يقدم هذا الحوار، الذي أجرته جريدة "أنفاس بريس" مع لكحل عبيد، ناشط سابق في حراك أيتوسى حول الأرض وفاعل مدني، رؤى حول اجتماع قبائل أيتوسى الأخير، مع التركيز على السياقات المحلية والوطنية والدولية، وخطوات الدفاع عن الأراضي، ودعم الحكم الذاتي، وفكرة إحداث عمالة المحبس.
ما هو سياق اجتماع قبائل أيتوسى الأخير؟
هناك سياقات ثلاثة أطرحها حسب الأهمية:
السياق المحلي: ضرورة تكثيف اللقاءات لتمتين اللحمة الداخلية للقبيلة، والبحث عن أعلى منسوب للوحدة، ونبذ ما يمكن أن يكون أو يُعتبر مدعاة أو سببا للفرقة، والعمل على حل الخلافات، وتوحيد رؤية القبيلة لمشاكلها الداخلية وفي علاقتها بالمحيط.
السياق الوطني: عُرفت قبائل أيتوسى منذ الأزل أنها قبائل مغربية، لا يمكن لأي أحد أن يجعل ولاءها مثار نقاش أو جدل.
وهذا يفرض علينا، كأبناء هذه المكونات، أن نتفاعل مع كل ما يهم بلادنا المغرب، وكل ما يعزز لحمتنا الوطنية. وهذا اللقاء يأتي ضمن الدينامية التي تعرفها بلادنا منذ النصر التاريخي لمغربنا الحبيب، من خلال اعتماد الحكم الذاتي كآلية وحيدة لحل النزاع المفتعل في أقاليمنا الصحراوية المغربية.
ويأتي كذلك تفاعلا مع الخطاب الملكي ليوم 31 أكتوبر 2025، الذي نعتبره نحن أبناء أيتوسى خارطة طريق لمستقبل زاهر تحت القيادة الملكية لمحمد السادس. ويكفي أن نقف طويلا عند رمزية اعتبار هذا اليوم عيدا للوحدة، الذي سيخلد في تاريخ هذه الأمة العظيمة وينضاف إلى مفاخرها التي لا تنتهي.
السياق الدولي: علينا، كمكونات وساكنة هذه المناطق ذات الموقع الاستراتيجي والبعد الجيوستراتيجي، أن نجتمع كلما دعت الضرورة، وأن نبعث رسائل للجيران والعالم أننا أمة مغربية موحدة من طنجة إلى الكويرة. وأننا، كما كنا مستعدين لنقضي طوال الخمسين سنة الماضية مكافحين في الحرب كما في السلم عن أرضنا، فإننا سنبقى على العهد، وعقيدتنا لا تتزحزح ولا تزيدها الأيام إلا رسوخا. وفي ذلك رسائل إلى المنتظم الدولي أن أيتوسى مغربية، وتدعم الحكم الذاتي منذ 2007 يوم اقترحه الملك محمد السادس، وأننا كذلك معنيون بأي شيء يقع في الصحراء، ولا يمكن لأي حال من الأحوال أن يحدث شيء في الصحراء بدون أيتوسى، وبدون أن تكون الفاعل الأبرز وصاحبة اليد الطولى تحت القيادة الملكية لمحمد السادس.
ما هي الخطوات العملية التي يعتزم أبناء قبائل أيتوسى اتخاذها لترجمة قرار مجلس الأمن رقم 2797 إلى مبادرات ملموسة تُسرّع مسار الحل السياسي وتُحصّن المكتسبات الوطنية في الأقاليم الجنوبية؟
أولاً، نحن نعتبر أن أي حديث عن مبادرات يبقى سابقا لأوانه، لماذا؟ لأن المسألة مسألة سيادية، ويبقى الحديث الرسمي فيها من اختصاص الملك محمد السادس والحكومة أولا وأخيرا. ونحن نحترم مؤسساتنا، كما أن الملك محمد السادس أعطى تعليماته لمستشاريه لفتح نقاش مع الأحزاب لصياغة تصوراتها. ونحن، كأبناء قبائل أيتوسى الكبيرة بتاريخها ومجالها الجغرافي وطاقاتها الهائلة، طبعا لدينا آراء وتصورات في الموضوع. وعندما يتم توسيع النقاش الوطني ليستمع إلينا، فسنكون عند مستوى اللحظة، ونقول رأينا، ونبسط رؤية أيتوسى في الموضوع، مؤكدين أن أيتوسى لا تتعامل مع مواقف الأشخاص أو ترد عليهم؛ نحن نتفاعل فقط مع المواقف الرسمية، لأننا في دولة مؤسسات.
وسيكون الموقف الرسمي صادرا عن إجماع أيتوسى بمختلف أطيافها، بما يتماشى مع المصالح العليا للوطن والمكانة التي تعكس حجمَنا. وسنقول ما لدينا عندما يُطلب منا ذلك. أما الآن، فنحن نترك للمؤسسات الرسمية الوطنية أن تشتغل دون تشويش ودون توظيف من أي نوع لهذه القرارات السيادية، ولا الركوب عليها.
