يمثّل نزاع الصحراء واحدًا من أطول النزاعات الإقليمية في إفريقيا والعالم العربي، وقد أثّر بشكل عميق في مسار بناء الاتحاد المغاربي، وفي جهود التنمية داخل بلدان المنطقة، خصوصًا المغرب والجزائر وموريتانيا. ومع صدور القرار 2797- الذي يُعدّ الأوضح من حيث التأطير السياسي للأطراف المباشرة
دخل الملف مرحلة جديدة تتسم بارتفاع سقف التوقعات بأن التسوية قد أصبحت ممكنة أكثر من أي وقت مضى.
أولًا: خلفية قانونية وسياسية للقرار 2797.
يتميّز القرار 2797 بثلاث نقاط مفصلية:
1- تأكيد جدية ومصداقية مقترح الحكم الذاتي
2- تحديد أربعة أطراف معنية مباشرة
3- دعوة صريحة لاستئناف مفاوضات مباشرة
هذا التأطير يُقصي عمليًا الأطروحات غير الواقعية، وفي مقدمتها خيار الاستفتاء الذي لم يعد مطروحًا منذ بداية الألفية الثالثة، كما يحدّ من قابلية استمرار الوضع الراهن.
ثانيًا: السيناريو الأول (الأكثر ترجيحًا): اعتماد إطار الحكم الذاتي كحل سياسي نهائي.
1- المحددات الإستراتيجية لسيناريو التحولات الدولية: المتغيرات في مواقف الدول الأوروبية، دعم الولايات المتحدة، وتحوّل عدد من الدول الإفريقية والآسيوية نحو دعم الحكم الذاتي.
تكلفة استمرار النزاع: الكلفة المالية والسياسية والأمنية الثقيلة على المغرب والجزائر وموريتانيا، وارتفاع الوعي بأن استمرار النزاع يعطّل التنمية.
اعتراف القرار 2797 بالأطراف الأربعة: مما يجعل أي رفض للحوار مكلفًا دبلوماسيًا.
2- المكاسب المتوقعة للأطراف
أ. المغرب
● تثبيت حلّ الحكم الذاتي باعتباره الأساس الواقعي الوحيد.
● تعزيز التنمية في الأقاليم الجنوبية ودمجها في الفضاء الإفريقي-الأطلسي.
● طرح نموذج ديمقراطي جهوي موسّع يعطي دفعة للإصلاحات الداخلية.
ب. الجزائر
● الخروج من دائرة الاستنزاف المالي والدبلوماسي
● تحسين مناخ العلاقات مع المغرب والاتحاد الأوروبي
● إعادة توجيه قدراتها نحو التنمية الداخلية بدل الاستمرار في منطق التوازنات الصفرية
ج. موريتانيا
● تقليص الضغوط الأمنية على حدودها الشمالية
● تعزيز دورها كفاعل وسيط في المرحلة الانتقالية
● استعادة موقعها الحيوي داخل منظومة الاتحاد المغاربي
د. جبهة البوليساريو
ضمن هذا السيناريو، تصبح الجبهة شريكًا في إدارة المرحلة الانتقالية للحكم الذاتي، مع ضمانات سياسية-حقوقية مثل:
● المشاركة في المؤسسات الجهوية.
● ضمانات لحماية الحقوق الثقافية والاجتماعية.
● إدماج تدريجي لمقاتليها في الحياة المدنية أو المؤسستين العسكرية والأمنية ضمن آليات تسريح-إعادة إدماج بإشراف أممي.
3- آليات تنفيذ السيناريو
● بدء مفاوضات مباشرة تحت رعاية المبعوث الأممي.
● صياغة بروتوكول للحكم الذاتي يتضمن الترتيبات الأمنية والاقتصادية والإدارية.
● وضع جدول زمني للتنفيذ (مرحلة انتقالية من 3 إلى 5 سنوات).
● اعتماد استراتيجية تنموية مشتركة بين المغرب وموريتانيا والجزائر في المنطقة.
4 - التحديات المحتملة
● صعوبة انتقال جبهة البوليساريو من منطق «الحركة المسلحة» إلى «فاعل سياسي».
● مقاومة تيارات متشددة داخل الجزائر تخشى أي تقارب مغاربي.
● تعقيد الملف الإنساني بمخيمات تندوف وإعادة إدماج السكان.
ومع ذلك، تبقى هذه التحديات أقل خطورة من كلفة استمرار الوضع الراهن.
ثالثًا: السيناريو الثاني (السيناريو منخفض الاحتمال): مفاوضات بدون تقدم.
يبقى احتمال اتخاذ الأطراف مواقف جامدة واردًا، مما يعني استمرار الوضع الحالي دون حل نهائي. إلا أن هذا السيناريو يزداد ضعفًا بسبب الضغوط الدولية، والكلفة المتنامية على الأطراف، وتغيّر أولويات الأمن الإقليمي (الساحل، الإرهاب، الطاقة).
رابعًا: السيناريو الثالث (السيناريو الأقل احتمالًا): تصعيد محدود.
يفترض هذا السيناريو حصول توترات عسكرية منخفضة الحدة شرق الجدار الأمني. لكن البيئة الإقليمية والدولية الحالية لا تحتمل مثل هذا التصعيد، مما يجعل السيناريو شبه مستبعد.
خامسًا: انعكاسات السيناريو الأول على مستقبل الاتحاد المغاربي.
إن نجاح هذا السيناريو يفتح الباب أمام:
● استئناف مشاريع التعاون الثلاثي (المغرب-الجزائر-موريتانيا).
● إعادة إطلاق مؤسسات الاتحاد المغاربي المجمدة منذ سنوات.
● خلق سوق مغاربية كبرى تنافس دول الشراكة المتوسطية.
● ربط شمال إفريقيا بمشروع الواجهة الأطلسية الذي يفتحه المغرب نحو إفريقيا الغربية.
خاتمة :
يشير تحليل القرار 2797 إلى أن الملف قد دخل مرحلة جديدة يتراجع فيها منطق الصراع التقليدي لصالح منطق «التسوية السياسية الواقعية». وفي ضوء المعطيات الإقليمية والتحولات الدولية، يبدو أن السيناريو الأول—اعتماد الحكم الذاتي كحل نهائي—هو الأكثر اتساقًا مع اتجاهات المجتمع الدولي ومع مصالح الأطراف المعنية.
ومع أن التحديات قائمة، فإن النافذة التي فُتحت بعد 31 أكتوبر 2025 قد تكون الأخيرة قبل أن يتحول النزاع إلى عبء استراتيجي غير قابل للإدارة. وبالتالي فإن خضوع الأطراف الأربع للحوار السياسي لم يعد خيارًا دبلوماسيًا فقط، بل ضرورة تنموية وأمنية واستراتيجية لبلدان المغرب الكبير.