الشرقاوي الروداني: من NSS 2025 إلى StraitBelt.. كيف يعيد المغرب هندسة الأطلسي الإفريقي

الشرقاوي الروداني: من NSS 2025 إلى StraitBelt.. كيف يعيد المغرب هندسة الأطلسي الإفريقي الشرقاوي الروداني

كيف يقدّم المغرب نموذج الشريك البنيوي في عالم ما بعد التدخل العسكري ؟

يشكّل صدور استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لسنة 2025 تحوّلًا مفصليًا في الطريقة التي تفهم بها واشنطن العالم وتعيد من خلالها ترتيب مصالحها، سواء كانت استراتيجية أو حيوية أو حرجة. فبعد استراتيجية 2017 التي أرست أسس نزعة سيادية واضحة، واستراتيجية 2022 التي حاولت إحياء تعددية مُقنّنة عبر التحالفات، تأتي نسخة 2025 لتُحدث قطيعةً عقائدية عميقة. إذ لم تعد مفاهيم الأمن الشامل محصورة في البعد العسكري، بل اتّسعت لتشمل الأبعاد الاقتصادية والصناعية والمجالية واللوجستية. وبذلك، باتت القوة في منظور صُنّاع القرار الأمريكيين تُقاس بقدرة الدولة على حماية حدودها، وتأمين سلاسل قيمتها، وتثبيت محيطها الإقليمي، والتحكّم في البنى التحتية و المعادن النفيسة والحرجة التي تشكّل ملامح القرن الحادي والعشرين.

وفي الأفق الذي ترسمه NSS 2025، تشهد الحرب تحوّلًا بنيويًا؛ إذ تغادر المجال العسكري الصِّرف لتدمج الأبعاد الرقمية والمعلوماتية والطاقية والنفسية، مُنتِجةً نمطًا جديدًا من الصراع لا ينتمي لأي مدرسة كلاسيكية. ولم تعد الغلبة تُحسم بقوة السلاح وحده، بل بقدرة الدول على ضمان استمرارية سلاسل الإمداد ومرونتها في ما يخصّ المواد الحرجة والاستراتيجية، كالعناصر الأرضية النادرة ، الليثيوم والكوبالت وغيرها من المعادن الضرورية لصناعات التكنولوجيا والدفاع والذكاء الاصطناعي. وفي هذا السياق، تندرج NSS 2025 ضمن لحظة تحوّل تاريخي تسعى فيها الولايات المتحدة إلى إعادة تعريف موقعها في عالمٍ متعدد الأبعاد، مُتنافَس عليه، وأقل هرمية. تعكس هذه الوثيقة، في المقام الأول، قلقًا متزايدًا إزاء صعود الجنوب العالمي وقدرته على فرض أولوياته، وإعادة موازنة علاقات القوة، والتحرّر من بُنى التبعية التقليدية. كما تُجسّد مخاوف من عالمٍ تُعيد فيه المنافسة على المواد الحرجة، كالليثيوم والكوبالت والعناصر الأرضية النادرة، صياغة التحالفات بوتيرة أسرع من قدرة العقائد العسكرية على التكيّف. وتدرك واشنطن أن النظام الدولي لم يعد يُحدَّد بالقوة العسكرية وحدها، بل بالتحكّم في سلاسل القيمة والممرات والمعايير التكنولوجية والطاقة الخضراء.

ويضاف إلى ذلك وعيٌ متزايد بأن الفرضيات الجيو-استراتيجية القديمة، ولا سيما تلك المستلهمة من ماكندر أو أخرى والتي كانت ترى في أوروبا «قلب الأرض» الواجب حمايته، لم تعد صالحة؛ إذ تصدّع الحاجز الأوروبي، وتعرّض حلف الناتو للتشكيك، وبدأت أوراسيا تُنظّم نفسها بمعزل عن واشنطن. وإزاء صعود قوى مراجِعة وتفتّت النظام الدولي واحتمال تشكّل نظام عالمي من دونها، تسعى الولايات المتحدة عبر NSS 2025 إلى إعادة ابتكار إسقاطها الاستراتيجي، مُفضِّلةً شركاء قادرين على المشاركة في هندسة الأقاليم، وتأمين التدفقات، وتقديم بدائل موثوقة للمسارات التي يهيمن عليها المنافسون. ومن هنا تتبلور استراتيجية جديدة قوامها مرونة التدفقات، وتأمين الممرات، والتحالف مع «دول-مهندِسة» بدل الكتل الموروثة من الحرب الباردة .تعكس هذه النقلة تشخيصًا واضحًا وهو أن العالم لم يعد يُبنى على نشر المعايير بقدر ما يقوم على تنافس السيادات وصراع الجيو-اقتصادات. وفي هذا الإطار، تلتقي العقيدة الأمريكية مع اتجاهات كبرى تتمثل في اتساع فضاءات التفكك، وعودة جيوسياسية الكتل، وتوظيف المعادن الحرجة، وتحوّل الممرات البحرية والبرية إلى بنى تحتية جديدة للقوة.

