أطلق على ذلك الإجتماع الحزبي "دورة الشهيد عمر بنجلون"، كونه أول اجتماع للجنة الإدارية المنبثقة عن المؤتمر الإستثنائي للحزب ليوم 11 يناير 1975، تعقد بعد عملية الإغتيال التي استهدفته رحمه الله بأياد تنفيذية لعناصر من الشبيبة الإسلامية التابعة لعبد الكريم مطيع صبيحة يوم 18 دجنبر 1975 أمام منزله بشارع المسيرة الخضراء بالدار البيضاء.
قدم عبد الرحيم بوعبيد تقريرا سياسيا مدققا أمام أعضاء تلك اللجنة الحزبية من أهم ما ورد فيه تخصيص فقرة مطولة لملف تطورات قضية الصحراء الغربية للمغرب، طالب فيه بمنح تلك الأقاليم المغربية شكلا من "الحكم الذاتي" ضمن منظومة تدبيرية لما أسماه بالحرف: "التفكير في إقرار نظام لامركزي واسع في أقاليمنا الصحراوية في إطار ديمقراطية حقة اقتصادية واجتماعية وسياسية".
كان هذا الطرح متقدما جدا في زمنه حينها (1976)، خلق ردود فعل عنيفة ليس فقط من الإعلام التابع للحكومة المغربية بل حتى من جريدة "العلم" (رائدة الصحافة المغربية) الناطقة بلسان حزب الإستقلال التي لم تتردد في نشر افتتاحية تتهم حزب الإتحاد الإشتراكي بتهمة ثقيلة هي "الخيانة".
بنى عبد الرحيم بوعبيد لمقترحه النوعي ذاك بمقدمات تحليلية رصينة دحض من خلالها الأطروحة الجزائرية التي كان يتزعمها الرئيس هواري بومدين سامحه الله، حين ربطه بين دعم جبهة البوليزاريو ودعم حركة التحرير بأنغولا ضد الإستعمار البرتغالي، حيث اعتبر بوعبيد أن ذلك الربط معيب سياسيا وقانونيا وحقوقيا وأخلاقيا. متسائلا باستغراب:
"عندما كانت الصحراء المغربية تحت الإحتلال الإسباني إداريا واقتصاديا لم تقم الجزائر بتقديم مثل هذا الدعم لحركة التحرير المغربية، وحكام الجزائر يعرفون أن المغرب ما فتئ يطالب منذ 1953 بالساقية الحمراء ووادي الذهب. وعندما توج كفاح شعبنا من أجل الصحراء باتفاقية مدريد، أي عندما بدل الإسبان خطتهم تحت ضغط اعتبارات داخلية خاصة وانسحبوا من أراضينا، أصبح واجبا على المغرب أن يحل محلهم سياسيا وإداريا واقتصاديا وعسكريا انسجاما مع كفاح شعبنا من أجل وحدة ترابه منذ 1953. ذلك الكفاح الذي قدم الشعب المغربي خلاله عشرات المئات من الشهداء من جيش التحرير. فليس هناك أي شبه بين الصحراء المغربية وأنغولا. إن المقارنة بينهما مجرد تزييف وتضليل. على أن الجزائر لم تكتف بدعم "البوليزاريو" بل ذهبت أبعد من ذلك فأسست ما سمته ب "الجمهورية الصحراوية" على أرضها هي، أرض الجزائر. إن تصعيدها لمعاداة المغرب وشعب المغرب لا يمكن أن يفسر إلا بكونه يدخل في مخطط توسعي على حساب شعب المغرب وشعوب المغرب العربي. فكيف يمكن لمن يدعي التمسك بتقرير المصير بضرورة استشارة السكان أن يقفز على هذا المبدأ ويؤسس دولة خارج أرض الصحراء وخارج إرادة سكانها؟."
نوه بعدها عبد الرحيم بوعبيد بمواقف قادة وطنيين جزائريين كبار من أبطال ثورة التحرير ضد الإستعمار الفرنسي ذكر بالإسم منهم كلا من محمد بوضياف، فرحات عباس، يوسف بنخدة، الأحول، خير الدين والبجاوي، الذين أعلنوا جميعهم حينها بالحرف أن "الشعب الجزائري لا دخل له في قضية الصحراء المغربية، وأن الصحراء كانت دائما مغربية".
ليخلص إلى أن واجبنا الجماعي يفرض أن نشرح لإخوتنا الصحراويين أن معركة الديمقراطية والتحرير واحدة، حيث قال:
"بطبيعة الحال يجب علينا أن نعطي لإخواننا الصحراويين صورة عن المغرب غير الصورة التي يعرفونها اليوم. الصورة التي ستجعلهم يطمئنون على مستقبلهم. إن على إخواننا في الصحراء أن يندمجوا مع الشعب المغربي في كفاحاته. نعم ليس من السهل التغلب على الرواسب التي خلفتها ثمانون سنة من الفراق ولكن لا مناص من هذا الطريق. ففي هذا الإطار نرى أنه يجب التفكير من الآن في نوع من اللامركزية الواسعة التي يجب إقامتها في الصحراء تمكن السكان الصحراويين من الإقتناع بأنهم يمارسون بكل اطمئنان صنع مستقبلهم كجزء لا يتجزأ من الشعب المغربي. إننا إذا فعلنا ذلك سنجعل حدا نهائيا للدعايات المغرضة التي تشوه نوايا الشعب المغربي.
إن إقامة نظام لامركزي وديمقراطي في الصحراء شئ أساسي وضروري، لأن الوضع الجغرافي والإقتصادي والبشري يفرض ذلك".
يا لها من فراسة سياسية متقدمة للزعيم عبد الرحيم بوعبيد في زمنها، منتصرة للخيار المؤسساتي الديمقراطي.