استقبل عدد مهم من المواطنين والفاعلين المدنيين بارتياح كبير خطوة فتح مكوّنات الإدارة الترابية، تبعا للتعليمات الملكية، لقنوات التواصل الجماعي، من أجل الاستماع لمشاكل المغاربة وانتظاراتهم المتعلقة بالتنمية والعراقيل التي تحول دون تحقيقها بالنسبة لهم في مجالات متعددة، كما هو الحال بالنسبة للصحة والشغل والماء وغيرها، ولتقديم حلول يرون بأن في تطبيقها قطع الطريق أمام سنوات التسويف والمماطلة التي حرمتهم من ثمار السياسيات العمومية التي لم يتمكنوا من قطفها.
هذه الخطوة الإيجابية في فلسفتها طرح تنزيلها عددا من علامات الاستفهام، لأن بعض الإدارات الترابية، حوّلتها وبكل أسف إلى جلسات فلكلورية على غرار ما عرفته برامج سابقة، التي بالرغم من قوتها وأهميتها تم تفريغها من محتواها أو اختزلت في شعارات عابرة حتى لم يعد لها صدى. بعض هذه الأسئلة مرتبط بموقع المجالس الترابية ومنتخبيها، الذين منهم من هم سبب رئيسي في هذه الأزمة والمعضلة، من خلال تدبير ضعيف للشأن المحلي أو مخالف للانتظارات والاحتياجات المحلية، وبالتالي كان حضور برلمانيين ورؤساء جماعات ومنتخبين إما شكليا، وفي هذا الأمر نقاش مرتبط بالشرعية الديمقراطية، أو "فعليا" وهنا يطرح الشقّ المتعلق بهامش المسؤولية وأسئلة المحاسبة عن التقصير الذي أدى إلى حدوث الخلل، الذي دفع مواطنين في مناطق مختلفة للخروج والاحتجاج في مسيرات، بعضها كان بتأطير نسائي 100 في المئة، وهنا يمكن استحضار ما وقع في فكيك وفي إقليم خنيفرة، ثم على مستوى وزان وإقليم أزيلال وغيرها من المناطق الأخرى التي كان الاحتجاج فيها شبابيا.
وبالعودة إلى هذه الجلسات التي تحوّل بعضها إلى ما يشبه "الموسم" من حيث الفوضى وغياب التنظيم واعتماد البهرجة لالتقاط الصور وغيرها من الأهداف البعيدة كل البعد عن فلسفة إطلاق هذا المسلسل التشاوري، نجد أن في تغييب الفاعل الحزبي، وأعني به الهيئات السياسية جهويا وإقليميا ومحليا، من جهة، وانتقاء ممثلي جمعيات بعينها من جهة ثانية، بهدف توجيه كل نقاش وضمان ألا يعود على المسؤولين المحليين بـ "العواقب"، هو يفرغ كل نقاش إيجابي وحقيقي من محتواه، ويجعل من هذه جلسات الاستماع هاته عبارة عن لقاءات شكلية، كما هو الحال بالنسبة كذلك لتقنين التدخلات باعتماد "الكرونو" وتمكين المتدخل من توقيت لا يتجاوز 30 ثانية، لمناقشة ملفات جد ثقيلة أثّرت على حياة الساكنة وجودتها في كثير من المناطق.
وفي شقّ آخر، يُطرح سؤال عريض كذلك، حول إذا ما لم يكن من المفيد أن يكون هذا النقاش "الاحتفالي" الذي شهدته بعض مقرات الولايات تتويجا لما ستحتضنه مقرات عمالات المقاطعات نموذجا من نقاشات، وذلك حتى يتسنى في نهاية المطاف تقديم الخلاصات والتوصيات التي تم تجميعها، والتي من شأنها تقديم فكرة تقنية عن الأشواط التي تم قطعها، عدد الجلسات، طبيعة المشاركين، عدد المقترحات، نوعية البرامج التي تم التقدم بها كبدائل، عدد تلك التي تم اعتمادها في ختام الورشات التشاورية، لكي يكون كل برنامج تم اعتماده هو نتاج إشراك فعلي لكل الفاعلين والمكونات، الحزبية والجمعوية، وكل المواطنين الذين يرون بأنه يمكن لهم أن يساهموا بشكل إيجابي في هذا المسار التشاورية، من أجل برامج تترجم انتظاراتهم واحتياجاتهم؟