المغرب في قلب التحوّل: تقاطع الرؤية الملكية مع أولويات NSS 2025

ضمن هذا المشهد، لا يبدو المغرب منسجمًا فحسب مع الأولويات الأمريكية الجديدة، بل متقدّمًا عليها في جوانب عدّة؛ لأن الأمن الاقتصادي في منطق NSS 2025 لم يعد منفصلًا عن أمن المواد والموارد، وقد نصّت الاستراتيجية صراحة على أن تأمين سلاسل الإمداد يتطلّب توسيع وصول الولايات المتحدة إلى “المعادن والمواد الحرِجة. غير أنّ التطوّر الأكثر دلالة يتمثّل في عودة الفوسفات إلى خانة “الأصول الاستراتيجيةداخل التفكير الأمريكي نفسه: ففي القائمة النهائية الأمريكية لمعادن 2025 الحرِجة جرى إدراج الفوسفات بناءً على توصية وزارة الزراعة الأمريكية “لأهميته للأمن الغذائي”، وهو اعتراف مؤسسي بأن الجيوسياسية الغذائية أصبحت جزءًا من معادلة الأمن القومي. وهنا تتّسع هامشية المناورة المغربية بصورة غير مسبوقة، لأن بيانات USGS تُظهر أن احتياطي المغرب يبلغ 50 مليون طن من أصل 74 مليون طن احتياطي عالمي (أي قرابة ثلثي الاحتياطي العالمي)، مع حقيقة حاسمة يقرّرها المرجع نفسه: “لا بدائل للفوسفور في الزراعة. بهذا المعنى، يتحوّل الفوسفات من سلعة تصديرية إلى رافعة سيادة غذائية وإلى “عملة استراتيجية” لإعادة تموضع المغرب داخل هندسة التحالفات وسلاسل القيمة، خصوصًا عندما يُربط الفوسفات بمسارٍ جديد هو الأمونيا الخضراء: فـOCP يعلن هدف إنتاج مليون طن سنويًا بحلول 2027 وبلوغ 3 ملايين طن بحلول 2032 لتحقيق الاكتفاء من الأمونيا وفتح صادرات منخفضة الكربون؛ أي إعادة تعريف سماد المستقبل باعتباره “طاقة مُعالجة” تُدار سياديًا لا مادة مستوردة تُعرّض الأمن الغذائي للابتزاز. والأكثر تقدّمًا أنّ سلسلة الفوسفات نفسها تحمل وعدًا “تقنيًا-استراتيجيًا” مزدوج الاستخدام: العناصر الأرضية النادرة. فهناك مسارات بحث وتطوير قائمة لاستخراج REE من مخلفات صناعة الفوسفات (الفوسفوجيبس)، وقد دخلت OCP وشركاؤها (ومنهم UM6P) في برامج اختبار لاستخلاص هذه العناصر من الفوسفوجيبس بهدف الوصول إلى مسار اقتصادي قابل للتصنيع. كما تشير أبحاث علمية إلى أن محتوى أكاسيد العناصر الأرضية النادرة في موارد الفوسفات المغربية يتراوح في المتوسط بين 415 و900 جزء في المليون، بما يفتح إمكان تحويل “فائض المخلفات” إلى معدن سيادي يخدم التحول الطاقي والصناعات المتقدمة. وعليه، فإن تقاطع الفوسفات-الأمونيا الخضراء-العناصر النادرة يمنح المغرب قدرةً فريدة على صياغة “جيوسياسية غذاء” جديدة: ليس عبر تأمين الإمداد فقط، بل عبر تصميم منظومة قيمة تربط الأمن الغذائي بالأمن الطاقي وبأمن المعادن الحرِجة، وتحوّل المملكة إلى مُورِّد للاستقرار ومعيار للتوازن داخل عقيدة أمريكية باتت تعترف بأن الغذاء، مثل الطاقة والمعادن، هو أحد خطوط السيادة في القرن الحادي والعشرين.

