في لحظة يبدو فيها المشهد التعليمي على حافة الانفجار، تتقدم الأسئلة القاسية إلى الواجهة: إلى أي حد ستظل النقابات تراقب عبث الوزارة من مقاعد الانتظار؟ وهل تملك ما يكفي من الجرأة لتقف، أخيرًا، وتصرخ في وجه برادة: "كفى تحايلاً… كفى كذبًا"؟ بدءا من تصريحاته تحت قبة البرلمان وتفننه في مسخ الاتفاقيات، ووقوفا عند تخريجته العجائبية للمادة 89، أما المادة 81 فقد صارت حلما في الكرى.
فالقضية اليوم لم تعد مجرد خلاف اجتماعي ظرفي، بل صارت اختبارًا مباشرًا لهيبة النقابات وقدرتها الفعلية على حماية قواعدها من تلاعبات تقنية تُفرغ النصوص من أرواحها... وقيم التفاوض وأخلاقيات اللالتزام على المحك... وعدم اطلاع النقابات على ملف إحالة استرجاع المبالغ المقتطعة على الأكاديميات، يسائل وعيهم النقابي ومدى قدرتهم على التفاوض التفصيلي.
تقول الوقائع إن الوزير استطاع تمرير «تخريجة» محكمة لمسخ المادة 89، حين اكتفى بإحالتها على الأكاديميات، تاركًا لها مهمة تدبير واحد من أكثر الملفات حساسية: استرجاع الاقتطاعات السريالية. تلك الاقتطاعات التي تحوّلت إلى واحدة من غرائب وزارة برادة، حيث أصبحت الترقية مرادفًا للاقتطاع… معادلة لا تحدث إلا في الإدارات التي تُتقن تحويل الحقوق إلى عبء مالي على أصحابها.
والأدهى أن من استعادوا جزءًا من تلك الاقتطاعات اكتشفوا بأن المبالغ خضعت للضريبة، وكأن برادة يقول للمتضرّر: "نعيد لك ما أخذناه ظلمًا… ثم نقتطع من المُعاد!"
هنا تخرج رائحة الاشتباه إلى السطح: هل نحن أمام تحايل مالي مقنّع؟ أم أمام تزوير إداري مغلف بالمساطر؟
فما الذي يسمح، منطقيًا أو قانونيًا، بإخضاع المبالغ المسترجعة للضريبة، إلا إذا تمّ تقديمها في صيغة تعويضات وهمية أو مهام مصطنعة تُمكّن الأكاديميات من إيجاد «مخرج تقني» لدى خبراء لقجع؟
ولأن الملفّ يلامس شبهة تزوير وصرف أموال خارج الإطار القانوني، فمن الطبيعي أن نجد الأكاديميات إلى اليوم عاجزة عن إيجاد حلّ للمتقاعدين. فكيف ستبرّر صرف تعويض لشخص لا مهام له أصلًا؟...وهذه النقطة وحدها كافية لإسقاط كل التخريجة من أساسها... ومساءلة " الآمر بالصرف" عن شرعية المسطرة.
يبقى السؤال الأكثر إرباكًا للنقابات الخمس:
هل ستعترف بأنها وقعت في المحظور حين وافقت على مناورة الوزير؟ تلك المناورة التي لم تُفعّل يومًا جوهر المادة 89، ولم تحترم أجرأتها ، ولم تُلزم الوزارة بأي حلّ مركزي ملزم وواضح.
هل ستعيد النقابات فتح المادة على طاولة الحوار؟
هل ستحاسب الوزير أخلاقيًا على مكره التدبيري التفاوضي؟ ولأن برادة لا يتقن مكر الوزارة، فالذي أفتى هذه التخريجة لابد أنه يتقن لعبة قديمة للوزارة" عد... ولا تعط...دبر... ولا تتورط..."
وهل ستجاهر أخيرًا بأن الحل مركزي وليس أكاديميًا، وأن تحويل الملف إلى الأكاديميات ليس سوى التفاف على القانون وروح النص وبمكر وربما فيه شبة تزييف للمعطيات؟
هل تمتلك الجرأة لطلب تدقيق شامل في كيفية صرف الأكاديميات لتلك المبالغ؟ فالافتحاص والتحقيق من شأنهما كشف فضيحة كبرى... إذ السؤال القاتل: هو ما السند القانوني الذي استندت إليه وزارة برادة في هذه التخريجة التي نشم فيها التدليس؟ وبأي منطق تمّ إخضاع أموال مسترجعة للضريبة؟
وهل ستكشف الأكاديميات معطيات دقيقة حول هذه العمليات المالية، أم أننا أمام شبهة تزييف تتضخم كلما طال الصمت؟
في النهاية، الأسئلة ثقيلة، والملفات مفتوحة، والصمت آخذ في الاتساع.
وما لم تُقدم النقابات على المواجهة، سيظلّ الضحايا الحلقة الأضعف…
وسيبقى برادة يربح جولة تلو أخرى، مستفيدًا من فراغ الجرأة، ذلك الفراغ الذي كان يفترض أن تملأه النقابات أولًا.