عبد الغني السرار: أي تدبير للمخاطر والكوارث الطبيعية على المستوى الترابي؟

عبد الغني السرار: أي تدبير للمخاطر والكوارث الطبيعية على المستوى الترابي؟ عبد الغني السرار
شهد المغرب خلال العقود الأخيرة كوارث طبيعية متعددة ومتنوعة نتجت عنها خسائر في الأرواح والتجهيزات الأساسية، وكانت لها تداعيات على مستوى البنيات التحتية والنسيج الاقتصادي، الأمر الذي تطلب تعبئة موارد مالية كبيرة من أجل إعادة تأهيل المناطق المنكوبة وإصلاح البنيات التحتية. وقد كشفت الفيضانات التي تعرضت لها مدينة آسفي يوم الأحد 14 دجنبر الجاري، عن مجموعة من النواقص التي تعاني منها البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية المحلية التي يفترض فيها أن تكون في أتم جاهزيتها في فصل الشتاء، سيما وأن الإحصائيات المنشورة في تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول تقييم تدبير الكوارث الطبيعية في أبريل 2016، تؤكد أن مراجعة سجل الكوارث بالمغرب يبين أن المخاطر الناتجة عن الأحوال الجوية تبقى الأكثر تهديدا كالفيضانات والجفاف وموجات البرد.

وبحكم موقعه الجغرافي ومواصفاته الجيولوجية وما يتميز به من اضطرابات في الظروف المناخية التي تنضاف إلى ما يزخر به من تنوع جيولوجي وجغرافي، يعتبر المغرب أكثر عرضة لمخاطر الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والجفاف وحرائق الغابات وموجات البرد والحر ... وبالنسبة للتكلفة الاقتصادية الناتجة عن أضرار الكوارث الطبيعية فقد بينت الاحصائيات الصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي سنة 2023 أن الدولة تتكبد خسارة سنوية تفوق 8 مليارات درهم، تقدر فيها خسارة الفيضانات بحوالي 4 مليار درهم سنويا في المتوسط. وهذا الأمر دفع السلطات العمومية المركزية إلى اتخاذ العديد من التدابير الرامية للتخفيف من وطأة الكوارث الطبيعية على الأرواح وعلى النسيج الاقتصادي والاجتماعي، وفي مقدمة هذه التدابير تعزيز دور الأجهزة المعنية بالرصد والإنذار المبكر فضلا عن تبني الاستراتيجية الوطنية لتدبير مخاطر الكوارث الطبيعية 2020 _ 2030. لكن بالرغم من كل التدابير المتخذة على الصعيد الوطني إلا أن تنزيلها على المستوى الترابي تعتريه عدة صعوبات وإكراهات تحد من فعاليته ونجاعته، خاصة غياب إطار قانوني يمنح الجماعات الترابية شرعية ومشروعية التدخل قبل وقوع الكوارث الطبيعية التي تحدث فوق ترابها أو اتخاذ التدابير الكفيلة بتجنبها قبل وقوعها.

وهكذا، وعلى سبيل المثال فقد أناطت المادة الأولى من المرسوم رقم 2.19.1086 الصادر بتاريخ 30 يناير 2020 المتعلق باختصاصات وزارة الداخلية بالأخيرة مهام الإدارة الترابية للمملكة والحفاظ على النظام والأمن العموميين، مع توفرها على مديرية تعنى بتدبير المخاطر الطبيعية تقوم بموجب المادة 34 من المرسوم المساهمة وبتنسيق مع القطاعات والهيئات المعنية وضع وتنفيذ السياسة الحكومية المتعلقة بتدبير المخاطر الطبيعية والحد منها والسهر على دعم العمالات والأقاليم في تدبير المخاطر وفق التوجهات الوطنية، كما تتدخل وزارة الداخلية في تدبير الكوارث الطبيعية عن طريق المديرية العامة للوقاية المدنية، صحيح أن هذه الأخيرة تقوم بدور حيوي في تدبير الكوارث الطبيعية، بيد أن تنوع وطبيعة المهام الموكولة إليها يتطلبان تمكينها من وسائل التدخل والتواجد بجميع التراب الوطني، وإذا كانت هذه الأخيرة اقتنت معدات وتجهيزات متنوعة، إلا أنها تبقى غير كافية وغير موزعة بشكل متكافئ على المستوى الترابي.