المغرب كمنصة جيو-اقتصادية صاعدة: الصحراء الأطلسية، الموانئ الاستراتيجية، ودبلوماسية الممرات

انطلاقًا من رؤية ملكية تضع الربط في صلب التنمية، أعاد المغرب تشكيل جغرافيته الاستراتيجية بعمق. فقد تحوّلت الأقاليم الجنوبية،  التي كانت تُعدّ هامشية،  إلى مجال جيو-اقتصادي ناشئ، مفتوح على دوائر أطلسية وإفريقية وساحلية وأورو-متوسطية. ويُجسّد ميناء الداخلة الأطلسي المرتقب، مرفوقًا بمناطق صناعية ولوجستية حديثة، هذا التحوّل؛ إذ لم يعد مجرد ميناء، بل مُسرّعًا استراتيجيًا وبوابةً بنيوية نحو غرب إفريقيا والساحل. وبذلك، يفرض ميناء الداخلة الأطلسي نفسه عقدةً للمنظومة قارية متكاملة، قادرة على دعم طموح مغربي في فضاء إفريقي متصل وسيادي، وفي الوقت ذاته الاستجابة لمتطلبات تأمين سلاسل القيمة عالميًا وأمريكيًا. ويغدو هذا الميناء، إلى جانب منشآت أخرى، محورًا تشغيليًا لمنظومة جيو-اقتصادية موسّعة، تقوم على منطق تصاعدي يربط بين طبقات متعددة من الاتصال والسيادة الوظيفية. فهي تستند أولًا إلى شبكة ممرات طرقية ولوجستية تمتد نحو موريتانيا ثم مالي والنيجر وبوركينا فاسو وما بعدها، بما يتيح ولوجًا مباشرًا إلى أسواق منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، ويحوّل الأطلسي المغربي إلى واجهة حقيقية بين التدفقات الإفريقية وسلاسل القيمة العالمية.

كما ترتكز على منصات تحويل زراعي-صناعي تمكّن من التقاط القيمة المضافة داخل القارة، وتعزيز الأمن الغذائي الإقليمي، وترسيخ اندماج الشركات المغربية والأمريكية والإفريقية ضمن سلاسل إنتاج محلية، سيادية ومرِنة. ويكتمل هذا النظام بمحاور طاقية من الجيل الجديد مخصّصة للطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، ما يضع المغرب في صميم الاقتصاد منزوع الكربون، ويفتح آفاق تقارب استراتيجي مع الولايات المتحدة في مجالات الانتقال الطاقي وتأمين الإمدادات وتنويع التدفقات.وعلى هذا النحو، تتكامل الممرات والمنصات والمحاور في منظومة واحدة تجعل من جنوب المغرب مجالًا للسيادة التشغيلية، مندمجًا قاريًا ومتوافقًا تمامًا مع أولويات NSS 2025: تأمين سلاسل الإمداد، التنويع خارج آسيا، مرونة الطرق البحرية، النفاذ إلى الموارد الإفريقية، وبناء شراكات مع دول مستقرة وسيادية.

وبالاستناد إلى اتفاق التبادل الحر المغربي-الأمريكي-الذي دخل حيّز التنفيذ سنة 2006 ويظل الاتفاق الوحيد من نوعه بين الولايات المتحدة ودولة إفريقية-وإلى دينامية ZLECAf التي تُنشئ سوقًا قاريًا يضم نحو 1.3 مليار نسمة بإجمالي ناتج يقارب 3.4 تريليون دولار، لا تمثّل المنظومة المغربية مجرد شبكة موانئ وطرق، بل تجسيدًا عمليًا لعقيدة دولة-منصّة قادرة على تحويل الربط إلى سيادة، والتجارة إلى نفوذ، واللوجستيك إلى قوة. فالمغرب لا يعرض “بوابة عبور” فحسب، بل يقدم بديلًا استراتيجيًا كاملًا للممرات المُشبَعة أو الهشّة: ميناء طنجة المتوسط وحده عالج في 2024 أكثر من 10.24 مليون حاوية مع قدرة مُعلنة تبلغ 9 ملايين حاوية وبعمقٍ تشغيلي يرسّخ مكانته كعقدة تبادلية عالمية، فيما بلغ إجمالي الرواج السلعي حوالي 142 مليون طن في السنة نفسها ؛ وهي أرقام تُترجِم، بلغة صلبة، معنى “اقتصاد التدفقات” الذي تتحدّث عنه العقائد الجديدة للقوة.

وإلى جانب ذلك، يأتي ناظور غرب المتوسط كميناء مياه عميقة يُرتقب تشغيله في النصف الثاني من 2026 مع 800 هكتار من المجال الصناعي (قابلة للتوسعة إلى 5000 هكتار) وإدماج أول محطة للغاز الطبيعي المسال بالمغرب عبر وحدة FSRU وخط أنابيب نحو مناطق الشمال الصناعي؛ أي إنه ليس توسعة مرفئية فقط، بل بنية سيادة طاقية-لوجستية ترفع قدرة المغرب على تنويع الإمدادات وتحصين الصناعة. ثم تتوّج هذه الهندسة بميناء الداخلة الأطلسي، باستثمار يقارب مليار دولار وعمقٍ يصل إلى 23 مترًا مع أفق افتتاح مُعلن في 2028، ومقاربة صناعية تستهدف معالجة المواد الخام القادمة من الساحل وتطوير منصات للتصدير بما في ذلك مشاريع الهيدروجين الأخضر؛ وهنا بالضبط تتحول “الداخلة” من مشروع إلى منصة سيادة ورافعة إسقاط اقتصادي وركن تشغيلي لنظام إفريقي-أطلسي في طور التشكل .

