محمد بنلعيدي: الكوارث الطبيعية في المغرب ليست قدراً مناخياً بل نتيجة اختلالات عميقة في الحكامة العمرانية

محمد بنلعيدي: الكوارث الطبيعية في المغرب ليست قدراً مناخياً بل نتيجة اختلالات عميقة في الحكامة العمرانية محمد بنلعيدي، المنسق العام للدينامية المدنية للدفاع عن البيئة بمنطقة دكالة
يسلّط محمد بنلعيدي، المنسق العام للدينامية المدنية للدفاع عن البيئة بمنطقة دكالة، الضوء على الأسباب العميقة التي تجعل من الاضطرابات الجوية كوارث إنسانية متكررة، محمّلاً المسؤولية لسوء الحكامة العمرانية، والبناء العشوائي، وغياب التخطيط الاستباقي، وضعف ربط المسؤولية بالمحاسبة.
كما يقارن المتحدث بين ما يحدث في مدن مغربية مثل الدار البيضاء وكلميم وآسفي، ونظيراتها في أوروبا وأمريكا، حيث تُدار المخاطر الطبيعية ضمن منظومات إنذار مبكر وبنيات تحتية قادرة على امتصاص الصدمات المناخية، مؤكداً أن الرهان الحقيقي ليس في مواجهة الطبيعة، بل في بناء مدينة مستدامة وقادرة على الصمود.
 
 
لماذا تتحول كل موجة أمطار أو اضطراب جوي في المغرب إلى كارثة إنسانية وعمرانية، في حين تبقى مثل هذه الظواهر محدودة الأثر في مدن كبرى عبر العالم؟
في اعتقادي، لا يمكن أن نناقش كل سنة تساقط أمطار غزيرة وكأنها حدث استثنائي، والحمد لله على هذه النعمة، خاصة حتى لا ننسى سنوات الجفاف وآثارها العميقة على التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
إن تحوّل الأمطار في المغرب من ظاهرة طبيعية إلى كارثة إنسانية ليس قدراً مناخياً محضاً، رغم تأثير الاختلالات والتغيرات المناخية وازدياد حدة الظواهر الجوية المتطرفة، بل هو نتيجة مباشرة لاختلالات بنيوية مزمنة، يمكن تلخيصها أساساً في سوء تدبير مجال التعمير والتوسع العمراني العشوائي. هذا الوضع يؤثر بشكل مباشر على البنية التحتية، خصوصاً شبكات الصرف الصحي والتطهير السائل، التي تظل في العديد من المناطق غير كافية أو مهترئة، إضافة إلى ضعف التوعية والتحسيس بأهمية احترام البيئة والقوانين المؤطرة لها.
فالإشكال لا يكمن في قوة التساقطات بقدر ما يكمن في غياب رؤية استباقية لتدبير المخاطر. ففي مدن مثل تطوان ومرتيل وآسفي وغيرها من المدن ذات الهشاشة المرتفعة، تُبنى أحياء فوق أو بمحاذاة مجاري الأودية، ويتم إهمال الخرائط الهيدرولوجية، كما تُترك شبكات تصريف المياه في وضع هش وغير مؤهل لاستيعاب كميات الأمطار.
كما يتم إعداد بعض تصاميم التهيئة العمرانية من طرف منتخبين خاضعين لتأثير لوبيات العقار، إن لم يكونوا جزءاً منها، وهي لوبيات لا تهتم بالخصوصيات الطبيعية والتقنية للمجال بقدر اهتمامها بثمن المتر المربع وعائداته المالية، وكل ذلك يتم أمام أنظار مختلف السلطات المعنية.
في المقابل، تعتمد المدن الكبرى عبر العالم على التخطيط الاستباقي، والإنذار المبكر، والصيانة الدورية للبنية التحتية، ما يجعل الاضطرابات الجوية أحداثاً يمكن التحكم في آثارها، لا أزمات تهدد الأرواح والممتلكات، ولدينا أمثلة عديدة في عواصم تعرف تساقطات يومية دون أن يؤثر ذلك على السير العادي للحياة.
 
