مصطفى يخلف: المحاماة بين الكفاءة والحرية.. مقاربة دستورية ومعيارية لمشروع القانون المتداول

مصطفى يخلف: المحاماة بين الكفاءة والحرية.. مقاربة دستورية ومعيارية لمشروع القانون المتداول  مصطفى يخلف
لا تُختزل مهنة المحاماة في بعدها التقني أو في مستوى الكفاءة المهنية وحده، بل تقوم، في بنيتها الدستورية والوظيفية، على مبدأ الحرية والجرأة والإبداع، باعتبارها شروطا جوهرية لممارسة حق الدفاع وضمانا من ضمانات المحاكمة العادلة.
فقد كرس الدستور المغربي، من خلال إقراره للحق في التقاضي، وضمانه لقرينة البراءة، وحق الدفاع، وربطه بين استقلال القضاء وحماية الحقوق والحريات، تصورا متكاملا لمنظومة العدالة التي لا يمكن أن تستقيم دون محاماة مستقلة وقادرة على أداء دورها دون ضغط أو وصاية.
ويجد هذا التوجه الدستوري سنده كذلك في المعايير الدولية التي تبنتها المملكة المغربية، ولا سيما المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين المعتمدة من طرف الأمم المتحدة، والتي تؤكد على ضرورة تمكين المحامين من أداء مهامهم بحرية واستقلال، وضمان تدبير شؤونهم المهنية في إطار من التنظيم الذاتي، وحمايتهم من أي تدخل قد يؤثر في استقلالهم أو في علاقتهم بموكليهم.
وانطلاقا من هذا الإطار المرجعي الدولي والدستوري، يطرح مشروع قانون تنظيم مهنة المحاماة المتداول بشكل غير رسمي إلى حد الآن، تساؤلات أكاديمية مشروعة لا تتعلق بمبدأ الإصلاح في حد ذاته، وإنما بمدى احترامه للتوازن الدستوري والدولي بين متطلبات التنظيم والفعالية من جهة، وصون الاستقلال المهني للمحامي من جهة أخرى، ومدى استحضار مبدأ التشاور الحقيقي مع الجمعيات العمومية للهيئات السبع عشرة.
وبما أن الانتقال بمهنة المحاماة من منطق التنظيم القائم على التدبير الذاتي إلى منطق الضبط الإداري، أو إلى توسيع مفاهيم تأديبية غير مضبوطة، من شأنه أن ينعكس سلبًا على حرية المحامي في أداء وظيفته الدفاعية، ويحوّل الاستقلال المهني من ضمانة جوهرية لحق الدفاع، إلى مبدأ معلَن ومفرَّغ من مضمونه العملي، بما يتعارض مع الرسالة الدستورية والحقوقية التي تضطلع بها المحاماة داخل منظومة العدالة.
فالتحدي الحقيقي لأي إصلاح تشريعي لقانون المحاماة لا يكمن في ضبط المهنة، بل في حجم الثقة المؤمنة بحرّيتها، لأن العدالة لا تحتاج إلى محامٍ مطيع ومجتهد في تطبيق التكليفات، بل إلى محامٍ حرّ، مبدع، فنان قانوني، محترف في ترويض النصوص، مسؤول، ومؤطّر بضمانات الاستقلال والنزاهة والشفافية والعدالة.
 مصطفى يخلف، محام بهيئة أكادير