تُعد المخيمات التربوية من أهم الأنشطة التي تؤدي أدوارًا في التعلم والتثقيف والترويح عن النفس، إذ توفر للأطفال والشباب فرصًا للتعلم من خلال الممارسة، وتنمية المهارات الحياتية، وترسيخ قيم المواطنة والمسؤولية، فهي ليست مجرد أنشطة تختزل في الترفيه فقط، بل فضاءات للتنشئة الاجتماعية وبناء الشخصية المتوازنة، بما ينسجم مع الرؤية الوطنية الرامية إلى جعل الوقت الحر مؤسسة ومجالًا مكملًا لدور الأسرة والمدرسة، وأيضا فضاء لتعزيز التنمية البشرية المستدامة.
وفي هذا السياق، يشكل البرنامج الوطني للتخييم التربوي إحدى السياسات العمومية الأساسية الموجهة للطفولة والشباب، لما يتضمنه من رصيد تاريخي ومجتمعي، ولما يتيحه من فرص للتكوين والتربية والاندماج الاجتماعي. غير أن هذه المنظومة تواجه اليوم تحديات بنيوية وتربوية وتنظيمية تستدعي إصلاحًا عميقًا وشاملًا على مستوى الرؤية والهيكلة والحكامة، حتى يصبح التخييم سياسة عمومية مستدامة لا نشاطًا موسميا.
وانطلاقًا من تاريخها النضالي التراكمي وإسهامها الفاعل في كل المحطات التشاورية والتنسيقية، بدءًا من الاجتماعات التنسيقية والتحضيرية واللجنة الوطنية للتخييم، ووصولًا إلى كافة المناظرات السابقة والمنتدى الوطني للتخييم، تقدم حركة الطفولة الشعبية هذا المقترح للمناظرة الوطنية حول التخييم، والذي تتوخى من خلاله المساهمة بأفكارها في سياق الإصلاح المنشود، مع اظهار تصورها التربوي ورؤيتها لأنشطة المخيمات التي نتطلع اليها في إغناء النقاش الذي نتمناه هادفًا لتنظيم وتطوير قطاع المخيمات التربوية ومؤسسات استقبال الأطفال والشباب بصفة عامة. وكنا نتمناه مبنيًا على تقييم منهجي للقرارات والتوصيات السابقة للقطاع، وتشخيص موضوعي لحالة المخيمات كمؤسسة مجتمعية.
هذا المقترح هو خلاصة لتجربة ميدانية تراكمية ورؤية تربوية تنطلق من ضرورة العمل على ضمان حق جميع الأطفال في عطلة جماعية هادفة وآمنة.
المخيمات ورهان التحديث: أية مخيمات نريد؟
في علاقة التصور الوطني العام للسياسة العمومية مع أولويات جغرافية القرب، وحاجيات الأطفال والشباب المجالية الجهوية والمحلية، يمكن مقاربة هذا الموضوع من خلال طرح الأسئلة التالية:
أية مخيمات نريد تتقاطع مع الرهانات التربوية الحالية التي تجد في أنشطة المخيمات فرصة متميزة معززة لغرس القيم والتربية عليها؟
كيف يمكن إعادة تركيز صورة أنشطة المخيمات على الجوانب التربوية، وخاصة على القيم التي توجه المشاريع التربوية؟
ما هي الوسائل المادية والبشرية لتحقيق هذه الغاية؟
هذه أسئلة شغلت كل الشركاء من منظمات وجمعيات تربوية وقطاعات حكومية وجماعات منتخبة، لجعل هذه العطلة مفيدة وفق أجواء وظروف جيدة، وبمضمون تربوي يعكس القيم والسلوكات الإيجابية التي تترجمها المخرجات الحقيقية للفعل التنشيطي داخل المخيمات، وفي مقدمتها تعزيز قيم المواطنة والاختيار.
تشخيص مختصر للوضع الراهن
يعرف قطاع التخييم التربوي مجموعة من الاختلالات التي تحد من فاعليته التربوية والتنموية، من أبرزها:
غياب رؤية استراتيجية تربط التخييم بالتنمية البشرية المستدامة.