بهذه المعطيات، يصبح معنى “البديل الاستراتيجي” ملموسًا: المغرب لا ينافس على الطريق فقط، بل يبني نظامًا متكاملًا يربط بين النفاذ التفضيلي للأسواق، واستضافة التحويل الصناعي، وتأمين الطاقة، وتكثيف اللوجستيك، بما يسمح بتحويل جنوب المملكة إلى واجهة قارية للتصنيع والتصدير بدل أن يبقى مجرد مسلك عبور؛ وهو بالضبط ما يجعل المغرب، ضمن منطق ZLECAf والشراكة مع واشنطن، قوة لوجستية وطاقية وربطية تُقدّم للقارة وللشركاء عبر الأطلسي خيارًا أكثر استقرارًا ومرونة من المسارات المتخمة أو المعرضة للهشاشة أو الخاضعة لفاعلين من خارج إفريقيا.

StraitBeltمن البنية إلى العقيدة:

لا تقتصر الدينامية المغربية الراهنة على تطوير البنية التحتية، بل تمتدّ إلى بلورة عقيدة جيو-استراتيجية متكاملة يُعاد ضمنها تعريف الممرّات باعتبارها أدوات نفوذ وتثبيت واندماج إقليمي. في هذا الإطار، تتشكّل StraitBelt بوصفها عقيدة تنظيم للتدفّقات تنظر إلى شمال-غرب إفريقيا كمنظومة تشغيلية تُدار عبر المضائق البحرية، والموانئ الأطلسية، ومحاور الطاقة، وسلاسل اللوجستيك والقيمة. ولا تسعى هذه العقيدة إلى الربط في حدّ ذاته، بل إلى إرساء نموذج السيادة الوظيفية، حيث تغدو القدرة على إدارة العبور، وضبط المخاطر، والتقاط القيمة المضافة، عنصرًا مركزيًا في معادلة القوة. ومن خلال ما يمكن توصيفه بـ «مبادرة ممرّات السيادة المُعلَنة»، لا يعود المجال الترابي جغرافيا ساكنة، بل يتحوّل إلى مجموعة وظائف استراتيجية قادرة على إنتاج الاستقرار، وتعزيز المرونة، ودمج إفريقيا ضمن عمارة جيو-اقتصادية إفريقية-أطلسية متماسكة.وفي امتدادها نحو الجنوب الأطلسي، تكتسب StraitBelt بعدًا جيو-اقتصاديًا عابرًا للقارّات: إذ يلتقي فضاء إفريقيا جنوب الصحراء، بإجمالي ناتج محلي إجمالي يقارب 1.86 تريليون دولار (2024) ، مع فضاء أمريكا اللاتينية والكاريبي الذي بلغ ناتجه 7.31 تريليون دولار (2024)، أي كتلة اقتصادية جنوب-أطلسية تقارب 9.2 تريليون دولار يمكن تحويلها من «تجاورٍ جغرافي» إلى تكاملٍ وظيفي إذا أُعيدت هندسة خطوط الملاحة والاستثمار والتصنيع المشترك. وداخل هذه الكتلة، تمثل البرازيل وحدها اقتصادًا بنحو 2.18 تريليون دولار (2024)، ما يجعل ربط الأطلسي الإفريقي بالأطلسي اللاتيني ليس خيارًا رمزيًا، بل رهانًا على مراكز ثقل اقتصادية حقيقية. لكن ما يلفت هنا أن حجم التبادل بين ضفتي الجنوب الأطلسي لا يزال دون الإمكانات، وتظهر المؤشرات الجزئية حجم الفجوة: فالتجارة السلعية بين إفريقيا والكاريبي تُقدَّر بنحو 729 مليون دولار فقط حاليًا، مع تقدير إمكانية بلوغ 1.8 مليار دولار سنويًا بحلول 2028 إذا توافرت إضافة القيمة وتيسير التجارة وتحسين اللوجستيك.

كما تُبيّن دراسات التشابك الجيو-اقتصادي أن رفع الربط اللوجستي يترجم سريعًا إلى أرقام: ففي 2022 بلغت صادرات إفريقيا إلى كولومبيا 255 مليون دولار، فيما بلغت صادرات كولومبيا إلى إفريقيا 907 ملايين دولار. ومن ثمّ، تقترح StraitBelt أن المغرب، انطلاقًا من مضيق جبل طارق بوصفه نقطة ارتكاز سيادية للعبور، ثم الأطلسي المغربي كمجال إسقاط وسيادة تشغيلية، يستطيع تشكيل العلاقة الاستراتيجية بين القارتين عبر تحويل الأطلسي إلى فضاء تكاملٍ وتكافؤٍ سيادي: موانئ-عُقد، وممرّات-ضمانات، واستثمارات مشتركة في سلاسل القيمة (الطاقة الخضراء، تحويل المعادن، الزراعة-الصناعة، اللوجستيك الرقمي).