كما أن الظهير الشريف بمثابة قانون رقــم 168.75. 1بتاريخ 25 صفر 1397 (15 فبراير 1977) يتعلق باختصاصات العامل، كما تم تعديله بموجب القانون رقم 1.93.293 الصادر بتاريخ 6 أكتوبر 1993، أعطى فصله الخامس للعمال، تحت سلطة الوزراء المختصين، صلاحية تنسيق أعمال المصالح الخارجية للإدارات المدنية التابعة للدولة التي لا يتجاوز مجال عملها نطاق العمالة أو الإقليم، وهو اختصاص يسمح لوزارة الداخلية عبر ممثليها الترابيين (العمال) بتنسيق أنشطة المصالح الخارجية في مجال تدبير المخاطر الطبيعية.

أما على مستوى القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، فيلاحظ بأن تدخلها في تدبير مخاطر الكوارث الطبيعية يبقى دون المستوى المطلوب، بل إن تدخلها غير محدد بشكل واضح وتشوبه الدقة، وهذا الأمر يمكن تلمسه من خلال القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الذي جعل من صلاحية رئيس المجلس الجماعي، بموجب المادة 100 وفي إطار صلاحيات الشرطة الإدارية تطهير قنوات الصرف الصحي والسهر على نظافة مجاري المياه واتخاذ كافة التدابير للوقاية من الحريق والآفات والفيضانات وجميع الكوارث الطبيعية. صحيح أن القانون أشار إلى مسؤولية الجماعات في مجال تدبير الكوارث الطبيعية، إلا أن هذه الإشارة جاءت بشكل فضفاض وفي شكل عموميات، كما أن هذه الجماعات لم يمكنها القانون من الوسائل اللوجيستيكية والبشرية التي تتمتع بالخبرة اللازمة للتدبير الاستباقي للكوارث الطبيعية، خاصة فيما يتعلق بعنصر التنبؤ والاستشعار على غرار ما هو معمول به على المستوى الوطني.

وبالعودة للقانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، نجده لا يُدرج تدبير المخاطر الطبيعية في الاختصاصات الذاتية للجهة، بل جعلها في سلة الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة بموجب المادة 91 منه، وبالضبط في المجال البيئي، خاصة الحماية من الفيضانات والحفاظ على الموارد الطبيعية وعلى الموارد المائية ... وهنا يكون المشرع أخطأ التقدير حين جعل تدبير الكوارث الطبيعية ومن جملتها الحماية من الفيضانات في خانة الصلاحيات المشتركة بين الدولة والجهات، والتي تتم ممارستها وفق منطوق المادة 92  من نفس القانون بشكل تعاقدي، إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجهة، ذلك أنه كان من الأجدر ترتيبها في صنف الاختصاصات الذاتية التي تتسم ممارستها بالحرية ووفق الطريقة التي تراها الجهة مناسبة وتبعا للخصوصيات المجالية والجغرافية للجهة والتي تستوجب دراسات مسبقة.

أما القانون التنظيمي رقم 14.112 المتعلق بالعمالات والأقاليم فلم يشر لا من بعيد ولا من قريب لمسألة تدبير الكوارث الطبيعية من قبل الأخيرة، وهو ما جعل تدخل العمالات والأقاليم كجماعات ترابية في الوقاية من الكوارث الطبيعية غائبا ومغيبا، وهو ما يعني أن الأخيرة لا تتمتع باختصاصات دقيقة في مجال تدبير الكوارث الطبيعية سواء كانت ضمن الاختصاصات الذاتية أو المشتركة أو المنقولة، اللهم إذا أردنا تعويم وتأويل مدلول المادة 86 من هذا القانون التنظيمي بشكل تعسفي، خاصة ما تضمنته من اختصاصات مشتركة تمارسها العمالة أو الإقليم بشكل تعاقدي مع الدولة: كتأهيل البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية وتنمية المجالات الجبلية وتأهيل العالم القروي، ذلك أن القراءة الخلفية لهذه المادة يمكن أن يستشف منها ضمنيا أن العمالات والأقاليم تتدخل في تدبير الكوارث الطبيعية، لكن هذا التدخل حتى لو افترضنا جدلا صحته ووجوده فإنه لن يكون بأي حال من الأحوال أحسن من تدخل الجهات، إذ انطلاقا من الاختصاصات المشتركة للجهات في مجالات الحماية من الفيضانات يلاحظ أن أغلب الجهات لم تقم ولو في الحدود الدنيا وبحسب إمكانياتها الذاتية بأية مبادرة للوقاية أو الاستعداد لمواجهة الفيضانات وعلى الأقل تحسيس الساكنة وتكوين فرق للإنقاذ، ينضاف إلى ذلك عدم تنسيقها مع السلطات الأمنية المكلفة بتدبير الكوارث الطبيعية كالسلطة المحلية والدرك الملكي والأمن الوطني والوقاية المدنية والقوات المساعدة ومصالح وزارة الصحة، وهو ما جعل مساهمة الجهات محدودا وضعيفا إن وجد أصلا.

