عبد الرفيع حميدي.. الكوارث الطبيعية لا تصنعها السماء بل سوء التدبير وغياب المحاسبة

عبد الرفيع حميدي.. الكوارث الطبيعية لا تصنعها السماء بل سوء التدبير وغياب المحاسبة عبد الرفيع حميدي
يقدّم حميدي عبد الرفيع، باحث في قضايا الشباب والسياسات العمومية، قراءة تحليلية عميقة لأسباب تحوّل الاضطرابات الجوية وموجات الأمطار في المغرب إلى كوارث إنسانية وعمرانية متكررة، مستحضرًا اختلالات التخطيط الحضري، وضعف الحكامة المحلية، وسوء تدبير التعمير، ومقارنًا التجربة المغربية بما تعتمده المدن الكبرى عبر العالم من سياسات استباقية ووقائية.
 
‬لماذا‭ ‬تتحول‭ ‬كل‭ ‬موجة‭ ‬أمطار‭ ‬أو‭ ‬اضطراب‭ ‬جوي‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬كارثة‭ ‬إنسانية‭ ‬وعمرانية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تبقى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظواهر‭ ‬المماثلة‭ ‬محدودة‭ ‬الأثر‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬كبرى‭ ‬عبر‭ ‬العالم؟
‬تتحول‭ ‬كل‭ ‬موجة‭ ‬أمطار‭ ‬أو‭ ‬اضطراب‭ ‬جوي‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬كارثة‭ ‬إنسانية‭ ‬وعمرانية،‭ ‬ليس‭ ‬بسبب‭ ‬شدة‭ ‬التساقطات‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها،‭ ‬بل‭ ‬نتيجة‭ ‬خلل‭ ‬عميق‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬التدبير‭ ‬العمومي‭ ‬للمدينة‭. ‬فالمطر‭ ‬لا‭ ‬يصنع‭ ‬الكارثة‭ ‬من‭ ‬عدم،‭ ‬بل‭ ‬يكشف‭ ‬فقط‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مختل‭ ‬أصلًا‭.
أولًا،‭ ‬يتمثل‭ ‬هذا‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬التخطيط‭ ‬الاستباقي؛‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬عددًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬المغربية‭ ‬توسّع‭ ‬خارج‭ ‬أي‭ ‬تصور‭ ‬يأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬المخاطر‭ ‬الطبيعية،‭ ‬ودون‭ ‬خرائط‭ ‬دقيقة‭ ‬لمجاري‭ ‬الأودية‭ ‬أو‭ ‬للمناطق‭ ‬القابلة‭ ‬للغمر‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬تعتمد‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬تخطيط‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬توقع‭ ‬المخاطر،‭ ‬وتُدرج‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬ضمن‭ ‬سياساتها‭ ‬الحضرية،‭ ‬لا‭ ‬باعتبارها‭ ‬احتمالًا،‭ ‬بل‭ ‬كمعطى‭ ‬دائم‭. ‬
 
ثانيًا،‭ ‬هناك‭ ‬هشاشة‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬ضعف‭ ‬الاستثمار‭ ‬وسوء‭ ‬الصيانة‭. ‬فشبكات‭ ‬تصريف‭ ‬مياه‭ ‬الأمطار‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬كثيرة‭ ‬إما‭ ‬غير‭ ‬موجودة،‭ ‬أو‭ ‬متقادمة،‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬الكميات‭ ‬المتساقطة،‭ ‬بينما‭ ‬تُصمَّم‭ ‬هذه‭ ‬الشبكات‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬المتقدمة‭ ‬بهوامش‭ ‬أمان‭ ‬عالية،‭ ‬وتخضع‭ ‬لمراقبة‭ ‬وصيانة‭ ‬دورية‭ ‬صارمة‭.‬
 
ثالثًا،‭ ‬تتحمل‭ ‬السياسات‭ ‬المحلية‭ ‬والجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬مسؤولية‭ ‬مباشرة‭ ‬بسبب‭ ‬التدبير‭ ‬الارتجالي‭ ‬للأزمات؛‭ ‬إذ‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬التدخل‭ ‬بعد‭ ‬وقوع‭ ‬الفيضانات‭ ‬بدل‭ ‬اعتماد‭ ‬آليات‭ ‬للإنذار‭ ‬المبكر،‭ ‬وخطط‭ ‬للإجلاء،‭ ‬وتواصل‭ ‬فعال‭ ‬مع‭ ‬الساكنة‭. ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬عبر‭ ‬العالم،‭ ‬تُدار‭ ‬الكوارث‭ ‬باعتبارها‭ ‬سياسات‭ ‬عمومية‭ ‬قائمة‭ ‬بذاتها،‭ ‬لا‭ ‬مجرد‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬ظرفية‭.‬
 
