محمد بوبوش قبل صدور قرار مجلس الأمن رقم 2797 وفي خطوة غير معتادة على خطابها السياسي، أفادت جبهة بوليساريو بأنها مستعدة لتحمل ما أسمته "كلفة السلام" مع المغرب، ووافقت على العودة إلى طاولة المفاوضات.
وهذا التحول في نبرة الجبهة لا يمكن فصله عن واقع العزلة المتزايدة التي باتت تعيشها، بعد أن فشلت في الحفاظ على تحالفاتها القديمة، وتلاشى خطابها الانفصالي أمام الإجماع الدولي على مبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل واقعي ووحيد للنزاع.
وفي خطوة لافتة، كان زعيم الجبهة إبراهيم غالي قد بعث برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يؤكد فيها استعداد بوليساريو لتقاسم “فاتورة السلام” مع المغرب، في إشارة واضحة إلى قبولها بمبدأ التسوية بعد أن فقدت العديد من أوراقها ومجالاتها للمناورة وأصبحت تعيش عزلة خانقة بفعل تآكل الأطروحة الانفصالية.
وقد طرحت الجبهة فكرة " الارتباط الحر" The Compact of Free Association كأحد الخيارات لحل لـنزاع الصحراء، ويشبه في جوهره مقترح الحكم الذاتي المغربي. يهدف كلاهما إلى منح سكان المنطقة قدرًا كبيرًا من الحكم الذاتي مع بقاء بعض الروابط بالدولة المركزية، لكنهما يختلفان في تفاصيل مثل آلية الاختيار والسيادة.
فما المقصود بالارتباط الحر؟ وما المغزى من الإشارة إليه في وثيقة الجبهة؟ و ماهو الاختلاف بينه وبين الحكم الذاتي؟
أولا: تحديد المفهوم وأصوله النظرية والتاريخية
مرت السياسات الاستعمارية بفترات متميزة من حيث أهدافها ووسائلها إزاء البلدان المستعمرة كان في مقدمتها الإخضاع الذي استند تطبيقه إلى مركزية صارمة في إدارة شؤون المستعمرات، حيث تركزت السلطة في أيدي الموظفين المعينين من قبل الدول المستعمرة. وجاءت سياسة الإدماج كمرحلة ثانية في تطور السياسات الاستعمارية ارتكزت على الفكرة الاستعمارية القائلة بأن البلدان المستعمرة ما هي إلا امتداد "للدولة الأم" فيما وراء البحار. أما ثالث هذه المراحل فهي الاستقلال الذاتي وقد عنى بها منح المستعمرات إدارة شؤونها الذاتية وتحويل الرابطة الاستعمارية إلى علاقة اشتراك مع "دول الأصل" أو استقلال محدود بنطاق الاختصاصات الداخلية.
بتطور تطبيقات هذا النظام حصلت بعض هذه المستعمرات على صلاحيات تتجاوز نطاق الاستقلال الذاتي، بالذات في مجال الشؤون الخارجية، حيث حصلت بعضها على حق التفاوض وعقد الاتفاقيات التجارية في عام 1884 إلى جانب المفاوض البريطاني الذي احتفظ لنفسه بحق التوقيع. وفي تطور لاحق حصلت بعض هذه المستعمرات على حق الاشتراك في المؤتمرات المتعلقة بالمسائل الفنية والإدارية، وأثناء اشتراك قواتها في الحرب العالمية الأولى حصلت على حق عقد المعاهدات الدولية، حيث اشترك مندوبوها في التوقيع على معاهدات الصلح ودخلت عصبة الأمم باعتبارها متميزة عن الدولة الأم.
فما هو دور اتفاقية الارتباط الحر؟
ثانيا: الاختلاف بين "الحكم الذاتي" والارتباط الحر" وتباين الرؤى بين الطرفين
1- الحكم الذاتي: Autonomy/Self-Government
المفهوم:
مفهوم الحكم الذاتي في القانون الداخلي هو نظام قانوني وسياسي يرتكز على قواعد القانون الدستوري، وبتعبير آخر هو نظام لا مركزي، مبني على أساس الاعتراف لإقليم مميز قوميا أو عرقيا داخل الدولة بالاستقلال في إدارة شؤونه تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية. ولهذا فهو في نطاق القانون الداخلي أسلوب للحكم والإدارة في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة. وهو يعد حجر الأساس لتسوية قضايا التكامل وحل مسألة القوميات ومشكلات الجماعات العرقية داخل الدولة الواحدة. فهو إن كان يعد شكلا من أشكال النظم اللامركزية « Décentralisation »، إلا أنه لا يدخل ضمن أي نوع من أنواعها التي تعارف فقهاء القانون العام عليها، فالحكم الذاتي لا يرتقي إلى درجة الفيدرالية، ولا يهبط إلى مستوى اللامركزية الإقليمية.