كيف سيتم تفعيل الآليات القانونية والقضائية للدفاع عن أراضي قبائل أيتوسى، وما طبيعة عمل فريق المحامين والخبراء الذي تم الحديث عن تشكيله لمواجهة ما يُوصف بالاستغلال اللاشرعي لأراضيهم؟
كما يعلم الجميع، ملف أراضي أيتوسى هو ملف يتم تداوله على مجموعة من الأصعدة منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات ونصف، واليوم بات يكتنفه غموض وغياب قراءة قانونية على ضوء ما وصل إليه الملف من درجات التقاضي أو الإبهام إداريا.
وفكرة الاستعانة بالفريق القانوني المشكّل من مجموعة من المحامين أبناء قبائل أيتوسى وأطرها القانونية تبتغي أولا تكليف هؤلاء بالبحث عن مسارات هذا الملف، والقراءة المتأنية للأحكام الصادرة في الملف، ومعرفة ما الذي تم تحفيظه من الأرض وماذا تبقى، وما هي المخارج القانونية الكفيلة بإخراج الملف من النفق المسدود الذي وصل إليه. وبعد ذلك، إعطاء فتوى قانونية للقبيلة لصياغة موقفها على أسس قانونية تصل بالملف إلى حلول واقعية، عوض الاستمرار في التجاذبات التي أصبحت في غالب الأحيان تأخذ طابعًا سياسيًا أو تكشف محاولات البعض الركوب عليها سياسيا، وهو ما لا يفيد ولا يأتي بنتيجة تلك التي تنتظرها مكوناتُنا العتيدة.
ما هي الصيغة التنظيمية أو الإطار المؤسساتي الذي تفكر فيه قبائل إيتوسى لتوحيد كلمتها وتعزيز حضورها في النقاش العمومي، خصوصا في ما يتعلق بالتشغيل، والاستثمار، وتسريع وثيرة التنمية المحلية؟
صراحة، يحلو لي أن أسميه "المجلس التشاوري - مجلس القبيلة".
أي آلية تشاورية، مهما اختلفت أسماؤها أو مسمياتها، تبقى محبّبة، ولن نغوص نحن هنا في المسميات.
هناك أمران أساسيان:
هذا الشكل التنظيمي الذي نريده هو أولا لتجميع صوت القبيلة وجعلها موحدة في الخطاب، أولا وثانيا وضع آليات على شاكلة مجلس أيت أربعين قديمًا، الذي يختص في فك النزاعات داخل القبيلة وبينها وبين الجيران. وهذا سيخرجنا من حالة الفوضى حيث كل واحد يحاول الحديث باسم القبيلة.
وهو أيضا مدخل للنأي بالقبيلة عن التجاذبات، وجعل موقفها موحّدًا في القضايا الداخلية والخارجية المصيرية. ولتأسيس هذا الشكل التنظيمي، يجب الحرص أولاً على أن تكون جميع الأطياف والأخماس والأعراش ممثّلة، حتى يمثّل الجميع ويخاطب الجميع. كما أن ركائزه يجب أن تكون مبنية على الشيوخ (العمّامات للكبار)، لأنهم المرجعية والوجوه المقبولة والمتمتعة بمصداقية تجعل كلمتَها نافذة على الجميع، في ظل حالة تمييع النقاش التي بات يعرفها العالم. وتكون مخاطَبا ومسموعا لدى جميع المؤسسات، وداعما أساسيا للهيئات المنتخبة والسلطات المحلية للترافع من أجل التنمية وتنزيل أوراشها، وبسط سبل الاستثمار الذي يُعدّ حافزا لإعمار المناطق وجعلها أكثر جاذبية؛ لأن المستقبل سيكون التنمية والعمل الميداني، وليس التجاذبات والصراعات الداخلية التي لن تفيد أحدًا ولن تجيب عن انتظارات الأجيال القادمة.
من بين ما تمت مناقشته في هذا الاجتماع، خلق عمالة المحبس، ما هو تصور قبائل أيتوسى لهذا الأمر؟
إن فكرة خلق عمالة المحبس كانت ولا زالت فكرة عبقرية رائدة، ستجسّد أولاً إرادة البناء لمملكتنا الكريمة، وتعود بالنفع على المنطقة تنمويًا، وتبعث برسائل للجيران على أن إرادة البناء التي يقودها الملك محمد السادس هي تماما نقيض الهدم والتفرقة والتشرذم الذي تعيشه الجهة المقابلة.
فإذا كانت المحبس تسير نحو النمو بخطى متسارعة، فإنه هناك، على بعد 90 كيلومترًا فقط، توجد مخيمات هي أشبه بالسجن، تفتقر إلى أبسط ضروريات الحياة.
كما أن خلق عمالة المحبس أصبح اليوم أمرًا ذا راهنية كبيرة بالنظر إلى الموقع والمجال الجغرافي الكبير، وهو أيضا تكريم لهذه المناطق التي أعطت ما لم تقدّمه أية منطقة في خضم الدفاع عن الوحدة الترابية، ناهيك عن ما يمكن أن يوفره المجال من مؤهلات ستنعكس على المغرب إيجابًا. وكم سيكون جميلاً فتح معابر على الامتداد الأفريقي في أفق الحل النهائي للمشكل المفتعل لقضية وحدتنا الترابية عموما.
عمالة المحبس هو حل ذو أبعاد اقتصادية واجتماعية، ويحمل رسائل ذات بعد أمني وسياسي يخدم الوطن والمواطن.