وأخيرًا،‭ ‬يكمن‭ ‬الفارق‭ ‬الجوهري‭ ‬في‭ ‬الحكامة‭ ‬وربط‭ ‬المسؤولية‭ ‬بالمحاسبة‭. ‬ففي‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تبقى‭ ‬فيها‭ ‬آثار‭ ‬الأمطار‭ ‬والفيضانات‭ ‬محدودة،‭ ‬تُحاسَب‭ ‬المؤسسات‭ ‬والمسؤولون‭ ‬عند‭ ‬التقصير،‭ ‬وتُراجع‭ ‬السياسات‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬كل‭ ‬حادث‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬فغالبًا‭ ‬ما‭ ‬تمر‭ ‬الكوارث‭ ‬دون‭ ‬مساءلة‭ ‬حقيقية،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الأخطاء‭ ‬تتكرر،‭ ‬وتتحول‭ ‬الأمطار‭ ‬من‭ ‬نعمة‭ ‬طبيعية‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬دائم‭ ‬للفاجعة‭. ‬باختصار،‭ ‬الكارثة‭ ‬لا‭ ‬تنزل‭ ‬مع‭ ‬السحب،‭ ‬بل‭ ‬تُصنع‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬حين‭ ‬يغيب‭ ‬التخطيط،‭ ‬وتضعف‭ ‬الحكامة،‭ ‬ويُترك‭ ‬المواطن‭ ‬وحيدًا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الطبيعة‭.‬
 
‬إلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬يتحمل‭ ‬البناء‭ ‬العشوائي‭ ‬وسوء‭ ‬تدبير‭ ‬التعمير‭ ‬المسؤولية‭ ‬المباشرة‭ ‬عن‭ ‬تكرار‭ ‬الفيضانات‭ ‬وانهيار‭ ‬المنازل‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬المغربية؟
يتحمل‭ ‬البناء‭ ‬العشوائي‭ ‬وسوء‭ ‬تدبير‭ ‬التعمير‭ ‬مسؤولية‭ ‬مركزية‭ ‬ومباشرة‭ ‬في‭ ‬تكرار‭ ‬الفيضانات‭ ‬وانهيار‭ ‬المنازل‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬المغربية،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬يمكن‭ ‬معه‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬جزءًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الكوارث‭ ‬صُنِع‭ ‬إداريًا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يقع‭ ‬طبيعيًا‭.‬
 
أولًا،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬البناء‭ ‬العشوائي‭ ‬ظاهرة‭ ‬تلقائية‭ ‬أو‭ ‬معزولة،‭ ‬بل‭ ‬نتاج‭ ‬فساد‭ ‬مؤسساتي‭ ‬مزمن؛‭ ‬إذ‭ ‬تم‭ ‬الترخيص‭ ‬بالبناء‭ ‬في‭ ‬مجاري‭ ‬الأودية،‭ ‬والمناطق‭ ‬المنخفضة،‭ ‬وعلى‭ ‬أراضٍ‭ ‬غير‭ ‬مؤهلة‭ ‬جيولوجيًا،‭ ‬إما‭ ‬عبر‭ ‬غضّ‭ ‬الطرف‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬منح‭ ‬رخص‭ ‬استثنائية‭ ‬خارج‭ ‬منطق‭ ‬المسطرة‭ ‬القانونية‭ ‬وشروط‭ ‬السلامة‭. ‬حين‭ ‬تُبنى‭ ‬الأحياء‭ ‬في‭ ‬المسارات‭ ‬الطبيعية‭ ‬للمياه،‭ ‬يصبح‭ ‬الفيضان‭ ‬نتيجة‭ ‬حتمية‭ ‬لا‭ ‬احتمالًا‭ ‬عارضًا‭.‬
 
ثانيًا،‭ ‬يتجلى‭ ‬سوء‭ ‬تدبير‭ ‬التعمير‭ ‬في‭ ‬تصاميم‭ ‬تهيئة‭ ‬لا‭ ‬تحترم‭ ‬الواقع‭ ‬الطبيعي؛‭ ‬فكثير‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬توسعت‭ ‬بشكل‭ ‬أفقي‭ ‬سريع‭ ‬دون‭ ‬توفير‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬المواكبة،‭ ‬خاصة‭ ‬قنوات‭ ‬تصريف‭ ‬مياه‭ ‬الأمطار‭ ‬والمساحات‭ ‬العازلة‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬راكمت‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭ ‬خبرات‭ ‬تقنية‭ ‬تجعل‭ ‬التعمير‭ ‬خاضعًا‭ ‬لمعادلة‭ ‬دقيقة‭ ‬بين‭ ‬الكثافة‭ ‬السكانية‭ ‬والأمن‭ ‬البيئي‭.‬
 