نفس الأمر يسري على الجماعات، التي يظل وجودها أو تدخلها في مجال تدبير الكوارث الطبيعية محدود بدوره، إما لكونها لا تتخذ التدابير الكافية للوقاية من المخاطر، أو لغياب مبدأ التنسيق والتعاون مع المصالح التي تشرف بشكل مباشر على مواجهة الكوارث التي يكون النفوذ الترابي للجماعات مسرحا لها، لا من حيث واقع البنية الطرقية والتحتية التي تكون أحيانا سببا مباشرا في تأخر وصول فرق الإنقاذ لعين المكان، أو لغياب سيارات الإسعاف التي يفترض أن تكون بحوزة الجماعات وكل أجهزة ووسائل إزاحة الأحجار أو الثلوج عن الطريق، فكون هذه الجماعات تعتبر هي الأقرب إلى المواطن فإن ذلك يفترض فيها أن تقوم بدور فعال في تيسير تدخلات فرق الإنقاذ وتسهيل عمليات إنقاذ المرضى ونقل المعطوبين عبر سيارات الإسعاف إلى المستشفيات لتلقي الاسعافات، إن لم نقل أن من واجبها اتخاذ التدابير الاستعجالية والوقائية من مخاطر الكوارث الطبيعية ما دام المنتخبون أعضاء في اللجان الجهوية والإقليمية لليقظة الخاصة بالمخاطر التي أحدثها ولاة الجهات وعمال عمالات وأقاليم المملكة، وهذا وحده يجعل مسؤولية المنتخبين قائمة وثابتة.

إن التدبير الفعال لمخاطر الكوارث الطبيعية أصبح يقتضي مقاربة موسعة وشمولية تتأسس على ثلاثة محركات: أولا: المحرك الوطني/المركزي الذي تعتبر الدولة الفاعل المركزي فيه؛ ثانيا المحرك الإقليمي/الترابي والذي تعتبر الجماعات الترابية الفاعل المحوري فيه، ثالثا المحرك الإدماجي/التشاركي وتعتبر فيه جمعيات المجتمع المدني شريكا استراتيجيا للفاعل الرسمي حتى في فترات الأزمات والكوارث الطبيعية. ونجاح المقاربة الشمولية في تدبير مخاطر الكوارث الطبيعية، يقتضي منح الوحدات الإدارية المنتخبة اختصاصات ذاتية واضحة، بتعديل الإطار القانوني للجماعات الترابية، ومنح هذه الأخيرة بأصنافها الثلاثة اختصاصات ذاتية في مجال إعداد برامج وخطط مستقبلية واستباقية لمواجهة مخاطر التقلبات المناخية المتوقعة وغير المتوقعة، وهذا الأمر يجد سنده في الفقرة الأخيرة من الفصل الأول من دستور 2011، التي تنص على أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة، كما يزكيه الفصـل 137 من الدستور الذي نص على أن الجهات والجماعات الترابية الأخرى تساهم في تفعيل السياسة العامة للدولة وفي إعداد السياسات الترابية، أخذا بعين الإعتبار منطوق الفصل 140 منه الذي أسند للجماعات الترابية، بناء على مبدأ التفريع، اختصاصات ذاتية؛ وأخرى مشتركة مع  الدولة وأخرى منقولة إليها من الدولة، وهي نفس الهندسة الوظيفية التي تمت أجرأتها من خلال: القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات والقانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، ثم القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات.
 
عبد الغني السرار/ أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالجديدة