توصل موقع "أنفاس بريس" برسالة إلكترونية من جمعية إئتلاف الكرامة لحقوق الإنسان ببني ملال، تحكي بألم وحرقة مأساة رجل مسن متشرد لا معيل له ولا مأوى، كان يفترش الأرض لا غطاء له سوى السماء، عانى في حياته، وعانى أكثر في مرضه، مثلما عانى قبيل موته وهو في أحضان المستشفى، حيث كانت حالته ميؤوس منها ليفارق الحياة التي لم ينعم بها ولو للحظة. وفي ما يلي نص رسالة الجمعية:
"كان الموت أسرع من الجميع، حيث أخذ روحه إلى دار البقاء، حدث ذلك ليلة الثلاثاء الماضي حوالي الثامنة بالمستشفى الجهوي بني ملال. يتعلق الأمر بمسن متشرد مجهول الهوية، كان يستقر بعشة بشارعي الحسن الثاني و20 غشت بحي أولاد حمدان. عند وفاته توجهنا إلى المكان الذي كان يستقر فيه. كانت الصدمة كبيرة، فهو يفترش الأرض وتغطيه السماء. لقد تحمل الكثير، حسب شهادة أحد الجيران، كان لا يستطيع الحركة، وكان لا يفارق كرسيا متحركا، أعطاه له أخوه وقدم له 400 درهم، ومنذ ذلك الوقت لم يظهر له أثر. كان سكان الحي يقدمون له بعض الوجبات.. هكذا كان يدبر حياته. لم يتوجه يوما للمستشفى، بل كان يتألم ويتحمل...
هذه خلاصة بعض الشهادات.. يوم وفاته قام بعض الجيران بالاتصال بالوقاية المدنية، ولكن لم يتلقوا أي جواب. ولما مرت سيارة الشرطة بالصدفة أوقفوها وأطلعوها على وضعية هذا المتشرد. اتصلوا بالوقاية، فجاءت وحملته إلى المستشفى. حاول رجال الشرطة التعرف على هويته فلم يتلقوا أي إجابة.. فجاءت الشرطة العلمية وأخذوا بصماته للتعرف عليه. هذه الإجراءات استغرقت حوالي ساعتين، وخلالها لم يتلق أي عناية ولا مساعدة.
اتصل بنا بعض المواطنين وأطلعونا على وضعيته، ولما توجه بعض أعضاء الجمعية، وجدوا هذا المسن في إحدى الغرف بقسم المستعجلات وقد أغلقوا عليه الباب. ورغم ذلك فالرائحة الكريهة تغزو أروقة الجناح كلها. ولما دخل بعض الأعضاء وجدوه لا يستطيع الكلام ورائحة اللحم النيئ تفوح بالمكان.. كله قروح، ولا يستطيع أحد النظر إلى هذا المنظر المخيف والمأساوي.. فبالإضافة إلى الرائحة الكريهة والخانقة، لفت انتباهنا مريض بجانبه، إنها مأساة حقيقية، جاء للعلاج وقد يصاب بمرض خطير. توجهنا إلى الطبيب وطلبنا منه فحص المريض، بعد أن عرفناه بأنفسنا. وقام برؤيتة واتصل بطبيب العظام، حيث حضر طبيبان، وقام أحدهم برؤيته، فقال لقد فات الأوان، فالمرض وصل إلى مرحلة خطيرة ولم يعد ينفع معه علاج. أما الطبيب الآخر فلم يكن سعيدا بحضوره والكشف عن هذا الحالة، واعتبر عملنا عبثا، فهذه الفئة ليس من حقها العلاج على ما يبدو، ولكن زميله تدارك الموقف.. طلبنا منهم أن يقوموا بعلاجه وتقديم له الإسعافات الضرورية. ولكن الموت كان أرحم به، فقد توفي في نفس يوم دخوله، وفي نفس الغرفة التي دخلها، وحمل على وجه السرعة إلى جناح الأموات. وكلفت إحدى العاملات بتنظيف الغرفة، ولما عدنا وجدنها في حالة عصبية وهي تقوم برش المكان بمعطر للتخلص من الرائحة.
تعتبر جمعية ائتلاف الكرامة لحقوق الإنسان أن موت هذا المسن المتشرد مسؤولية الدولة المغربية بالدرجة الأولى. وتعتبر أن المدينة بها عشرات من المتشردين والمرضى النفسين والأطفال القاصرين والنساء في حالة تشرد. لهذا ندعوها، ومن خلال السلطة المحلية والفاعلين المدنين للتوحد والعمل على القضاء على هذه الظاهرة. كما ندعو الأطباء والممرضين بعلاج هؤلاء، وبالأخص أنهم أحوج ما يكون لذلك والقيام بواجبهم. وندعو الحكومة لتوفير وسائل العمل للطاقم الصحي ومراقبته في ذلك".