ثالثًا،‭ ‬تتحمل‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬مسؤولية‭ ‬جسيمة‭ ‬بسبب‭ ‬ضعف‭ ‬المراقبة‭ ‬وغياب‭ ‬الردع؛‭ ‬فمخالفات‭ ‬البناء‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تُسوّى‭ ‬لاحقًا‭ ‬وتُشرعن‭ ‬بأثر‭ ‬رجعي،‭ ‬ما‭ ‬يشجع‭ ‬على‭ ‬التمادي‭ ‬في‭ ‬خرق‭ ‬القانون‭. ‬هذا‭ ‬المنطق‭ ‬يحوّل‭ ‬القانون‭ ‬من‭ ‬أداة‭ ‬حماية‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬إجراء‭ ‬شكلي،‭ ‬ويفرغ‭ ‬سياسة‭ ‬التعمير‭ ‬من‭ ‬بعدها‭ ‬الوقائي‭.‬
 
رابعًا،‭ ‬فإن‭ ‬انهيار‭ ‬المنازل‭ ‬خلال‭ ‬الفيضانات‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬نتيجة‭ ‬للمياه،‭ ‬بل‭ ‬نتيجة‭ ‬لهشاشة‭ ‬البناء‭ ‬نفسه:‭ ‬مواد‭ ‬رديئة،‭ ‬غياب‭ ‬المعايير‭ ‬الهندسية،‭ ‬وعدم‭ ‬احترام‭ ‬شروط‭ ‬السلامة‭. ‬وهي‭ ‬نتائج‭ ‬مباشرة‭ ‬لاقتصاد‭ ‬عشوائي‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬تغذيه‭ ‬الحاجة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬والتقصير‭ ‬العمومي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬البناء‭ ‬العشوائي‭ ‬وسوء‭ ‬تدبير‭ ‬التعمير‭ ‬ليسا‭ ‬عاملين‭ ‬ثانويين،‭ ‬بل‭ ‬السبب‭ ‬البنيوي‭ ‬الذي‭ ‬يحوّل‭ ‬كل‭ ‬اضطراب‭ ‬جوي‭ ‬إلى‭ ‬مأساة‭. ‬فحين‭ ‬يُبنى‭ ‬خارج‭ ‬القانون،‭ ‬ويُدبَّر‭ ‬التعمير‭ ‬خارج‭ ‬المنطق‭ ‬العلمي،‭ ‬تصبح‭ ‬الفيضانات‭ ‬مجرد‭ ‬شرارة‭ ‬تكشف‭ ‬حجم‭ ‬الخلل،‭ ‬لا‭ ‬سببه‭ ‬الحقيقي‭. ‬وبدون‭ ‬إصلاح‭ ‬جذري‭ ‬لمنظومة‭ ‬التعمير،‭ ‬ستظل‭ ‬الكوارث‭ ‬تتكرر‭ ‬بالسيناريو‭ ‬نفسه‭ ‬وبالضحايا‭ ‬أنفسهم‭.‬
 
لماذا‭ ‬تسجل‭ ‬الكوارث‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬مغربية‭ ‬خسائر‭ ‬بشرية‭ ‬ومادية‭ ‬جسيمة،‭ ‬مقارنة‭ ‬بما‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬أوروبية‭ ‬أو‭ ‬أمريكية‭ ‬تعرف‭ ‬ظروفًا‭ ‬مناخية‭ ‬مشابهة؟
تسجّل‭ ‬الكوارث‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬مغربية‭ ‬خسائر‭ ‬بشرية‭ ‬ومادية‭ ‬جسيمة،‭ ‬مقارنة‭ ‬بمدن‭ ‬أوروبية‭ ‬أو‭ ‬أمريكية‭ ‬تعرف‭ ‬ظروفًا‭ ‬مناخية‭ ‬مشابهة،‭ ‬لأن‭ ‬الفارق‭ ‬الحقيقي‭ ‬لا‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬قوة‭ ‬الطبيعة،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬قوة‭ ‬المؤسسات‭ ‬المحلية‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬التدبير‭ ‬والحماية‭.‬
 