إلى أي حد يتحمل البناء العشوائي وسوء تدبير التعمير المسؤولية المباشرة عن تكرار الفيضانات وانهيار المنازل في المدن المغربية؟
قبل الحديث عن الانهيارات التي غالباً ما تكون مرتبطة بالفيضانات، يجب التأكيد على أن سوء تدبير مجال التعمير يساهم في تفريخ أحياء هامشية قائمة على البناء العشوائي، وهو ما يؤدي إلى إهدار التنمية وكرامة الإنسان.
وظاهرة الفيضانات المتكررة وانهيار المباني في بعض المدن المغربية لا يمكن إرجاعها إلى عامل واحد، بل تعكس تداخلاً بين التغيرات المناخية، والقصور في تدبير التعمير والسياسات العمرانية، وضعف تطبيق القوانين الزجرية، إضافة إلى غياب رؤى استراتيجية لدى غالبية المنتخبين.
كل ذلك يساهم في انتشار البناء العشوائي وسوء التخطيط الحضري، ما يفرض ضغوطاً إضافية على البنيات التحتية، ويحوّل بعض الإشكالات إلى كوارث حقيقية عندما تقع وسط تعمير غير منظم.
ويلاحظ البناء في أماكن غير ملائمة، مثل مجاري الوديان والمناطق المعرضة للفيضانات، رغم وجود قوانين تمنع ذلك، فضلاً عن غياب شبكات صرف صحي وتصاميم تقنية مسؤولة وملزمة لجميع الأطراف.
هنا تتجلى مختلف المسؤوليات المباشرة وغير المباشرة، بدءاً من بعض الجماعات الترابية التي تشهد تجاوزات في منح التراخيص أو تسليم شهادات إدارية واستثنائية من طرف بعض السلطات الإقليمية لتشييد تجزئات سكنية، مروراً بضعف الرقابة القبلية والبعدية من طرف الجهات المختصة، ما يشجع على توسيع البناء غير المنظم وغير المرتبط بتصاميم تقنية تراعي المخاطر الطبيعية، ليكون في نهاية المطاف سبباً مباشراً لأي كارثة محتملة.
 
لماذا تسجل الكوارث في مدن مغربية مثل الدار البيضاء وكلميم وآسفي خسائر بشرية ومادية جسيمة، مقارنة بمدن أوروبية أو أمريكية تعرف ظروفاً مناخية مشابهة؟
في ظل غياب منطق التخطيط للمدينة المستدامة والمقاومة للمخاطر، وانعدام رؤية استراتيجية لدى غالبية الهيئات المنتخبة ومدبري الشأن العام، وفي زمن المزايدات السياسوية في مجال التعمير، وتفشي الفساد الإداري والرشوة بمختلف أشكالها، يصبح من الطبيعي أن نجد أحياء كاملة شُيدت فوق أودية قديمة أو موسمية، وبنايات أُقيمت في مناطق صناعية غير مهيأة للسكن.
 كما يتم التساهل في توزيع الرخص والاستثناءات، أو البناء بدونها، بدعوى الولاءات الانتخابية أو الحزبية، فتتحول الكارثة من حدث مفاجئ إلى نتيجة شبه متوقعة، كأنها خُطط لها مسبقاً.
هذه العوامل مجتمعة كانت سبباً في خسائر بشرية ومادية جسيمة، كشفت عن هشاشة البنية العمرانية وضعف منظومة الوقاية من المخاطر الطبيعية.
وبالمقارنة مع مدن أوروبية وأمريكية تعرف مناخاً مشابهاً، مثل أمستردام وبرشلونة وبعض الولايات الأمريكية، حيث تسجل أمطار طوفانية وعواصف وفيضانات مفاجئة، نجد أن الخسائر البشرية تظل غالباً محدودة. في المقابل، تكون مدن مثل آسفي وكلميم وبعض أحياء الدار البيضاء، رغم أنها أحياناً أقل تعرضاً من حيث كمية التساقطات، أكثر هشاشة من حيث البنية والقدرة على التحمل.
وخير مثال مؤلم مما وقع مؤخراً بمدينة آسفي، حيث قضى عدد من الضحايا داخل محلاتهم التجارية وسط سلعهم، وهو شكل مأساوي من الوفاة يطرح تساؤلات عميقة حول الإحساس بالأمن والأمان، والثقة في المؤسسات، والعلاقات التضامنية داخل المجتمع وقت الكوارث، كما يفتح نقاشاً حول منسوب المواطنة لدى الساكنة المحلية. إذ يمكن اختزال المشهد في معادلة واضحة:
ضعف الحكامة في تدبير المجال العمراني والبيئي + غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة + تفشي الفساد والرشوة + خطر طبيعي (فيضانات، زلازل…) × هشاشة مرتفعة = كوارث مؤكدة بحجم مهول،
خاصة في بلد يظل فيه عامل الهشاشة الاجتماعية والعمرانية مرتفعاً بشكل مقلق.