 وبهذا المنطق، لا يعود الأطلسي ساحةَ تنافسٍ صفري، بل يصبح بنيةَ تكاملٍ وتعاقدٍ على السيادة: سيادة مُشتركة على التدفقات، وسيادة مُتبادلة على القيمة المضافة، وسيادة مُعلَنة على الخيارات، وهو بالضبط ما يجعل المغرب مؤهّلًا لصياغة أطلسيٍّ جديد: أطلسيّ التكامل والتكافل لا أطلسيّ الاستقطاب والتنازع. وفي هذا الإطار، تتحوّل ممرات السيادة المُعلَنة من بنى تحتية إلى أدوات قوة، تُعزّز قدرة الدول الإفريقية على القرار والإنتاج والحركة والإسقاط، وتُجسّد مفهومًا متجدّدًا للسيادة بوصفها قدرة على إدارة التدفقات وتأمين الطرق وتنظيم المبادلات وحماية الموارد والإنتاج المحلي والاندماج العالمي. وبذلك، تفرض StraitBelt نفسها المكوّن المحوري لإطار إقليمي ناشئ ، يتولّى فيها المغرب دور «الدولة-المنصة»: ضامن الاستمراريات، ومُوفّر الاستقرار، ومهندس سيادة إفريقية مُتصلة وتشغيلية.وتجد العقيدة الأمريكية، المتمركزة حول مرونة سلاسل الإمداد، في StraitBelt مكمّلًا إفريقيًا طبيعيًا يوفّر ممرات آمنة ومتكاملة في سياق تنافسي صيني-روسي متصاعد، ويعيد تموضع المغرب كدولة محورية تُسهم في إعادة تشكيل موازين القوى في إفريقيا الأطلسية.

فكّ العزلة عن الساحل: رؤية ملكية تلتقي مع أولويات واشنطن

تؤكّد NSS 2025 بوضوح تخلّي الولايات المتحدة عن الانخراط في تدخلات عسكرية طويلة في الساحل، وتفضيلها شركاء إقليميين قادرين على تحمّل مسؤولياتهم الاستراتيجية: تثبيت الحدود، مواجهة التهديدات الهجينة، الاندماج الاقتصادي، وفتح ممرات تجارية موثوقة وآمنة. وتتطابق هذه المقاربة مع الرؤية الملكية لفكّ عزلة دول الساحل، المعلَنة في نوفمبر 2023، عبر مفهوم «الأطلسي الإفريقي»، بما يوفّر لمالي والنيجر وبوركينا فاسو وربما تشاد وصولًا سياديًا إلى البحر عبر مسارات أطلسية مستقرة ومحمية.

لا يقتصر الأمر على شقّ طرق، بل على إعادة رسم الجغرافيا الاستراتيجية للساحل، وكسر منطق التبعية للممرات المركزية الهشّة، واستعادة القدرة على الإسقاط الاقتصادي، وربط التنمية بفضاء إفريقي-أطلسي آخذ في التشكل. وهكذا يقدّم المغرب نموذجًا يلبّي الحاجات الإفريقية والأولويات الأمريكية معًا، ضمن منظومة سيادية لإدارة سلاسل القيمة قائمة على الربط ومرونة التدفقات والاندماج التدريجي للأسواق.

وتنسجم هذه المقاربة مع الروح الهاملتونية المُعاد تأكيدها في NSS 2025، حيث تُقاس القوة ببناء البنى التحتية وتنظيم سلاسل القيمة وإتقان التدفقات، كما تتناغم مع قراءة مُحدَّثة لعقيدة مونرو تُشجّع على ترسيخ أقطاب إقليمية للاستقرار. في هذا السياق، يبرز المغرب كفاعل محوري قادر على هندسة محيطه دون تصدير عدم الاستقرار أو استدعاء تدخلات خارجية طويلة.

بين واشنطن وبكين: اختيار الرتبة لا المعسكر

في سياق إعادة تشكيل سلاسل الإمداد والمنافسة على الموارد الاستراتيجية، يفرض سؤال التموضع المغربي في التنافس الصيني-الأمريكي نفسه. ولا مصلحة للمغرب في منطق حرب الكتل؛ بل عليه أن يؤكّد مبدأً حاسمًا: لا يختار معسكرًا، بل يختار رتبته. ويقتضي ذلك إعادة تصنيف الموارد الحرجة كأصول سيادة، وفرض التحويل المحلي، والارتقاء الصناعي، والمعايير البيئية، والتقاط القيمة داخل التراب الوطني، وبناء شراكات سيادة مشتركة مع الولايات المتحدة وأوروبا تُؤمّن الإمدادات مقابل تطوير قدرات التكرير وإنتاج مكوّنات البطاريات والطاقة الخضراء والتقنيات الدفاعية. ولا يستبعد ذلك حوارًا اقتصاديًا منفتحًا مع الصين ما لم يؤدِّ إلى سيطرة أحادية على المشاريع.