من هنا جاء الاقتراح المغربي الهادف إلى منح الصحراويين حكمًا ذاتيًا موسعًا تحت السيادة المغربية.
الصلاحيات:
يشمل برلمانًا إقليميًا وحكومة محلية منتخبة بصلاحيات تشريعية وتنفيذية ومالية واسعة.
الاعتراف:
حصل على دعم دولي من عدة دول، ومن بعض أعضاء مجلس الأمن الدائمين، حيث يعتبره البعض حلاً واقعيًا وجديًا وذو مصداقية ويتطابق مع الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وهو ما أكده قرار مجلس الأمن رقم 2797 بتاريخ 31 أكتوبر 2025 بتأكيده على أن الحكم الذاتي هو الخيار الوحيد للتفاوض دون غيره.
2-الارتباط الحر: The Compact of Free Association
المفهوم:
الارتباط الحر هو أحد الخيارات الثلاثة التي تقدمها جبهة البوليساريو، إلى جانب الاستقلال والاندماج.
ومصطلح «الاتحاد الحر أو الارتباط الحر» لا يشير إلى نموذج ثابت، بل يشمل مجموعة من الترتيبات الوسيطة بين الاستقلال والاندماج,وقد. تناول الأستاذ Hurst Hannum, هذا الخيار بإيجاز في تقريره بعنوان «إمكانيات توسيع الحكم الذاتي لجزر فارو». Possibilities for Increased Faroese Autonomy .
كما أشار الأستاذ هانوم، لا تستخدم جميع ترتيبات الاتحاد الحر مصطلح «الاتحاد الحر» صراحةً في وثائقها التأسيسية. يُنشأ الاتحاد الحر عندما تُقيم دولتان غير متساويتين في القوة روابط طوعية ودائمة. تفوّض الدولة الأصغر – الشريك المرتبط – بعض المهام إلى الدولة الأقوى – الدولة الرئيسية – مع احتفاظها بوضعها الدولي الخاص.
ورغم أنها تتعلق بوضع قانوني بموجب القانون الدولي، إلا أنها ليست دولة كاملة. الدولة المرتبطة ليست موضوعًا للقانون الدولي بنفس الطريقة التي تكون بها الدولة ذات السيادة الكاملة لأنها تفتقر إلى السيطرة الكاملة على علاقاتها الدولية. ومن خصائصها:
السلطات المفوضة: تحافظ الدولة المرتبطة على الحكم الذاتي الداخلي ولكن تفوض وظائف خارجية كبيرة، مثل الدفاع والشؤون الخارجية، إلى دولة أخرى، غالبًا ما تكون القوة الاستعمارية السابقة
شكل من أشكال إنهاء الاستعمار: ظهرت هذه الفكرة من عملية إنهاء الاستعمار التي تجريها الأمم المتحدة وهي أرضية وسطى بين الاستقلال الكامل والاندماج في دولة أخرى.
وضع محدود للدولة: الدول المرتبطة لا تستوفي جميع المعايير اللازمة لصفة الدولة بموجب القانون الدولي، ولا سيما القدرة على إجراء العلاقات الخارجية بشكل مستقل.
الوضع الدولي: بينما لا تعترف بها بالكامل كدولة ذات سيادة، قد تُمنح الدولة المرتبطة بعض الشخصية الدولية والحماية بموجب القانون الدولي، حسب الاتفاق المحدد.
قد لا تكون تعريفات "خارجي" و"داخلي" بين الدولة المرتبطة والدولة الأم واضحة دائمًا، خاصة مع تزايد تشابك الدول في النظم التنظيمية على المستويين الإقليمي والدولي. ومع ذلك، من المتوقع أن تتمتع الدول المرتبطة بسيطرة على مجالات عدة مثل التعليم والضرائب والبنية التحتية. عادة ما تمتلك هذه الدول أنظمتها القضائية الخاصة التي لها السلطة النهائية في القضايا المحلية، على الرغم من أن بعضها يمكن أن يحتفظ بالحق في اللجوء إلى أعلى جهة قضائية في الدولة الأم.
