أحمد الحطاب: أليست لنا عقول نُفكِّر بها أم نحن مُجبرون على الخضوع لتربية دينية تخويفية؟

أحمد الحطاب: أليست لنا عقول نُفكِّر بها أم نحن مُجبرون على الخضوع لتربية دينية تخويفية؟ أحمد الحطاب
فعل "خاف" و مصدره "خوف" واردان في القرآن الكريم. الفعل جاء في صيغة أمر حينما يقول الله، سبحانه وتعالى :"خافوني" غير أن الخوف هنا ليس بمعنى التَّرهيب بل بمعنى الطاعة والامتثال واتباع الطريق المستقيم. أما "خوف"، كمصدر ورد في القرآن الكريم حين يقول، سبحانه وتعالى، "لا خوف عليهم ولا هم يحزنون". وكلامُ الله موجه، هنا، للذين إيمانُهم قوي وراسخ وصحيح لينبِّههم كي لا يأخذهم الشك فيما سيُخصَّص لهم من أجر عظيم،  يومَ الحساب.
والغريب في الأمر أن الله لا يُرهب عبادَه حين يدعوهم إلى اتباع سواء السبيل، بينما نحن لما كنّا صغارا علَّمونا الدين (التَّديُّن) باللجوء إلى التَّرهيب والتَّخويف : "افعل هذا ولا تفعل هذا" و "قل هذا ولا تقل هذا". و"إذا لم تفعل و تقل هذا، فستنال هذا". ولن تسمع : "إذا فعلتَ أو قلتَ هذا، "قد" تنال هذا". 
بل المتحدث يخاطبك بصيغة الجزم واليقين، أي أنه مُتيقِّن أنك حتما "ستنال هذا". إذن، لم يبق ولن يبقى لك أيُّ مجال لِتُشَغِّلَ عقلَك. ما عليك إلا الخضوع الأعمى مخافةَ أن "تنال هذا". أقلُّ ما يمكن قوله، إنه أسلوب سالبٌ للحرية. وهنا، يجب أن لا يُفهمَ من كلامي أني أتوجه باللّوم لمن ربَّونا بهذه الطريقة. أبدا لأنهم، هم الآخرون، خضعوا لنفس التربية.
والآن، تصوروا الحالة النَّفسية التي سيكون عليها طفلٌ دون سن العاشرة عندما يُعامل بهذا الأسلوب، علماً أن الطفل في هذه السن لا يؤمن ألا بما يراه ويلمسه. فما بالك أن يُوضَعَ أمام أمور نظرية وتجريدية ليس له الخلفية العقلية ولا المعرفية لإدراكها. وعدم إدراكه لهذه الأمور المتَّصلة بالدين تجعلُه يعيش في رعبٍ مخافةَ أن ينالَه عقابُ الله كما أرهبه وخوَّفه به كبار السن. 
وإن لم يتم تنويرُ هذا الطِّفل بعد سن العاشرة، فسيبقى الدين مقترنا في ذهنه بالترهيب والتخويف. وقد يُمارِس هو الآخر هذا التخويف على غيره دون تشغيل عقله. لماذا؟ 
لأنه، بكل بساطة، يعتقد أن ما قيل له حقيقة مطلقة. وقد يذهب أبعدَ من هذا فيصبح رافضا (إن لم نقل حاقدا على) للآخرين الذين لا ينهجون نهجَه. حينها، يكون قد خطا خطوةً أولى نحو نوع من التّطرّف الديني.
والحقيقة أن الله، سبحانه وتعالى، حينما يتوجه للناس ليحذرهم أو ليُنذِرهم أو لينبِّههم من خلال أنبيائه ورُسله وآياته الكريمة...، يقول في العديد من هذه الآيات أن كلامَه موجه "لأولي الألباب"، أي للذين يُشغِّلون عقولهم للتَّمعن والتَّفكر في معنى كلامه جل جلالُه. والألباب جمع لُبٍّ، هي العقول النيِّرة و المستنيرة و النافذة. و هذا يعني أن الله يدعونا لنستعملَ عقولَنا لكي لا نقع فيما لا يُرضيه.
والطامة الكبرى أن جمهورا عريضا من المسلمين أخذ بالجانبَ التخويفي للدِّين عن قصد أو عن غير قصد. والطامة الأكبر هي عندما يُتَبَنَّى الجانب الترهيبي في الدِّين (التَّديُّن) عن قصد، فسيُستَعملُ للسيطرة أو الضغط على الآخر أو لجعله يبتلع ما يُقَدَّمُ له في صيغة حق وهو باطل و...و... وقد يُستَعمل، كذلك، للمتاجرة أو لإباحة ما هو محرم... وأخطر من هذا وذاك، أن يُستعملَ عمدا في مجال السياسة.