وهكذا يتموضع المغرب كمركز استقرار وتحويل وقيمة مضافة بين القوى الكبرى؛ مُنسّقًا سياديًا للتشابكات الاستراتيجية بدل أن يكون ساحة صدام. وبربط احتياجات الساحل بالأولويات الأمريكية، يشكّل المغرب منصة الارتكاز الجيو-اقتصادي لإقليم واسع تستجيب للتطلعات الإفريقية والعقائد الأمريكية الحديثة، وتُعزّز في الآن ذاته الاستقلالية الاستراتيجية الإفريقية عبر منطق الربط والقدرة الوظيفية بدل التبعية.

نحو نظام ترابط إفريقي-أطلسي مشترك: StraitBelt كعمود فقري لنظام إقليمي جديد

من أكثر المسارات وعدًا لتعميق الشراكة الاستراتيجية بين الرباط وواشنطن هندسة فضاء إفريقي-أطلسي مترابط من الجيل الجديد، تقوم على تكامل ذكي بين اللوجستيك والجيو-اقتصاد والأمن. لوجستيًا، تُعدّ موانئ طنجة المتوسط والناظور غرب المتوسط والداخلة الأطلسي رؤوس جسور طبيعية لحضور اقتصادي أمريكي متجدّد، فيما توفّر StraitBelt إطارًا تشغيليًا لتنظيم قابلية التشغيل البيني وحماية الملاحة ومراقبة التدفقات الحساسة.

جيو-اقتصاديًا، لم يعد الهدف تصدير المواد الخام، بل بناء سلاسل قيمة إفريقية-أطلسية تلتقط القيمة محليًا وتؤمّن المنظومات الصناعية، من الطاقة الخضراء وتحويل المعادن إلى سلاسل الزراعة-الصناعة واللوجستيك الرقمي. ويقدّم المغرب بيئة مستقرة ومتوقعة وبوابة لغرب إفريقيا، مع شراكة سيادية تُوازن نفوذ القوى المنافسة. أمنيًا، يظل الواجهة الأطلسية الإفريقية مجالًا هشًّا، حيث يمكن للشراكة المغربية-الأمريكية أن تضطلع بدور تثبيتي عبر تعاون بحري متقدّم ومعايير مشتركة لحماية البنى التحتية ومواجهة التهديدات الهجينة .وبهذا المعنى، لا تُعدّ StraitBelt رؤيةً مفاهيمية فحسب، بل تصميمًا استراتيجيًا عمليًا يُنظّم الفضاء الإفريقي-الأطلسي ويستبق الهشاشات ويُؤسّس نظامًا إقليميًا مرنًا، منسجمًا تمامًا مع متطلبات NSS 2025.

لحظة تأسيسية لإعادة تصميم إطار تكاملي مغربي-أمريكي للأمن الاقتصادي

لا بد من الإقرار أن البيئة الدولية الجديدة التي تصفها NSS 2025 لا تفتح فرصةً ظرفية فحسب، بل تُعلن قطيعةً نظامية تستدعي إعادة تأسيس العلاقة بين الرباط وواشنطن على أساس «تحالف التدفقات والممرات» و«الهندسة الجيو-اقتصادية المشتركة» ورؤية مُتقاسَمة للنظام الإفريقي-الأطلسي. وفي هذا الإطار، لا يمكن فصل هذا التحوّل عن الرؤية الجيواستراتيجية التي تحملها استراتيجية Global Britain، والتي تسعى بدورها إلى إعادة تموضع المملكة المتحدة كقوة بحرية-تجارية عابرة للأقاليم، محورها الأطلسي الموسّع، وسلاسل القيمة، والربط بين إفريقيا والكومنولث وأمريكا اللاتينية. هنا بالضبط يتقاطع المنهجان الأمريكي والبريطاني: كلاهما يبحث عن شركاء قادرين على هندسة المحيطات الجيو-اقتصادية لا مجرّد التكيّف معها، وتأمين سلاسل القيمة، وبناء جغرافيات مرِنة في عالم يتّسم بالتشظّي والتنافس الحاد.

