زكرياء العمري، منسق جهة بني ملال ـ خنيفرة لجمعية الشعلة في حوار لجريدة "أنفاس بريس" مع زكرياء العمري، وهو بالمناسبة منسق جهة بني ملال ـ خنيفرة لجمعية الشعلة للتربية والثقافة، حيث وجه رسالة للشباب أكد من خلالها أن "شباب اليوم هم المستقبل. ليسوا على الهامش كما يعتقد البعض، هم في المركز، وهم ليسوا انعكاسا للمشاكل، بل إمكانية للحلول والمستقبل". ودعا زكرياء العمري الشباب المغربي إلى "التفكير، في الحلم، وفي الفعل، إلى الانخراط، إلى الترافع، إلى تحويل القلق إلى مشروع، والغضب إلى قوة اقتراحية" وشدد منسق جهة بني ملال ـ خنيفرة على أن الشباب قادر على أن "يفتح مسارا طويلا سينتهي بمحطة كبرى، وهي المنتدى الوطني للشباب" على اعتبار أنه "لحظة تعيد رسم علاقة جديدة بين الشباب والجهات، وبين الفعل الجمعوي والسياسات العمومية." وأضاف قائلا: "إنهم الجيل الذي يستطيع أن يحوّل هشاشة المجال إلى قوة، وأن يزرع في الأطلس معنى جديدا للعيش المشترك".
ـ كيف ترون اللقاء الجهوي للشباب؟
من موقع مسؤوليتي داخل جهة بني ملال ـ خنيفرة، أستطيع القول إن هذا اللقاء لم يكن مجرد موعد تنظيمي أو محطة عابرة داخل أجندة جمعية الشعلة، بقدر ما شكل لحظة فكرية واجتماعية فارقة، لحظة تكثفت داخلها الأسئلة الكبرى للشباب ومعنى وجودهم في جهة تتقاطع فيها هشاشة المجال مع قوة التاريخ وإرادة التغيير. باعتبار أن الجهة ليست مجرد حدودا جغرافية، بقدر ما هي نسق اجتماعي وثقافي تتفاعل داخله التحولات القيمية مع ضغوط التنمية وتوترات اليومي الذي يعيشه الشباب بين الحاجة إلى الاعتراف وطلب الفعل.
لقد كان واضحًا منذ البداية أنّ جهة بني ملال ـ خنيفرة تحمل خصوصيتها؛ فهي فضاء يختبر فيه الشباب يوميا التفاصيل القاسية للتحولات البيئية، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية... ندرة المياه لم تعد مجرد معطى تقني، بل أصبحت سؤالًا عن الحق في البقاء. الفوارق المجالية ليست رقما، بل تجربة يومية للفتيات والأطفال والشباب الذين يبحثون عن طريق في عالم متسارع. محدودية البنيات الثقافية ليست خصاصا بنيويا فقط، بل نقصا في الهواء الذي يتنفسه الإبداع الإنساني.
ولعل الدافع الأساسي لعقد هذا اللقاء كان إدراكنا العميق بأن الفضاء العمومي داخل الجهة يحتاج إلى إعادة تشكل، كما يحتاج إلى صوت جديد، عقل جديد، ووعي جديد. وعي يخرج من ضيق ردود الفعل إلى سعة الفعل المؤثر. لذلك راهنا على أن يكون هذا اللقاء مختبرا فكريا لاستنبات وعي شبابي قادر على المساهمة في صياغة المشاريع التنموية الترابية ومشاركا في صياغة الوثيقة الوطنية للمنتدى الوطني للشباب، ورافعة لتجديد علاقة الشباب بالسياسات العمومية، من موقع الشريك لا من موقع المتلقي السلبي.
ـ كيف كانت دينامية الأيام الثلاثة؟
البداية كانت مؤشرا قويا، فمنذ الجلسة الافتتاحية التي أطرها الأخ مصطفى الحويدك والأستاذة نجاة أوزينة، لمسنا أن الشباب لم يأتوا بحثا عن خطاب تبريري أو شعارات معلبة؛ كانوا يطالبون بواقعية، بعمق، بصدق سياسي وفكري. ولذلك ركزت الجلسة الأولى على تحليل السياقات الوطنية والرهانات الفكرية والتنظيمية، مما جعل المشاركين يشعرون بأنهم داخل مشروع وطني، وليسوا مجرد حضور داخل نشاط مناسبتي وأن الخيارات الكبرى لجمعية الشعلة تراهن على الاستثمار في الرأس المال البشري باعتباره ثروة وطنية قادرة على الارتقاء بالمجتمع.
