أخنوش من مراكش: منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية رافعة للتحول الاقتصادي وليست مجرد اتفاق تجاري

أخنوش من مراكش: منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية رافعة للتحول الاقتصادي وليست مجرد اتفاق تجاري رئيس الحكومة، عزيز أخنوش
أكد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أن منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAF) تشكل مشروعًا استراتيجيًا للتحول الاقتصادي في القارة، وليست مجرد اتفاق لإلغاء الرسوم الجمركية، داعيًا إلى الانتقال من منطق المصادقة القانونية إلى تفعيل الشراكات التجارية والاقتصادية على أرض الواقع.
 
جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال افتتاح أشغال النسخة الثانية من منتدى أعمال منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، الذي تحتضنه مدينة مراكش تحت رعاية الملك محمد السادس.
 
وأوضح رئيس الحكومة أن انعقاد هذه الدورة يأتي في سياق دينامية واضحة تروم جعل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية إطارًا عمليًا لإعادة تشكيل الاقتصاد الإفريقي، مبرزًا أن الأرقام تعكس حجم التحدي، حيث تمثل إفريقيا حوالي 16 في المائة من سكان العالم، لكنها لا تساهم سوى بنحو 3 في المائة من التجارة الدولية، في حين لا تتجاوز المبادلات التجارية البينية داخل القارة 16 في المائة، مقارنة بأكثر من 60 في المائة في أوروبا وآسيا.
 
وأشار أخنوش إلى أن المغرب، رغم النمو الملحوظ في صادراته نحو البلدان الإفريقية خلال السنوات الأخيرة، والتي تجاوزت 30 مليار درهم، فإن هذه المبادلات لا تمثل سوى 7 في المائة من إجمالي التجارة الخارجية للمملكة، وهو ما يعكس، بحسبه، الفجوة القائمة بين الطموحات المعلنة والواقع الاقتصادي.
 
وشدد رئيس الحكومة على أن منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية لا تقتصر على إزالة الحواجز الجمركية، بل تشكل منظومة متكاملة تشمل تحرير السلع والخدمات، وتنظيم الاستثمار والمنافسة والملكية الفكرية، إضافة إلى التجارة الرقمية وإدماج النساء والشباب في الدورة الاقتصادية.
 
وفي هذا السياق، أكد أن المغرب، تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، يواصل التزامه بتعزيز الآليات المحفزة للتبادل الحر وتحقيق اندماج اقتصادي إفريقي مستدام، مبرزًا ضرورة الاستثمار في البنيات التحتية الأساسية، من طرق وموانئ وبنوك ومنصات رقمية.
 
واستحضر أخنوش الرؤية الإفريقية للمملكة، التي تقوم على تمكين إفريقيا من التحكم في مصيرها وتحويل مواردها إلى قيمة مضافة داخل القارة، وربط مختلف مناطقها من البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي، ومن دول الساحل إلى الواجهات البحرية. وأبرز أن هذه الرؤية تجسدت في المبادرة الملكية لفائدة الدول الإفريقية الأطلسية ودول الساحل، حيث وضعت المملكة بنياتها التحتية المينائية واللوجستية في خدمة 23 بلدًا إفريقيًا مطلًا على المحيط الأطلسي، إضافة إلى الدول غير الساحلية المجاورة.
 
كما توقف رئيس الحكومة عند عدد من المشاريع الاستراتيجية، وفي مقدمتها مشروع أنبوب الغاز نيجيريا–المغرب، الذي يمتد على حوالي 6000 كيلومتر ويمر عبر 13 بلدًا في غرب إفريقيا، معتبرًا أن هذا المشروع لا يقتصر على كونه بنية تحتية طاقية، بل يشكل ركيزة استراتيجية لتهيئة الأرضية لتصنيع مشترك في قطاعات حيوية، من بينها الأسمدة والبتروكيماويات ومواد البناء والصناعات الغذائية.
 
وفي سياق متصل، نبه أخنوش إلى أن الاندماج الاقتصادي لن يتحقق دون توفير حلول عملية للتمويل، مشيرًا إلى أن القطب المالي للدار البيضاء يشكل أحد مكامن قوة المغرب، إلى جانب حضور المجموعات البنكية المغربية في أكثر من 20 بلدًا إفريقيًا، فضلًا عن انضمام بنك المغرب مؤخرًا إلى نظام الدفع والتسوية لعموم إفريقيا (PAPSS).
 
وأوضح أن هذه العوامل تضع المملكة في موقع ملائم لتطوير مشاريع رائدة، خاصة في مجالات الدفع بالعملات المحلية، وتأمين القروض الموجهة للتصدير، وتغطية المخاطر لفائدة المقاولات الصغيرة والمتوسطة.
 
وأكد رئيس الحكومة أن منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية مرشحة لتصبح أكبر منطقة تبادل حر في العالم من حيث عدد الدول المنخرطة، بالنظر إلى أنها تنص، على المدى البعيد، على إلغاء الرسوم الجمركية على 97 في المائة من الخطوط التعريفية. وفي هذا الإطار، أشار إلى أن تقارير البنك الدولي والدراسات القطاعية تتفق على أن الاندماج الكامل للمنطقة في أفق سنة 2035 من شأنه رفع الدخل الحقيقي لإفريقيا بنحو 7 في المائة، أي ما يعادل حوالي 450 مليار دولار إضافية، ودعم نمو الصادرات داخل القارة بأكثر من 80 في المائة.
 
وأضاف أن هذا التحول سيساهم في تعزيز سلاسل القيمة الإقليمية وإحداث عشرات الملايين من مناصب الشغل، مشددًا على أن تحقيق هذه الوعود يقتضي احترام جداول إلغاء الرسوم الجمركية، ومعالجة الحواجز غير الجمركية، لاسيما الإجراءات غير الشفافة، والمراقبات التقنية المتكررة، والطلبات المفرطة للوثائق.
 
وختم أخنوش كلمته بالتأكيد على أن إفريقيا لم تعد في حاجة إلى من يصفها بـ”قارة المستقبل”، بل إلى تهيئة الشروط التي تجعل من هذا المستقبل حاضرًا مشتركًا، مجددًا التزام المغرب، انسجامًا مع الرؤية الملكية، بتحمل مسؤوليته الكاملة من أجل جعل الاندماج الاقتصادي الإفريقي رافعة للرخاء والاستقرار والكرامة لشعوب القارة، داعيًا إلى جعل هذا المنتدى محطة حاسمة للانتقال من الطموح إلى واقع ملموس، استلهامًا لقول الملك محمد السادس، : “لقد حان الوقت لكي تستفيد إفريقيا من ثرواتها”.