وهذا هو ما يحدث فعلا في العديد من الأماكن والمناسبات. ومن أخطرها، شبكات التواصل الاجتماعي والواتساب التي يَنشُر بها دعاة الجانب الترهيبي للدِّين، كلاما له علاقة بالله، سبحانه وتعالى، أو بالرسول (ص) أو ينشرون أدعيةً ويُرْهِبَون الناسَ ويتوعَّدوهم بالعذاب والعقاب إن لم ينشروها بدورهم. 
والنتيجة أنه كلُّ من تربَّى على الدين (التَّديُّن) بالتخويف سينشر ما تربى عليه، دون إمعان، و بالتالي، سيُحرَم من حرية التفكير واستعمال العقل الذي أوصانا الله باللجوء إليه للتمييز بين الصالح والطالح وبين الطيب والخبيث... 
كما سيصبح لقمةً سائغةً يستعملُها المُخَوِّفُون لتحقيق مآربهم الدنيئة. وأخطر شيء هنا، هو أن مصدرَ هذه المنشورات غير معروف وقد تجوب أرجاءَ العالم مارَّةً من مُخَوَّفٍ (الذي تلقَّى تربية دينية تحت عامل التخويف) إلى آخر وقد يَعثُر عليها مُخَوَّفٌ آخر في الأنترنيت، وبمجرَّد ما يقرأها، فإنه سيُرسلها إلى غيره مخافةً من العقاب. والغريب في الأمر أن المُخَوَّفِين يظنون أنه من واجبهم أن يرسلوها للغير بل من واجبهم أن يفرضوها على هذا الغير.
انظروا كيف يتمكَّن دُعاة الترهيب في الدين من إِشلال وتجميد عقول الناس مُوهِمِينَهم أنهم بإرسال هذه المنشورات، سيتقرَّبون من الله. أنظروا كذلك كيف يتحكَّم دُعاة الترهيب في الدين في عقول الناس عن بُعد. فما بالك عندما يكون الاتصال مباشراً.
مَن كان له عقلٌ أو كان مِن أولي الألباب وأراد أن يتقرَّب من الله، فإن له القدرةَ والكفاءةَ والتمييزَ ليقومَ بهذا دون الانصياع لدعاة الترهيب والتخويف في الدِّين. بل يجب أن لا يُكلِّف نفسَه عناءَ قراءة هذه الرسائل (وهذا ما أفعله أنا شخصيا). أنا لا أتحمَّل أن يَعَنِّفَنِي شخصٌ كيفما كان بفرضه عليَّ ما أنا قادرٌ على فعله دونه وإلا سأكون قد أخفقتُ في تشغيل عقلي. 
لكني أقدِّر كل شخص ينشر أشياء من هذا القبيل للتنوير وإبراز بعض الأمور بعقلانية وتَبصُّر ويدعو إلى النقاش البنَّاء الذي قد يكون أحيانا مُقلِقا لكن، في نهاية المطاف، مفيدا . والمؤسف حقا، هو أن بعضَ ناشري هذه الأمور، يظنون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة بينما هذه الأخيرة ليست في متناول البشر.
ولا ننسى أن دُعاةَ الترهيب الديني يضيفون إلى هذا الترهيب شيئا آخر وهو كون الأمور الدِّينية (خارجَ العبادات) لا تُناقَش علماً أنهم يعرفون، تمام المعرفة، أن هذا الادعاء غير صحيح. ولو كانت الأمور الدِّينية لا تُناقش، فلماذا تعدُّدُ المذاهب؟ و لماذا تعدد تفاسير القرآن الكريم؟
لقد حبانا الله عُقولا، فلنعوِّدْها على الاشتغال في الاتجاه الصحيح ولا نَتْرُكُ الفرصةَ لمن سوَّلتْ لهم أنفسُهم أن يُملوا علينا الدِّينَ (التَّديُّن) تحت عصا التَّرهيب والتَّخويف. وفي نهاية المطاف، الشأن الديني يبقى أمرا محصورا بين الخالق وعبده. فإن صَلُحَ هذا الأمر أو ساء، فلِلَّهِ الحكم وحده. فهل من أولي الألباب؟