طائرات جزائرية مدنية وعسكرية، لقي فيها أكثر من 200 شخص، معظمهم عسكريون، مصرعهم، ما دفع زارة الدفاع إلى تشكيل لجنة تحقيق في أسباب هذه الحوادث، ووقررت وزارة النقل إعادة تأهيل شركة الخطوط الجوية الحكومية.
وهذه حصيلة غير مسبوقة لضحايا حوادث الطيران الجزائرية، ففي نونبر 2012، تحطمت طائرة نقل عسكرية جزائرية جنوبي فرنسا، إثر اشتعال النيران في أحد محركاتها؛ ما أودى بحياة ستة أشخاص، وفي الشهر التالي اصطدمت طائرتان عسكريتان قرب مدينة تلمسان شمال شرق الجزائر، فلقي قائدا الطائرتين حتفهما.