هشاشة البنيات التحتية وضعف العدالة المجالية في توزيع مراكز التخييم.
تفاوت مستوى التأطير وضعف مأسسة مهنة المنشط التربوي.
قصور في الحكامة وتدبير الشراكات بين الدولة والمجتمع المدني والجماعات الترابية والقطاع الخاص.
غياب نظام وطني لتقييم الأثر التربوي والاجتماعي للمخيمات.
ضعف الصورة الذهنية للتخييم في الوعي العام والإعلام الوطني.
3. مقترح التوجهات الإصلاحية الكبرى
أ. جعل التخييم استثمارًا تربويًا وتنمويًا
إدماج التخييم في صلب السياسات العمومية للطفولة والشباب كأداة لبناء القيم والمواطنة.
إعداد دليل وطني موحد للبرامج التربوية يراعي حاجيات الأجيال الجديدة في ظل التحول الرقمي.
ب. إصلاح منظومة التكوين والتأطير
وفي هذا السياق تتبنى حركة الطفولة الشعبية في إطار رؤيتها التربوية مقترح التربية الجديدة أي احتضان فعل التنشيط السوسيوتربوي في مجمل العمليات التربوية والتعليمية، من خلال خلق بيئة ديناميكية ترسخ الثقافة القيمية، عبر الأنشطة التعويضية: القيم الجمالية، الوظائف الإبداعية، علاقات التبادل بين الأفراد، الحياة داخل الجماعات. وتسعى إلى تحقيق التربية من أجل التضامن والمواطنة ومزيد من العدالة الاجتماعية.
ولا يمكن لمعايير التجديد أن تحقق هذا المبتغى إلا إذا شملت بشكل نسقي جميع مكونات العملية التنشيطية بالمخيمات في ارتباطها بالمنظومة التربوية، من مناهج تنشيطية وبنية التنشيط والمنشطين والإدارة التربوية.
والحكامة التربوية، على أن تكون غايتها توفير الظروف الملائمة لتنشيط الأطفال وفق قواعد سليمة وقوانين معيارية مطلوبة. كما يتطلب تحديد الأهداف والمهام بوضوح، وضبط المرتكزات المتعلقة بالتكوين في مجال التنشيط السوسيو تربوي بالمخيمات ومجالاته، وتقنين مجال أنشطة الوقت الحر، وصياغة تدابير واقعية قابلة للتطبيق. ونعتبر ان إعداد المكونين هو العنصر الأساسي في عملية تطوير وتنمية العرض التنشيطي، وتكوين المنشطين من أجل نقل المعرفة المتعلقة بالنشاط السوسيوتربوي. في هذا الصدد، ينبغي إيلاء أهمية خاصة لتصميم وتنظيم التكوين، مع التفكير في تدريب المكونين ضمن رؤية شاملة تراعي ما يلي:
اعتماد ميثاق وطني للمنشط التربوي يحدد الكفاءات والمعايير المهنية.
إحداث مسار أكاديمي ومهني في التنشيط السوسيوتربوي بشراكة مع الجامعات.
رقمنة التكوين عبر منصة وطنية تمنح شواهد رقمية معترف بها.
4. ترسيخ حكامة تشاركية
إرساء مجلس وطني للتخييم كفضاء للتنسيق بين الفاعلين العموميين والجمعويين.
اعتماد عقد-برنامج نموذجي لتدبير المخيمات على أساس الشفافية والمساءلة.
توجيه الدعم العمومي للجمعيات وفق معايير الجودة والنجاعة.
