لم أكن أتخيّل يومًا أن للعصب الوركي شخصية مستقلة، ورأيًا خاصًا، وموهبة فريدة في العناد. ومع ذلك، ها هو قد استقرّ في جسدي هذه الأيام وكأنه جاء ليستأجر غرفة دون استئذان، ويُدخلني في مفاوضات يومية حول حقّه في الاحتجاج وواجباتي في الصبر.
ولأنني أمضيت ثمانية وثلاثين عامًا من عمري في المجال الصحي، أظنّ — أو هكذا كنت أظن — أنني صرت أعرف كيف يتفاهم الجسد مع الألم. لكن يبدو أن السيّاتيك أراد أن يذكّرني بأن الطبّ، مهما تقدّم، يظلّ عاجزًا أمام بعض المزاجيات العصبية التي لا تُقنعها لا الخبرة ولا الكتب.
ومع ذلك، لم أكن وحدي في هذه الرحلة. فـابني الأكبر، الطبيب، وزوجته الطبيبة، أحاطاني بنصائحهما العلمية وكأنهما لجنة خبراء جاءت خصيصًا لتهذيب سلوك السيّاتيك. شرَحا لي كيف أمشي، كيف أجلس، كيف أتحرّك، نوعية التمارين الرياضية وكيف أتعامل مع ذلك الومض الذي يمرّ كبرقٍ في ساقي.
اتّبعت نصائحهما بكل انضباط، لكنّ السيّاتيك كان مشاغبًا وصاحب رأي، وكأنه يهمس لي في لحظات الهدوء:
"دْوّي راسك… سير عند بودمة ولا شريفة في حي القشريين دير ليك واحد الكيّة ديال زمان، را داك الشي حطة ببطلة ".
أضحك من نفسي ومن هذا الحوار العبثي. كيف لعصب صغير أن يشرح لي العلاج التقليدي بكل هذا الإصرار؟ وكيف لي أن أُقنعه بأن زمن الكيّ مضى؟ لكن الوسوسة حاضرة و مازالت تصر… وما زلت أصمد. وبين كل هذا، هناك وجه لا يغيب، إنه وجه زوجتي الحبيبة.
لست أدري ما إذا كان السيّاتيك قد اختارني أنا، أم اختارها معي هي أيضًا. أرى في عينيها ألمًا يشبه ألمي، وكأنها تتألم بالنيابة عني. تراقب خطواتي وتخاف أن تزيد الوجعة، وتطلب لي الشفاء العاجل بكل صدق ودفء، وتنثر حولي من العناية ما يجعل الألم نفسه يشعر بالخجل.
وعندها أشعر أن رحمة الله تختبئ أحيانًا في يد تُمسك بيدك، وفي قلب يدعو لك دون أن تطلب.
ثم جاءت مناسبة تُنسي كل أوجاع الجسد: عقد قران ولدي الاكبر، أسعده الله. وهناك، حيث الأهازيج تتعانق، وجدتُ نفسي — رغم السيّاتيك — أدخل في حلقة رقص أحيدوس الذي يسكن في كياني.
فاختلط الألم بالإيقاع، والفرح بالحركة، وكأن الجسد يعقد هدنة قصيرة مع نفسه. وفي خضم الرقصة، جاءت ابنة صديقي الحبيب عائشة — وهي في مقام ابنتي — لتضيف نكهة الضحك: "وايلي آ عمّي، هاد الخطوات الجديدة خاصها تسجيل! وراني سجلتك. غير كتشكي ومنين تسمع أحيدوس تنوض بالبليغة كتجري تشطح؟"
ضحك الجميع، وضحكت أنا أكثر، لأنني أدركت أن الفرح أقوى من الألم، وأن النكتة الصادقة تُربك السيّاتيك أكثر من أي دواء.
واليوم، ما زلت أتعايش مع هذا الضيف الثقيل، لكنني لم أعد أراه خصمًا، بل معلّمًا غريب الأطوار يذكّرني أن الجسد أمانة، وأن المحبة علاج، وأنه مهما طال الألم، فإن ضحكة عائلة، ودعوة زوجة، ونصيحة ابن… قد تهزم كل عناد العصب الوركي.