ضمن هذه المعادلة الثلاثية، يمتلك المغرب الأسس العقائدية والعملية التي تؤهّله ليكون حلقة الوصل البنيوية بين واشنطن ولندن: رؤية ملكية لإفريقيا متصلة وسيادية، استراتيجية بنى تحتية تعيد تعريف الاستمراريات الإقليمية، موقع جغرافي وسيط بين الأطلسي والمتوسط والساحل، وعقيدة StraitBelt التي تعيد تعريف القوة في القرن الحادي والعشرين بوصفها قدرة على تنظيم التدفقات والممرات والسيادات الوظيفية. ومن ثمّ، يمكن لمحور واشنطن-لندن-الرباط أن يتشكّل ليس كتحالف سياسي تقليدي، بل كـ محور محرّك لجيو-اقتصاد مُنظِّم، قادر على ربط شمال الأطلسي بجنوبه، وإفريقيا بأمريكا اللاتينية، والاقتصاد الصناعي الغربي بموارد وقيم وسلاسل إنتاج إفريقية صاعدة. في هذه الصيغة، يتحوّل الأطلسي من مجال تنافس صفري إلى فضاء تكامل بنيوي، وتغدو الشراكة الثلاثية رافعة لإنتاج الاستقرار والنمو والسيادة المشتركة، لا مجرد إدارة للأزمات أو تقاسم نفوذ.

غير أن هذه المكانة تقتضي الحفاظ على خطّ توازن دبلوماسي دقيق يَصون تعددية الشراكة ويؤكّد السيادة بذكاء، تفاديًا لردود فعل إقليمية مضادّة قد تُنتج اصطفافات بالوكالة. فاستدامة «تحالف الممرات» تفترض انفتاحًا مُتحكَّمًا وحواراتٍ واستثماراتٍ مشتركة وشفافية جيو-استراتيجية تُثبّت الاستقرار. عندها فقط تغدو StraitBelt بنية سيادة مشتركة لا أداة إقصاء.

في ختام هذا التحوّل العالمي، تتبلور قناعة راسخة: يمتلك المغرب اليوم مقوّمات «ثالاسوكراتية إفريقية-أطلسية» حقيقية، قادرة على تحويل الاضطرابات الجيو-استراتيجية إلى روافع قوة ونفوذ. وبفضل ممراته ومضائقه ومنصاته اللوجستية ودبلوماسية التدفقات، يرسّخ المملكة كدولة-محور هيكلي ومهندس عمارة استراتيجية في فضاءٍ يتعاظم فيه الطلب على الاستقرار. وفي زمن تُعاد فيه صياغة القوة حول الربط والسيادة الوظيفية وسلاسل القيمة، لا يكتفي المغرب باستشراف النظام الإفريقي-الأطلسي القادم، بل يُسهم في تشكيله-بجمعٍ مُحكم بين الرؤية والاتساق والإسقاط.

غير أنّ الانتقال من تشخيص الدور المغربي إلى إعادة هندسة الشراكة الدولية لا يمكن أن يتمّ بالقفز على سؤال المنهج. فإبراز المغرب كدولة-محور وفاعل مُهندِس للفضاء الإفريقي-الأطلسي يطرح، بالضرورة، مسألة الكيفية التي ينبغي بها للقوى الكبرى، وفي مقدّمتها الولايات المتحدة، أن تتفاعل مع هذا التحوّل دون تفريغه من مضمونه السيادي أو تحويله إلى اصطفاف أحادي. فالقيمة الاستراتيجية للمغرب لا تكمن فقط في ما يمتلكه من بنى تحتية أو موقع جغرافي، بل في نموذج التوازن الذي يجسّده: قدرة على الجمع بين تعددية الشراكات ووحدة الرؤية، وبين الانفتاح والضبط، وبين المبادرة والاستقلال. ومن هنا، يصبح تثبيت هذه المكانة رهينًا بانتقال الشراكة الأمريكية من منطق الاستفادة من النتائج إلى منطق المساهمة في صناعة الشروط، أي من التعامل مع المغرب كمنصّة جاهزة إلى اعتباره شريكًا في بناء المنظومة البينية الوظيفية نفسها. هذا التحوّل المنهجي هو الذي يفتح الباب لإعادة مواءمة الأهداف الأمنية الأمريكية مع متطلبات التنمية المشتركة في إفريقيا، على أسس بنيوية ومستدامة.

ومن تم، لتحقيق مواءمة حقيقية ودائمة بين أهدافها الأمنية ومتطلبات التنمية المشتركة في إفريقيا، يتعيّن على الولايات المتحدة أن تتجاوز منطق «النفاذ» الظرفي إلى الموارد أو القواعد أو العقود، وأن تعتمد منطق بناء القدرات: التصنيع المحلي، نقل المعرفة التكنولوجية، التمويل طويل الأمد، والارتقاء الصناعي التدريجي. فبدون هذا التحوّل، ستظل المقاربة التي أرستها NSS 2025 عرضة لاختلالات بنيوية واضحة، أبرزها تشتّت الاستثمارات، والتحفّظ المفرط تجاه المخاطر في المشاريع الهيكلية، وضعف الهندسة المالية الموجّهة لقطاعات عالية التكنولوجيا، فضلًا عن اختزال سلاسل القيمة الإفريقية في منطق التأمين «من الأعلى» بدل تطويرها من الداخل. عمليًا، تحتاج واشنطن إلى تبنّي استراتيجيات مبتكرة من نمط «العمل من الخلف– behind the line»، ليس بالمعنى العسكري، بل بوصفها استراتيجية خلفية جيو-اقتصادية تقوم على تشييد، خلف خطوط الهشاشة وعدم الاستقرار، منصّات آمنة للتحويل الصناعي، والتكوين واللوجستيك، قادرة على إشعاع الاستقرار والتنمية عبر الفضاء الإقليمي بأكمله.