لاحقا تحول اللقاء إلى حركة تفكير جماعية من خلال الورشات الأربع.
في الورشة الأولى التي قادتها الأستاذة نجاة حضار، كان سؤال المشاركة المواطِنة محورا جوهريا. لم نتحدث عن الانخراط كعملية إدارية أو تنظيمية، بل كفعل وجودي يعيد تشكيل علاقة الفرد بالجماعة وبذاته. لقد أدرك الشباب أن الانتماء إلى جمعية، حزب أو نقابة ليس امتثالا، بل تمرين على الحرية، وركيزة في بناء شخصية فاعلة. وهنا ظهر بجلاء دور جمعية الشعلة التي ظلت منذ خمسين سنة مدرسة تربوية تكوّن الأطفال والشباب على قيم النقد، الحرية، الحوار، والمشاركة المواطنة.
أما الورشة الثانية للأستاذة أوزينة فقد كانت تمرينا في استعادة معنى الفرص. اكتشف الشباب أن الجهة ليست فقط خارطة للتحديات، بل أيضا معبرا للإمكانات والفرص المتاحة كالفلاحة الواعدة، الاقتصاد الاجتماعي، السياحة الجبلية، الطاقات المتجددة والصناعة الرقمية والثقافية...والأهم أنّ الجهة متعطشة لثقافة جديدة تدخل الفن، القراءة، الحوار، والوعي المدني إلى أحيائها ومدنها وقراها.
في الورشة الثالثة بقيادة الأخ مصطفى الحويدك، لم يكن النقاش تنظيميًا فقط، بل كان أشبه ببناء رؤية جماعية حول الأنشطة الجهوية الكبرى للشعلة. هنا ظهر بجلاء أن العمل الجمعوي يشكل فضاء واعدا لبناء المعنى، وخلق لمسارات جديدة للتعبير الذاتي والجماعي. وقد جمع النقاش بين التربية والثقافة والفن كأدوات للتعبير الحر ولبناء مجتمع منفتح، ديمقراطي، ومتجدد.
أما الورشة الرابعة للأستاذة شيماء الجوهري فقد كانت الأكثر شاعرية وألما في آن واحد، هنا تحدث الشباب عن جراحهم اليومية: الفقر، البطالة، هشاشة الخدمات، ضيق الآفاق… لكنهم تحدثوا أيضا عن إرادتهم الصلبة، عن قدرتهم على تحويل الألم إلى مشروع، واللايقين إلى أفق. ظهرت اللغة الشبابية بعمق حين بدأ الشباب يتساءلون عن معنى العيش المشترك، عن العدالة المجالية، عن موقع الذات داخل منظومة اجتماعية لا تزال في طور التشكل.
وفي المساء، كانت ندوة "الشباب المغربي ورهانات المستقبل" محطة لتأمل السؤال الأكبر: كيف نبني مصيرا مشتركا في زمن سريع التحول؟ كيف نعيد صياغة العلاقة بين الشباب والدولة؟ كيف ننتقل من الزمن الإنشائي إلى زمن الفعل؟
ـ ما أبرز حاجيات الشباب؟
تبيّن لنا خلال النقاشات أنّ حاجيات الشباب ليست مجرد مطالب فئوية، بل تصورات وجودية متكاملة حول الحياة والعدالة والفرص. يمكن النظر إليها ضمن ثلاثة مستويات مترابطة:
1 ـ الحاجيات الإقتصادية :
لم يكن مطلب الشغل مجرد بحث عن مورد رزق، بل بحث عن الكرامة، عن موطئ قدم داخل اقتصاد متغير. شباب بني ملال وخريبكة وواد زم كانوا أكثر تركيزًا على الصناعة والتجارة، فيما كان شباب خنيفرة ومريرت يطمحون إلى نماذج اقتصادية جديدة تحوّل الفلاحة التقليدية والخدمات إلى مشاريع حياة.
2 ـ الحاجيات الاجتماعية والمجالية :
الجهة تعاني فقرا بنيويا في البنيات الثقافية والرياضية. هذا الخصاص جعل الشباب يشعرون بأن الفضاء العمومي مغلق أمامهم أو غير معدّ لطاقاتهم. لم يطالب الشباب بملاعب وقاعات فقط، بل طالبوا بمساحة للاعتراف، وكأنهم يقولون: نحتاج إلى فضاءات نمارس فيها وجودنا.
