كانت المسيرة الخضراء، مسيرة ضد الاستعمار ... مسيرة شعبية وطنية ودينية... ومعناها كانت تجسيما الشعار المملكة الله الوطن الملك... كانت المعركة إذن على واجهات مختلفة وسط توتر ملحوظ في المنطقة..... ومن بين تلك الواجهات كان الإعلام حاضراً بامتياز.
التلفزة تتحرك
فور خطاب الحسن الثاني يوم 16 أكتوبر، المعلن عن تنظيم المسيرة، برزت تعبئة كاملة في وسائل الإعلام الرسمية والحزبية والخاصة... قدمت التلفزة المغربية مئات الربورتاجات عن المظاهرات التي عمت كافة التراب الوطني وضاعفت من نشراتها الإخبارية.
من مراكش كنت أبعث يوميا من القصر الملكي برنامجا ديداكتيا للجواب على تساؤلات المتطوعين والمتطوعات ولتهدئة العائلات والأصدقاء المتابعين لرحلات الشاحنات... كان البرنامج من اقتراح ملكي وكنت أقدمه من قصر الدار البيضاء» المحادي للقصر الملكي.
شاركت «إذاعة التحرير والوحدة بطرفاية في تعبئة جماهير الجنوب وإخبار سكان الصحراء بكل التطورات... كما انضمت إليها التلفزة المغربية في إطار سياسة إعلامية للإخبار والرد على الإذاعات المعادية انطلاقا من إذاعة العيون تحت قيادة المخابرات الإسبانية وإذاعتي بشار وتيندوف التابعتين للعسكر الجزائري....
تابع المواطنون باهتمام ما تقدمه وسائل الإعلام الوطنية بعد تعبئة كافة أطرها وتجنيد كافة طاقاتها لتغطية وقائع حدث فريد في تاريخ المغرب.
الصحافة الوطنية
لعبت الصحافة الوطنية المكتوبة دوراً مهما في وقت شديد الحساسية والتساؤل وعدم اليقين.. فمنذ الخطاب المعلن عن تنظيم المسيرة برزت الصحافة الوطنية والحزبية والخاصة في حلة تعكس التعبئة وتعالج الأخبار بحساسيات سياسية مختلفة. كان دور الصحافة يقوم على تفسير الأحداث وتعبئة الجماهيروإخبار الرأي العام.....
خلال هذه المرحلة أبانت الصحافة الوطنية عن التزام صلب واستعداد فكري للمعركة والمواجهة و اعتبرت نفسها وسيلة إعلامية في خدمة مسيرة وطنية شعبية وسلمية لكنها في نهاية المطاف مسيرة تحررية.
الصحافة الأجنبية
أما الصحافة الأجنبية وخاصة منها الفرنسية والإسبانية، فقد بدأت في التشكيك في قدرة المغرب على تنظيم مسيرة من هذا الحجم، وتساءلت كيف سيتمكن المغرب من نقل وإسكان وإطعام مئات الآلاف من المتطوعين البعيدين عن مدنهم وقراهم بآلاف الكيلومترات... والواقع أنها اندهشت أمام دقة التنظيم ومثانة اللوجيستيك... وعندما اكتشفت ذلك شرعت في تهويل الوضعية والتعبير عن تخوفاتها من مواجهة دموية قادمة بين المغرب وإسبانيا.
صحافة باريس
ادعت جريدة لوكوتيديان دوباري .... بأن المعركة بدأت بين ملكين وكانت تقصد الحسن الثاني و خوان كارلوس. ورأت جرائد أخرى أن المعركة الحقيقية تدور حول مناجم الفوسفاط» وكتب «لوطيموانياج کریتیان» .... المغرب ربح حرب الفوسفاط ... أم الصحافة الشيوعية الفرنسية فقد اختارت عناوين مثيرة مثلا «الخوف من الكوليرا في مخيمات طرفاية وفي عدد آخر عنونت ندرة الماء للمتطوعين.. صعوبات في التموين وفي الأوضاع الصحية ... المتطوعون محاصرون في طرفاية ولمواجهة الإعلام المعادي حرص الحسن الثاني على استقبال المراسلين الخاصين لكبريات الإذاعات والتلفزات والصحافة، استجابة لطلبات قدمتها أكثر من 30 وسيلة إعلامية دولية.
في ضيافة الملك
قال الملك للقناة الثانية الفرنسية ... إن لكل قضية عادلة حظوظا متعددة تجعلها مسموعة خصوصا إذا كان لهذه القضية مدافع ماهر». وقال للتلفزة الأمريكية «إين بي سي» جواباً على احتمال قيام الجزائر بعمل مسلح... لقد أعطاني الرئيس بومدين التزامه بواسطة الرئيس بورقيبة وبواسطة وزير خارجيته عبد العزيز بوتفليقة ألا أرى جنديا جزائريا واحدا فوق أرض الصحراء»... والصحيفة «لا نفورماسيون» الإسبانية.... قال الحسن الثاني.. يريد المغرب دائما أن يتعامل في إطار القانون، وكيفما كان الحال لن ترى إسبانيا من المغرب إلا ما يسهل المأمورية على الأجيال المقبلة».. وأضاف ليست هناك نقطة خاصة لا يمكن الإسبانيا والمغرب أن يتغلبا عليها».
و باختصار يمكن التأكيد على أن الصحافة الأجنبية ركزت على الأخبار المثيرة والأوضاع في الميدان وتطور العلاقات المغربية الجزائرية وإمكانية المواجهة العسكرية بين المغرب وإسبانيا في إطار كارثة مرتقبة.. وقد لعبت الإيديولوجيات دوراً مهما في التغطية الإعلامية حيث نجد أن صحافة اليسار في أوروبا أبانت عن رفض للواقع وبحثت عن جوانب ادعت أنها كارثية منسجمة بذلك مع ما كانت تردده أبواق الدعاية الجزائرية.
إعلام الجزائر
وأتذكر وأنا إذاك في الطاح في منطقة المخيمات أن الإذاعة الجزائرية كانت تهاجمنا يوميا وباستمرار وتنشر أخبارا كاذبة كانتشار الأمراض المعدية وقلة المياه وظاهرة الجوع وقيام مظاهرات للمتطوعين الراغبين في العودة إلى ديارهم..... كان الإعلام الجزائري قد أعلن أن المغرب .... أطلق سراح آلاف المعتقلين في الحق العام وجندهم للمسيرة.... وفي حكاية أخرى أعلن .... أن المتطوعين هم في الحقيقة جنود بلباس مدني».
كانت إذاعة «التحرير والوحدة ترد على هذه الخرافات إلى جانب إخبار المتطوعين وسكان الصحراء بحقيقة الأوضاع كان عملا يتطلب الدقة والصرامة لذلك نال حظا أكيدا من المصداقية.
كنا في التلفزة نصور بعض السهرات، ونبثها على الهواء، لتأكيد طابع الفرحة والتعبئة وسط حشود المتطوعين كانت معركة الإعلام ساخنة وأظن أن تظافر الجهود جعل المغرب ينتصر في معظم أشواطها. كانت لخطب الملك وتصريحاته الصحافية للمراسلين الأجانب وتماسك الإعلام الوطني، المتلفز والمسموع والمقروء، كان لكل هذا دور في إسماع صوت المغرب رغم محاولات التشويش على أهداف المسيرة.