في هذا الإطار، يبرز المغرب كحلقة ارتكاز مركزية، لا باعتباره مجرد ممر جغرافي، بل كـ دولة-جسر (State-Bridge) تحوّل موقعها إلى قيمة تكنولوجية ومالية وسيادية. ويتعيّن على الولايات المتحدة أن تُسهم في تطوير نقاط القوة المغربية عبر استثمارات مشتركة في الموانئ والممرات، وتكرير وتحويل المعادن الحرجة، وصناعة مواد البطاريات، والهيدروجين والأمونيا الخضراء، والأمن السيبراني اللوجستي، والبنى التحتية الرقمية، والزراعة-الصناعة ذات القيمة المضافة. ويتطلّب ذلك تجاوز الأدوات التقليدية نحو آليات أكثر جرأة وابتكارًا: صناديق تشاركية للسيادة (Equity مع ضمانات)، تمويل مُركّب واسع النطاق (Blended Finance)، اتفاقيات شراء مسبق (Offtake Agreements) لتأمين الطلب، منصّات مشتركة للبحث والتطوير والهندسة، وأطر مؤسسية لنقل المهارات وبناء المعايير الصناعية. عندها تتحوّل غاية واشنطن في مرونة سلاسل الإمداد إلى تنمية مشتركة قابلة للقياس، وتغدو الشراكة الأمريكية ذات طابع بنيوي لا استخراجي.

وفي المستوى الأمني-الاستخباراتي، يقتضي هذا التحوّل البنيوي توسيع أفق الشراكة ليشمل الاندماج الاستخباراتي المتقدّم. فمع تشكّل فضاء جيو-أمني إفريقي-أطلسي جديد، لم تعد قابلية التشغيل البيني في مجال البنى التحتية وسلاسل القيمة كافية بمعزل عن قابلية التشغيل البيني في مجال المعلومات والاستخبارات. ومن هذا المنظور، يصبح من الضروري أن تفكّر الولايات المتحدة بجدّية في إدماج المغرب ضمن منظومة Five Eyes بصيغة مُكيَّفة وتدرّجية، لا باعتباره توسعة رمزية للتحالف، بل كضرورة تشغيلية تمليها الجغرافيا الجديدة للتهديدات والتدفّقات. فالمغرب، بما يملكه من موقع عقدي بين الأطلسي والمتوسط والساحل، ومن خبرة متراكمة في مكافحة الإرهاب والتهديدات الهجينة وتأمين الممرّات البحرية والطاقية، يمثّل شريكًا قادرًا على تعزيز الاستشعار المبكر، وتبادل الإشارات، وتحليل المخاطر العابرة للأقاليم. إن إدماج الرباط في هذا الإطار سيُمكّن من بناء منظومة استخباراتية متكاملة تؤمّن التدفّقات، وتحمي البنى التحتية الحسّاسة، وتوفّر للجانبين قدرة مشتركة على إدارة المخاطر في فضاء جيو-أمني آخذ في التشكل، حيث تتداخل التجارة بالطاقة، واللوجستيك بالأمن، والاقتصاد بالسيادة.

غير أنّ هذا المسار يجب أن يتمّ دون مطالبة المملكة بالتخلّي عن خياراتها السيادية أو إعادة اصطفاف قسري مع طرف واحد. فالمغرب ليس مُطالَبًا بمغادرة شراكاته الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي، ولا بإغلاق قنواته الاقتصادية مع الصين أو روسيا أو غيرها من القوى الصاعدة؛ بل إن قدرته على تنظيم الاعتماديات المتبادلة دون الخضوع لها هي جوهر قوّته ودوره كدولة-جسر موثوقة على الصعيد العالمي. وبالتالي، إذا أرادت الولايات المتحدة أن تنظر إلى إفريقيا بعيون جديدة، فعليها أن تستوعب حقيقة بنيوية مفادها أن الأمن المستدام في القارة لا يُصنع بالإسقاط، بل بـ التشارك في إنتاج القوة؛ والمغرب يوفّر اليوم المختبر الأكثر جاهزية وواقعية لترجمة هذه الرؤية إلى ممارسة استراتيجية فعّالة.