الإجرام يرغم شركات فرنسية على تغيير مواقع ونظام عملها وسط انفلات أمني غير مسبوق

الإجرام يرغم شركات فرنسية على تغيير مواقع ونظام عملها وسط انفلات أمني غير مسبوق ارتفاع الجريمة يهدد الشركات والاقتصاد الفرنسي
كشفت تقارير إعلامية متطابقة أن الإجرام أصبح واقعًا مرا في عدة مدن بفرنسا، حيث أدى ارتفاع الجريمة المنظمة، خاصة المتعلقة بتجارة المخدرات، إلى دفع بعض الشركات الكبرى إلى نقل مواقع عملها من الأحياء الخطيرة أو تغيير أنظمة عملها باعتماد العمل عن بعد، لضمان سلامة موظفيها.
 
ففي نونبر 2025، برزت حالات واضحة تؤكد هذا الاتجاه، أبرزها حالة شركة "أورانج" (Orange) في مدينة مارسيليا، حيث أعلنت الشركة، أكبر شركة اتصالات في فرنسا، عن إغلاق مؤقت لمقرها في حي سان مورون (Saint-Mauront) بمارسيليا لمدة أسبوعين، ابتداءً من يوم الجمعة 28 نونبر 2025 حتى منتصف دجنبر، بسبب تنامي الإجرام بالحي المذكور.
 
وتم إجبار حوالي ألف موظف، على العمل عن بعد لتجنب المخاطر الأمنية الناتجة عن نشاط عصابات المخدرات في هذه البؤرة السوداء بمرسيليا.
 
ويبقى السبب الرئيس هو الوضع الأمني الحرج، حيث أبلغ الموظفون عن مخاوف مباشرة من التعرض للعنف المرتبط بتجارة المخدرات.
 
هذا القرار جاء بعد تصعيد التوترات، بما في ذلك مقتل مهدي قصاصي (20 عامًا)، أخ  أحد نشطاء مكافحة المخدرات أمين قصاصي، في هجوم مرتبط بالعصابات.
 
وقد دعم وزير التشغيل الفرنسي جان بيار فاراندو (Jean-Pierre Farandou) هذا الإجراء، واصفًا إياه بـ"خطوة ضرورية لحماية العمال"، داعيا إلى تعزيز الموارد لمكافحة تجارة المخدرات. وهذا يعكس إدراكًا رسميًا لانتشار الجريمة في المدن الكبرى.
 
هناك أيضا بنك BNP Paribas في باريس، الذي أعلن عن نقل ألفي موظف من مقره في شمال باريس إلى مواقع أخرى. والسبب ايضا هو الارتفاع في معدلات الجريمة في المنطقة، مما أجبر الشركة على إعادة هيكلة نظام عملها.
 
عموما، ليست "أورانج" و"BNP Paribas" هي الحالات الوحيدة؛ حيث تشير تقارير إلى أن شركات أخرى في قطاعات الاتصالات والخدمات المالية، تفكر في نقل عملياتها أو تبني نماذج عمل مختلطة بين المكتب والعمل عن بعد، لتجنب المناطق عالية الخطورة والتي عجز الأمن الفرنسي على ضمان الأمن بها.
 
وهذا يعكس توترًا بين الحاجة الاقتصادية للعمل في المدن الكبرى والحفاظ على سلامة الموظفين. وهي تغييرات ليست مؤقتة فقط، بل قد تشير إلى تحول أعمق في نمط العمل في فرنسا إذا لم تعالج جذور الجريمة.
 
ارتفاع مهول في جرائم القتل بفرنسا
وشهدت فرنسا في عام 2025 ارتفاعًا بنسبة 20% في جرائم القتل منذ 2017، مع تسجيل 976 جريمة قتل حتى الآن، معظمها مرتبط بتجارة المخدرات.
وانتشرت هذه الجرائم إلى المدن الصغيرة، مما دفع الحكومة الفرنسية إلى اقتراح عقوبات أوروبية مشتركة ضد الجريمة المنظمة المرتبطة بالمخدرات في 20 نونبر 2025. كما أن واردات الكوكايين من أمريكا اللاتينية غذت النزاعات بين العصابات، مما يهدد الشركات في المناطق الحضرية.
 
وارتفعت عمليات الاستيلاء على الكوكايين إلى مستويات قياسية، مع تصعيد العنف في مدن مثل مارسيليا وباريس. ويصف تقرير رسمي الوضع بـ"الأزمة المزمنة"، حيث أصبحت تجارة المخدرات مصدرًا رئيسيًا للجريمة المنظمة.
 
69 ألف شركة فرنسية مهددة بالإفلاس مع نهاية 2025
هذا المناخ غير الصحي للمقاولات يأتي في سياق يسجل فيه الاقتصاد الفرنسي أرقام صادمة. فقد توقع مرصد (BPCE) للتأمينات في فرنسا وهو هيئة أبحاث اقتصادية، أن تعلن نحو 69 ألف شركة في فرنسا إفلاسها مع نهاية العام 2025، مشيراً إلى أن القطاعات الأكثر عرضة لإفلاس شركاتها هي النقل والبناء، حيث أدى ارتفاع التكاليف إلى إضعاف توازناتها.
 
وكشف المرصد أنه من بين 245 ألف شركة أُسست خلال السنوات الأربع الماضية، أفلست نحو 25% منها، وهو معدل يُقارن بما كان عليه في 2019، قبل الجائحة.
 
وذكرت صحيفة ليزيكو" les échos الفرنسية أنه في نهاية العام 2024، كان معظم الاقتصاديين يتوقعون تراجعا في عدد حالات الإفلاس ابتداء من النصف الثاني من عام 2025. لكن الأمر لم يكن كذلك بالنظر إلى المناخ الاقتصادي والسياسي الحالي في فرنسا، لهذا قدر مرصد "BPCE" أن عدد حالات فشل الشركات سيستمر في الارتفاع خلال الأشهر المقبلة"، ولا توجد إشارة للتحسن في الأفق مع نهاية العام"، بحسب بياناته.
 
وأوضحت بيانات المرصد أن منحنى الإفلاسات بلغ ذروته في إبريل 2015 بـ63212 حالة، قبل أن يتراجع إلى أدنى مستوى في نونبر 2021 عند 30078 حالة، ليعود بعدها إلى الارتفاع مجدداً مسجلاً 68362 حالة في غشت 2025.