سعيد يقطين: متى نلتفت إلى مغاربة العالم العلماء؟

سعيد يقطين: متى نلتفت إلى مغاربة العالم العلماء؟ سعيد يقطين
لا أظن ان هناك شابا في العالم لا يعرف أشرف حكيمي. لقد صار علامة مغربية مميزة. ولا عجب في ذلك ففرجة كرة القدم صارت هي الأداة الرئيسية للتواصل بين الأمم والشعوب. تحتل مختلف وسائل الإعلام والوسائط، وتتعدد المنافسات المحلية والجهوية والقارية والدولية للذكور والإناث، وفي مختلف الأعمار. لست أدري لماذا لم يفكروا في كأس العالم لأقل من عشر سنوات، ولو فعلوا لمن تجاوز السبعين لتمنيتُ أن أشرِّف المغرب والكرة المغربية والعربية بما يليق بهما! لكن هناك علماء مغاربة يُشرِّفون المغرب عالميا في اختصاصات علمية نادرة، ولكن لا يعرفهم المغاربة، سواء كانوا أكاديميين أو علماء، رسميين أو شعبيين، سياسيين أو اقتصاديين. مغاربة من المدن الهامشية، درسوا في المدرسة العمومية في القرية، وانتقلوا إلى المدينة لمتابعة دراساتهم الثانوية، أو الجامعية في كليات مغربية، وأتيحت لبعضهم فرصة الخروج إلى العالم فتألقوا باجتهاداتهم وجديتهم، فحصلوا على شهادات علمية عليا، وأصبح بعضهم مديرين هناك، في مراكز علمية ينتقلون من فرنسا إلى اليابان، وكوريا والصين، وأمريكا، ويحصدون جوائز عالمية في اختصاصاتهم، ولا يكون لمنجزاتهم الهائلة سوى خبر بسيط في جريدة، أو موقع لا يقرِؤه أحد. ومن هؤلاء خليل أمين.

لم أكن أعرف العالم خليل أمين نهائيا، جمعني به حفل جائزة الكويت للتقدم العلمي سنة 2023. وتبين لي أن ما يجمعني به ليس فقط الجائزة، ولكن أيضا كونه ابن العلوة، أرض الأولياء والصالحين. وعندما بعثت صورته للشاعر نجمي حسن، وسألته من باب الاستخبار: هل تعرفه؟ فأخبرني أنه درس وإياه في الابتدائي في «قصبة ابن أحمد» البعيدة عن الدار البيضاء بحوالي 60 كيلومترا. رأيت في الرجل صفات العلماء الحقيقيين: الثقة في النفس والتواضع والأخلاق الفاضلة. وكان معنا في حفل توزيع الجوائز عينه عالم مغربي آخر هو، محمد الداودي الباحث في الكيمياء.

جائزة في اختصاص السرديات تجمعني بمغربيين في اختصاصين علميين غير الأدب، ونحن جميعا من المدرسة والجامعة العمومية المغربية. هل أقول صدفة جميلة؟ أم أنه واقع نعجز عن تحليله وفهمه؟ لم يتلق أي منا رسالة من أي مسؤول مغربي. ولا يتلقى أي من المغاربة الذين يحصلون على جوائز عربية، سواء في النقد أو الإبداع، أي اعتراف أو تقدير، بما يقدمونه للمغرب من تشريف، وإعلاء لسمعته، وخدمات جليلة لا يلتفت إليها أحد. فإلى متى نظل لا نلتفت إلى مغاربة العالم العلماء؟ أما مغاربة الداخل، من المثقفين والمبدعين المتميزين الذين يشرفون الثقافة والمجتمع المغربيين، فالكذب عليهم برسالة رسمية كافِ لجعلهم يحسون بالانتماء والاعتراف.

رأيت مؤخرا فيديو استقبل فيه الرئيس الروسي بوتين، العالم المغربي خليل أمين استقبالا خاصا ومتميزا، لم يقم به لرؤساء دول، ووقف إلى جانبه، وهو يسلمه جائزة عالمية في اختصاصه. كان الاستقبال في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ولم أكن أعلم به، ولم يخبرني به خليل حين التقينا لتواضعه، وآسفني أن الكثير من المثقفين المغاربة لا يعرفونه. فإلى متى يظل زامر الحي لا يطرب عندنا؟ ماذا يضير أكاديمية المملكة المغربية، لو استقطبت هؤلاء العلماء ليكونوا ضمن أعضائها؟ وكم سيكلفها استدعاء كل واحد منهم في اختصاصه ليلقي كل واحد محاضرة في الشهر على مدار السنين، وتطبع تلك المحاضرات، وتكون في متناول القراء؟ ماذا ستخسر جامعاتنا الموزعة على كل الجهات في دعوتهم للقاء مع الطلاب في مختلف الاختصاصات، لتؤكد لهم أن النجاح العالمي لا يقتصر على الكرة، ولكن على العلم أيضا، وذلك بالإنصات إلى تجاربهم، والإفادة من اختصاصاتهم؟ ماذا لو تتشكل مؤسسة رسمية لإقامة الجسور بين هؤلاء العلماء في ما بينهم من جهة، ومن جهة ثانية مع وطنهم ليستفيد من خبراتهم، وينقلها إلى الأجيال الصاعدة؟ وتظل علاقتهم متينة بالمغرب تتعدى زياراتهم الخاطفة لذويهم وعائلاتهم؟ وبذلك تكون حجا وحاجة.

من منا، نحن المغاربة، لا يفرح لما تحققه النخب الكروية من انتصارات، ويحزن لما تعترضها من انكسارات. وهذا الفرح يشاركنا فيه كل العرب والمسلمين، ولا يغيظ هذا سوى الصهاينة وتابعيهم ممن يستوطن الحقد قلوبهم، ليس فقط في الرياضة، ولكن أيضا في الثقافة والإبداع. عندما أتابع سعادة المثقفين من كل الأقطار العربية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بفوز ناقد أو روائي مغربي بجائزة عربية، أو مساهمته في مؤتمر عالمي، أرى أن ما يجمع بيننا لا يساوي شيئا أمام ما يدعيه من يسعى إلى التفريق بيننا بأكاذيبه وأباطيله، التي لم تعد تنطلي على أحد. لا يختلف اثنان، سوى من أشرت إليهم، عما حققته أكاديمية محمد السادس لكرة القدم من مكتسبات إيجابية، والكل يتمنى أن تتواصل النجاحات. لكن من دون تشكيل أكاديميات أخرى في الفن والثقافة والفكر في أفق 2030، تشتغل بالذهنية نفسها، نكون نسير برجل واحدة.

كان من بين أحلامي الكبيرة، مثل جيلي ومن جاء بعده من الأجيال أن نرى الشعب المغربي يلحق بالشعوب المتطورة، وينعم بالأمن والرفاهية، من جهة. وما نراه اليوم من منجزات رائعة على مستوى البنيات التحتية يدفعنا إلى الحلم، من جهة ثانية، بأن نرى البنيات الفوقية المغربية في مستوى ما يتحقق على أرضية البنيات التحتية. ومن جهة ثالثة أن أرى الشعوب العربية تتجاوز خلافاتها، وتشترك مع بعضها في مواجهة كل تركات الاستعمار القديم والجديد، وتسهم بدورها في تحقيق السلام والأمن العالميين.

ما أجمل أن تكون في المغرب علامات عالمية في مختلف المجالات والاختصاصات! ولكي يتحقق ذلك لا يكفي أن تظل أرجلنا أسرع من رؤوسنا.