بعد عقود من الصبر والنضال، وبعد أن حمل المغرب على كتفيه أحلام أجيال، وهموم أبنائه في مخيمات الاحتجاز والعار، يطل مشروع الحكم الذاتي على الصحراء المغربية كخيار واقعي وعقلاني، بعد تأييد أممي، ومقاربة التغيير بدل التدبير للقضية التي أطلقها الملك.
الحكم الذاتي الواقعي والعقلاني ليس مجرد ورقة سياسية، بل وعد بالحياة الكريمة وبناء المستقبل في حضن الوطن دون ضغائن بدل سجن تندوف الكبير الذي صادر لسنوات حق العودة لمغاربة نشؤوا في القهر والهوان والتضليل.
في هذا السياق،لم يعد الدفاع وحده هو شعار اليوم، بل أصبح البناء والإبداع في الخدمة الوطنية عنواننا، والثقة بالمواطن محور اهتمامنا... لأن المغرب أرض الإنسان قبل البنيان. فالصحراء ليست مجرد رقعة على الخريطة، بل هي قلب ينبض بالمغربية، ومساحة يحميها التاريخ والجغرافيا والذاكرة المشتركة. اليوم، يضع المغرب الإنسان في صلب اهتمامه، ويؤكد أن السيادة لا تقاس بالحدود فقط، بل بالكرامة والازدهار والتنمية. إن الحكم الذاتي ليس نظرية، بل ممارسة حقيقية لتوزيع المسؤولية بين المركز والجهة، ليصبح المواطن شريكا حقيقيا في صنع مستقبله.
لقد فهم المغرب أن القرن الحادي والعشرين لا يرحم من يكتفي بتدبير الأزمان، وراهن على التغيير، وهو واع بأن حدودنا يجب أن تتحول إلى فضاء للإبداع، والتقدم، والتعايش. لذلك انتقل الخطاب من “الوحدة الترابية كمسلمة” إلى “الوحدة التنموية كهدف وطني”، حيث يصبح لكل صحراوي مغربي صوت، ولكل طفل حلم ووطن. فالحكم الذاتي المغربي فلسفة وتجربة... وهذا النموذج الفريد، هو خليط من العقلانية والاستراتيجية والوحدة داخل التنوع، حيث الحفاظ على النسيج الوطني الموحد كإطار جامع لكل المغاربة رهان أساس مع الاعتراف بالتنوع المحلي كقوة للتفعيل والابتكار لتحقيق التكامل التنموي كهدف وطني استراتيجي
فعلى صعيد المؤسسات، يضمن النموذج الذي نترافع عنه بقاء القرارات الاستراتيجية في أيدي المركز، بينما تتولى الهيئات المحلية إدارة شؤونها اليومية، من تنمية وبنية تحتية وخدمات، وفق رؤية وطنية موحدة. اقتصاديا... ليتحول الخطاب التنموي من المركزية البائدة إلى الشراكة الحقيقية، وهذا خيار اختاره المغرب دستوريا، وارتضاه شعبيا،لتصبح الصحراء قاطرة للثروة الوطنية، لا مجرد متلق للتضامن، وليست صحراء الصراع المفتعل، بل صحراء الوحدة والكرامة.
توقيت المبادرة جاء متسقا مع تحولات كبرى في النظام الدولي، كتعددية القوى، وصعود النماذج الإقليمية، وإعادة تعريف السيادة من مجرد حدود إلى مسؤولية مشتركة. المغرب نجح في تحويل التحدي إلى فرصة، والأزمة إلى إنجاز دبلوماسي، ليصبح نموذج الحكم اللامركزي المغربي مثالا يحتذى به في العالم.
من التجارب الدولية نهل تصوره لكن بلمسة وخصوصية مغربية راقية ومتطورة، فرغم استلهام المغرب للتجارب الدولية، لم يكن مجرد نقلد ناسخ أعمى. فالمرونة الإسبانية، واستقرار النموذج البريطاني، وابتكار النموذج الكندي، كلها مصادر إلهام، لكن المغرب أضاف لمسته الخاصة: فهم الواقع التاريخي والسياسي، واحتضان خصوصية نظامه، ليصنع نموذجا مغربيا أصيلا، يليق بتاريخ المملكة وعراقتها.
نعلم أكيدا ، أن الطريق ليس سهلا. فهناك تحديات تحتاج إلى حكمة وصبر، كبناء الثقة بين المركز والجهة، والموازنة بين الخصوصية والانتماء للوطن، مع إدارة الانتقال من الواقع الحالي إلى الحكم الذاتي بتطوير القدرات المحلية لإدارة الشؤون الذاتية.
لكن المغرب مستعد. لذلك، يتضمن النموذج أدوات عملية: فترة انتقالية مدروسة، برامج تدريبية مكثفة، تقييم مستمر، وحوار دائم، ليصبح كل قرار نجاحا يلمس حياة الناس ويزيد من قوة الوطن.
لهذا الصحراء.. أمل مغربي متجدد...فالحكم الذاتي ليس مجرد مشروع سياسي، بل مشروع حضاري ووطني، يعيد صياغة العلاقة بين المركز والجهات، ويؤكد أن الوحدة الوطنية لا تتناقض مع الخصوصيات المحلية. إنه “عقد مغربي جديد”، يقوم على الوحدة في التنوع والسيادة بالتشارك والهوية في التعدد، وهذا خيار دستوري.
إن كل خطوة نحو هذا النموذج هي تأكيد على أن المغرب لا يكتفي بالتدبير لأزمة مفتعلو، بل يبدع في البناء، لا يتراجع أمام التحديات، بل يحولها إلى فرص. الصحراء اليوم ليست مجرد أرض، بل رؤية عقلانية مغربية، تصنع من الجغرافيا مصدر شراكة ووحدة في درب الحرية والكرامة ومن التاريخ مرجعية قوية للهوية والوحدة داخل التعدد. الطرح المغربي درس لكل من يريد أن يتعلم كيف تتحول الأزمات إلى شراكات، والصراعات إلى جسور للتنمية والعيش المشترك.
إن نموذج الحكم الذاتي للمغرب يمثل انتصار الإرادة الوطنية على كل العقبات، انتصار الأمل على اليأس، وانتصار المستقبل على الماضي. الصحراء المغربية اليوم فضاء للعيش المشترك والازدهار المتبادل، وصوت كل مغربي ومغربية في صنع وطنهم. المغرب لا يدافع عن أرضه فحسب، بل يبدع نموذجا عالميا في السيادة المسؤولة، وفي القدرة على تحويل الأزمات إلى فرص، والحدود إلى جسور، والخصومات المفتعلة إلى شراكات.
هذا هو المغرب الذي نعرفه: يقف شامخا أمام التحديات، يكتب التاريخ بيديه، ويمنح العالم درسا في الحكمة السياسية، وفي قدرة الإنسان على تحويل الصعاب إلى مستقبل مشرق. الصحراء المغربية ليست مجرد قطعة من جغرافيا المغرب ، بل عمق تاريخي مغربي والحكم الذاتي صناعة للأمل.
خالد أخازي، كاتب وإعلامي