أولًا،‭ ‬يعود‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬هشاشة‭ ‬البنية‭ ‬الحضرية‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬تراكم‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬التخطيط‭ ‬غير‭ ‬المتوازن؛‭ ‬فقد‭ ‬توسعت‭ ‬هذه‭ ‬المدن‭ ‬بسرعة‭ ‬تفوق‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الاستيعاب،‭ ‬دون‭ ‬تجهيزات‭ ‬كافية‭ ‬لتصريف‭ ‬المياه‭ ‬أو‭ ‬حماية‭ ‬الأحياء‭ ‬الهشة‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬تعتمد‭ ‬المدن‭ ‬الأوروبية‭ ‬والأمريكية‭ ‬على‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬مصممة‭ ‬بمنطق‭ ‬الوقاية،‭ ‬وتُراجع‭ ‬باستمرار‭ ‬وفق‭ ‬سيناريوهات‭ ‬الخطر‭ ‬المحتملة،‭ ‬لا‭ ‬وفق‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬الكلفة‭.‬
 
ثانيًا،‭ ‬هناك‭ ‬ضعف‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬الحكامة‭ ‬المحلية؛‭ ‬ففي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬لا‭ ‬تُربط‭ ‬الكوارث‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬السياسية،‭ ‬ولا‭ ‬تُتخذ‭ ‬الخطوات‭ ‬التصحيحية‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬حادث‭. ‬بينما‭ ‬تُدار‭ ‬الكوارث‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬المتقدمة‭ ‬ضمن‭ ‬سياسات‭ ‬عمومية‭ ‬دقيقة‭ ‬تشمل‭ ‬محاسبة‭ ‬المسؤولين،‭ ‬وتقييم‭ ‬الأداء،‭ ‬وإعادة‭ ‬التخطيط،‭ ‬ما‭ ‬يقلص‭ ‬تكرار‭ ‬الأخطاء‭ ‬نفسها‭.‬
 
ثالثًا،‭ ‬تلعب‭ ‬فعالية‭ ‬مؤسسات‭ ‬التدخل‭ ‬والإنذار‭ ‬المبكر‭ ‬دورًا‭ ‬حاسمًا؛‭ ‬ففي‭ ‬المدن‭ ‬الأوروبية‭ ‬أو‭ ‬الأمريكية‭ ‬تُفعَّل‭ ‬أنظمة‭ ‬إنذار‭ ‬مسبق،‭ ‬وتُعتمد‭ ‬خطط‭ ‬إجلاء‭ ‬واضحة،‭ ‬ويجري‭ ‬تنسيق‭ ‬محكم‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬المصالح‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬المغربية،‭ ‬فغالبًا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬التدخل‭ ‬متأخرًا،‭ ‬والتنسيق‭ ‬ضعيفًا،‭ ‬والتواصل‭ ‬مع‭ ‬المواطنين‭ ‬محدودًا،‭ ‬ما‭ ‬يضاعف‭ ‬الخسائر‭ ‬البشرية‭.‬
 
رابعًا،‭ ‬تكشف‭ ‬هذه‭ ‬الفوارق‭ ‬عن‭ ‬اختلال‭ ‬في‭ ‬ترتيب‭ ‬الأولويات‭ ‬السياسية؛‭ ‬إذ‭ ‬يُنظر‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬المغربية‭ ‬إلى‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الوقاية‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬كلفة‭ ‬إضافية،‭ ‬لا‭ ‬حماية‭ ‬للأرواح‭ ‬والممتلكات،‭ ‬بينما‭ ‬تُعد‭ ‬الوقاية‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭ ‬استثمارًا‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬يقلل‭ ‬الخسائر‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والبشرية‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭.‬
 
الخسائر‭ ‬الجسيمة‭ ‬التي‭ ‬تسجلها‭ ‬مدن‭ ‬مثل‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬وكلميم‭ ‬وآسفي‭ ‬ليست‭ ‬قدرًا‭ ‬محتومًا،‭ ‬بل‭ ‬نتيجة‭ ‬مباشرة‭ ‬لاختيارات‭ ‬تدبيرية‭ ‬وسياسية‭ ‬تراكمية‭. ‬فحين‭ ‬تغيب‭ ‬الحكامة،‭ ‬وتضعف‭ ‬المحاسبة،‭ ‬وتُهمل‭ ‬الوقاية،‭ ‬تصبح‭ ‬الكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬امتحانًا‭ ‬قاسيًا‭ ‬يكشف‭ ‬هشاشة‭ ‬المدينة،‭ ‬ويضع‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬غير‭ ‬متكافئة‭ ‬مع‭ ‬الطبيعة‭.‬
 
ولا‭ ‬يسعنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬إلا‭ ‬الترحم‭ ‬على‭ ‬أرواح‭ ‬من‭ ‬قضوا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفيضانات،‭ ‬ومواساة‭ ‬أسرهم‭ ‬وعائلاتهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المصاب‭ ‬الجلل‭.‬