5. تطوير البنية التحتية والتمويل
أ. البنية التحتية والشبكة التخييمية:
تدهور وتقادم العديد من المراكز، وعدم مواءمة بعضها للمعايير الحديثة غير المضبوطة وغير المقننة إلى الآن، مع وجود خلل في العدالة المجالية في توزيعها بين الجهات. حيث تعاني فئة عريضة من الأطفال، خاصة في الأقاليم النائية والأوساط القروية، من غياب الفرص للاستفادة من المخيمات الصيفية التربوية، إما لعدم وجود بنيات استقبال أو بسبب ضعف دعم الجمعيات في مصاريف المشاركة في المخيمات التي تقام خارج تراب هذه الجماعات. ورغم أهمية المخيمات كأداة تربوية تثقيفية وترفيهية، فإن الاستفادة منها ما تزال محدودة وتعكس تفاوتًا مجاليًا واجتماعيًا صارخًا. لذا نقترح إطلاق مخطط وطني لبناء وتأهيل مراكز التخييم وفق مقاربة مجالية عادلة.
توسيع دائرة المستفيدين: إنه هدف من أهدافنا بتعميم المخيمات على الأطفال وبأقل تكلفة، لأنها حاجة مجتمعية وحل لمشكل العطل بالنسبة للأسر والعائلات، واستجابة لتكافؤ الفرص الذي تدعو له مجموع التنظيمات ذات التوجه الاجتماعي.
تنويع الفضاءات وتجويد القائم منها:
إن الإرث الاستعماري لم يتوسع بما يكفي للإجابة على الرغبات المتزايدة للأطفال والأسر، إلا بالقدر اليسير، مما حدا بالقطاع الخاص إلى ولوج قطاع المخيمات ولو بطريقة غير مدروسة وغير مرخصة وغير منظمة وغير مقننة. لذلك، يظل على عاتق الدولة مسؤولية إنشاء فضاءات أخرى وتأسيس مخيمات أخرى، وتجويد القائم منها هي مهمة ملقاة على جميع الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين. ففي غياب معايير قانونية تربوية محضة من جهة، وسياسة صيانة وتطوير وتنظيمات رقابية ملائمة، تراجعت أحوال المخيمات وتدهورت حالاتها، مما دفع بالمكون الجمعوي في مناظرة 1984 لطرح مقترح توقيف المخيمات مؤقتًا وتحويل كافة الاعتمادات إلى اعتمادات إصلاح وصيانة وترميم، وتعبئة جمعيات الشباب للقيام بأوراش تطوعية للقيام بذلك (ومشروع إعادة هيكلة مخيم خرزوزة الذي تقوم به حركة الطفولة الشعبية منذ سنة 1988 يدخل ضمن هذا الإطار).
مقترحات:
إطلاق مخطط وطني لبناء وتأهيل مراكز التخييم وفق مقاربة مجالية عادلة.
توسيع دائرة المستفيدين وجعل المخيمات في متناول الجميع وبأقل تكلفة.
تنويع الفضاءات وتجويد القائم منها باعتبار أن الإرث الاستعماري لم يتوسع بما يكفي لتلبية الحاجيات المتزايدة.
تشجيع شراكات مبتكرة مع القطاع الخاص بمنطق “رابح رابح”.
إدراج إصلاح المخيمات في برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
إدماج الجماعات الترابية في تمويل وتهيئة فضاءات التخييم المحلية.
رقمنه تدبير الحجز والتغذية والنقل عبر بوابة وطنية موحدة.
ب. مدة التخييم:
نعتبر أن 21 يومًا كمدة للتخييم مكسب تم التراجع عنه، ويجب إعادة إقراره لما فيه من فوائد تربوية.
وتقترح حركة الطفولة الشعبية ثلاث مدد مختلفة حسب الفئات:
10 أيام لأقل من 10 سنوات،
15 يومًا لأكثر من 11 سنة،
21 يومًا لأكثر من 15 سنة.
ت. التغذية:
سُجل فشل تجربة التغذية عبر الممونين لابتعادها عن روح الحياة الجماعية، لذا يقترح اعتماد نظام “الخوالة” الذي يسمح بالتدبير المحلي المرن والفعال.
التدبير الإداري والمالي:
يقترح تدبير المخيم كمؤسسة مستقلة (SEGMA)، لضمان ديمومة واستمرارية المسؤولية، مع اعتماد نظام الخوالة كآلية اقتصادية وتنظيمية ناجعة.