3 ـ الحاجيات السياسية والمواطِنة :
برز وعي قيمي جديد لدى الشباب: أن التنمية لا تصنع بدون مشاركتهم، وأن الديمقراطية التشاركية ليست امتيازا بل حقا دستوريا تؤطره قوانين تنظيمية فالشباب يريدون أن يصبحوا شركاء في القرار، لا مجرد أرقام ضمن تقارير رسمية. كان واضحا أن الجيل الجديد لا يريد أن يعيش خارج السياسة، بل يريد أن يعيد تعريفها.
ـ هل كان للبيئة أثر في نقاشات وتفاعلات الشباب؟
بشكل غير متوقع، ظهر الوعي البيئي كأحد أقوى محاور اللقاء. ندرة المياه تحولت من موضوع تقني إلى سؤال أخلاقي حول مستقبل العيش في الجهة. الشباب تحدثوا بحدة وعمق عن كيف يمكن الحديث عن التنمية بلا ماء؟ كيف نتحدث عن الاستثمار إن لم نضمن أساس الحياة؟ لقد أدرك الشباب أن الأزمة البيئية ليست مسألة مناخ فقط، بل مسألة عدالة، اقتصاد، وهجرة حين يتحوّل الجفاف إلى محرّك للهجرة القروية، متسببا في تفكيك البنى الاجتماعية و الاقتصادية...ولذلك عبّر الشباب عن ضرورة إدماج البيئة في كل السياسات والبرامج التنموية هذا التحول يُظهر أن الجيل الجديد يدرك الترابط العميق بين الإنسان والمجال، بين الطبيعة والمصير.
ـ كيف تعاملت الشعلة مع مخرجات اللقاء؟
جمعية الشعلة اختارت منذ سنوات الانتقال من ثقافة النشاط إلى ثقافة التأثير. لذلك لم نتعامل مع اللقاء كحدث ينتهي بانتهاء الأيام الثلاثة. كل ورشة أنتجت خلاصات دقيقة، والأهم أنها أنتجت أحاسيس وأفكار قيمة. نعمل اليوم على تحويل هذه الأفكار إلى ملفات ترافعيه رصينة تعرض داخل المنتدى الوطني للشباب، بهدف الترافع والتأثير في السياسات العمومية والمشاريع التنموية الوطنية والجهوية والمحلية. إنّ هذا التحول الفكري والتنظيمي يعبّر عن إرادة عميقة: أن تصبح الشعلة مختبرا لإنتاج المعرفة والسياسات، لا مجرد فضاء للتنشيط. نريد أن يكون الشباب جزءًا من هندسة القرار، لا موضوعًا له.
ـ كيف كان دور الشركاء المؤسساتيين؟
إن الدعم الذي تلقيناه من وزارة الشباب والثقافة والتواصل والمديرية الجهوية والإقليمية لقطاع الشباب كان مشجعا، وهذا الانخراط يدل على أن كلما كانت الدولة من خلال قطاعاتها ومصالحها اللاممركزة تدرك ضرورة بناء علاقة جديدة مع الشباب، علاقة أساسها الثقة والتنسيق والوعي وأن قضايا الشباب ليست شأنا جمعويا فقط، بل شأنا وطنيا بامتياز. كلما كانت الشراكة منتجة ومحفزة على الفعل والعطاء والتواصل. لقد حولت إرادة ومشاركة الشباب الفضاء إلى مراكز للتفكير، الإنتاج، التكوين، والنقاش، لا مجرد بنايات إدارية جامدة.
ـ ما رسالتكم للشباب؟
رسالتي للشباب بسيطة وعميقة في نفس الوقت، شباب اليوم هم المستقبل ليسوا على الهامش كما يعتقد البعض، هم في المركز، وهم ليسوا انعكاسا للمشاكل، بل إمكانية للحلول والمستقبل، ليس زمنا سيأتي من الخارج، بل زمن يعيدون صناعته. أدعوهم للثبات في السؤال، في التفكير، في الحلم، وفي الفعل. أدعوهم إلى الانخراط، إلى الترافع، إلى تحويل القلق إلى مشروع، والغضب إلى قوة اقتراحية. نحن نفتح معا مسارا طويلا سينتهي بمحطة كبرى: المنتدى الوطني للشباب. نريده أن يكون لحظة تعيد رسم علاقة جديدة بين الشباب والجهات، وبين الفعل الجمعوي والسياسات العمومية. إنهم الجيل الذي يستطيع أن يحوّل هشاشة المجال إلى قوة، وأن يزرع في الأطلس معنى جديدا للعيش المشترك.