6. تأطير قانوني وتنظيمي جديد
يشهد الإطار القانوني والتنظيمي تشتتًا في النصوص المنظمة لشروط التأسيس والتدبير، مما يستدعي مراجعة شاملة وتوحيدها لضمان حقوق المستفيدين وتحديد المسؤوليات بوضوح:
إعداد قانون إطار للتخييم التربوي يحدد الفاعلين وآليات المراقبة والتمويل
إعادة النظر في توزيع الأدوار بين الدولة والجمعيات والقطاع الخاص.
إعادة النظر في الوضعية القانونية للجامعة الوطنية للتخييم وتفويض اختصاصها بحكم القانون في اطار إعادة توزيع الأدوار بين الدولة كمنظم والفاعلين كذوي الحقوق
تحيين دليل المساطر الإدارية والتربوية وجعله مرجعًا وطنيًا موحدًا.
إدراج التخييم ضمن الخدمات العمومية ذات المنفعة الاجتماعية وضمان العدالة المجالية.
اعتماد خريطة وطنية للتخييم ونظام نقاط تفضيلي للفئات الهشة والمناطق القروية.
إطلاق نموذج “المخيم المتنقل” لتغطية المناطق غير المستفيدة.
7. تجديد الصورة الذهنية للتخييم
إطلاق حملة تواصل وطنية بعنوان “المخيم: مدرسة الحياة والمواطنة”.
دعم الإنتاج السمعي البصري حول المخيمات وتجارب الأطفال والشباب.
إنشاء منصة رقمية تفاعلية لتبادل التجارب والممارسات الفضلى.
8. ترسيخ ثقافة التقييم والمساءلة
اعتماد مؤشرات وطنية دقيقة لقياس الأثر التربوي والاجتماعي.
تنظيم منتدى سنوي لتقييم الحصيلة وتبادل المقترحات بين جميع الفاعلين.
9. الرهانات والنتائج المنتظرة
تحسين جودة التجربة التخييمية للأطفال والشباب.
الرفع من كفاءة الأطر والمنشطين وفق معايير مهنية حديثة.
تعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع المدني من خلال حكامة تشاركية.
تحقيق العدالة المجالية في الولوج إلى فضاءات التخييم.
جعل التخييم رافعة لبناء المواطن المغربي القادر على الإبداع والمسؤولية والعيش المشترك.
10. البدائل المقترحة للنهوض بالقطاع
مراجعة القوانين واستكمالها بما يضمن إشراف القطاع الحكومي الوصي على جميع المخيمات، بسن معايير ومساطر الإنشاء والتدبير والمراقبة.
إحداث الصندوق الوطني لإنعاش وتطوير المخيمات التربوية بتمويل مشترك (حكومي، خاص، مجتمعي).
تفعيل مبدأ “التخصيص” بوضع دفتر تحملات واضح للجمعيات المؤهلة لإصلاح وتسيير المخيمات.
ضمان العدالة المجالية من خلال خريطة وطنية للبنية التحتية، وتقريب الخدمة من الأطفال في المناطق النائية.
الشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في إطار مشروع “عطلة للجميع”.
اعتماد منهجية مدروسة لتكوين أطر التنشيط التربوي وضمان حقوق المنشطين ومكانتهم المهنية.
11. توصية عامة
إن إصلاح منظومة التخييم يتطلب الانتقال من منطق المناظرات الموسمية إلى تحول مؤسساتي ورقمي وتربوي متكامل يجعل من التخييم سياسة عمومية فعلية، وفضاءً دائمًا للتربية على المواطنة والابتكار والتعايش. فالمخيمات ليست فقط فسحة للترفيه، بل هي مدرسة للحياة تساهم في إعداد جيل مغربي منفتح، متوازن، ومتشبث بقيمه الوطنية والإنسانية.
تقدم حركة الطفولة الشعبية هذا المقترح وتوكد على استعدادها التام للمساهمة في كل أشكال العمل من أجل بلورة هذه الأفكار إلى إجراءات ملموسة على أرض الواقع، إن الهدف هو بناء سياسة عمومية منصفة ومستدامة للمخيمات، تجعل من الحق في العطلة حقيقة ملموسة لكل أطفال وشباب المغرب.