تتحكم الدول المرتبطة عادةً في الهجرة وتصدر وثائق سفر خاصة بها، ورغم ذلك يمكن أن تحتفظ ببعض الروابط الجنسية مع الدولة الرئيسية. قد تمتلك بعض هذه الدول عملاتها الخاصة، بينما تشارك أخرى عملة الدولة الرئيسية. السمة الأكثر أهمية في الاتحاد الحر ليست الصلاحيات الممنوحة للدولة المرتبطة أو المحتفظ بها، بل العملية المتبعة في تقسيم الصلاحيات والتفاهمات المشتركة التي تدعم هذا التقسيم.
يشير قرار 1541 إلى أن ترتيبات الاتحاد الحر تسمح لشعوب الإقليم المرتبط بدولة مستقلة بتعديل وضع ذلك الإقليم عبر التعبير عن إرادتهم بوسائل ديمقراطية وإجراءات دستورية. بمعنى آخر، تحتفظ الدولة المرتبطة (أو "الإقليم" وفقًا للقرار) بحق تعديل وضعها من خلال إرادة شعبية. بموجب القانون الدولي، لا يمكن للدولة الرئيسية فرض الوضع السياسي المستقبلي لشريكها المرتبط، حيث يحتفظ الشريك المرتبط دائمًا بحق الانسحاب الأحادي من الاتحاد.
على الرغم من أن الاعتبارات الاقتصادية والأمنية وغيرها قد تحد من قدرة الشريك المرتبط على ممارسة هذا الخيار، إلا أن الحق في الانسحاب يبقى قائمًا كحق قانوني بموجب القانون الدولي. هذا الحق في الانسحاب الفردي هو ما يميز الاتحاد الحر عن باقي أشكال تقاسم السلطة مثل الاتحادات الفيدرالية. ففي حين أن الاتحاد الفيدرالي قد يحتوي على حق الانفصال وفقًا للقانون الدستوري الداخلي، يحتفظ الاتحاد الحر بهذا الحق للشريك المرتبط كمسألة تتعلق بالقانون الدولي. تقوم الدولة المرتبطة بتفويض بعض الصلاحيات للدولة الرئيسية، لكنها تحتفظ بحق استرداد هذه الصلاحيات متى اختارت ذلك.
الصلة بالحكم الذاتي:
يشبه في جوهره مقترح الحكم الذاتي المغربي، ويمكن أن يكون خيارًا مقبولًا إذا تم اختياره من خلال استفتاء. لكن الارتباط الحر ذو نكهة استعمارية له ارتباطات بالسياسة الاستعمارية للدول العظمى مع مستعمراتها وبالتالي يمكن أن ينظر من خلاله إلى المغرب أنه "دولة محتلة".
الاستفتاء:
تشترط جبهة البوليساريو أن يكون القرار النهائي نابعًا من استفتاء يشارك فيه السكان.
الاختلافات الرئيسية:
المرجعية:
يركز مقترح الحكم الذاتي المغربي على الإطار القانوني والدبلوماسي الحالي الذي كرسه قرار مجلس الأمن 2797، وهو القرار الذي وازن بين مبدأي حق تقرير المصير والسلامة الإقليمية (الوحدة الترابية) للدول، حيث نصت (التوصية 1514 (د-15) المؤرخة في 14 دجنبر في 1960 ) في الفقرة السادسة على أن كل محاولة تسعى إلى تفكيك الوحدة الوطنية للدول تخالف أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة)، والتوصية 2625 (د-25) المؤرخة في 31 أكتوبر 1970 المتعلقة بمبادئ القانون الدولي المنظمة للعلاقات الدولية بين الدول ومنها مبدأ حق تقرير المصير و التي تنص على: أنها لا تتضمن ما يمكن أن يفسر بمثابة تشجيع أو ترخيص لأي عمل كيفما كان نوعه قد يفكك أو يهدد كليا أو جزئيا الوحدة الترابية والسياسية لكل دولة مستقلة وذات سيادة.
بينما تتجاهل جبهة البوليساريو هذه المرتكزات القانونية وتركز على مقترحها "الموسع" الذي يقدم خيارات متعددة، منها الاستقلال أو الاندماج أو الارتباط الحر.
الخيار:
تعتبر البوليساريو أن الاستفتاء هو آلية اتخاذ القرار النهائي لتقرير المصير، بينما ترفض الرباط بشكل قاطع أي استفتاء يتعلق بالاستقلال.
السيادة:
يضع مقترح الحكم الذاتي المغربي السيادة الكاملة للمغرب (الدفاع-العملة –السياسة الخارجية-العلم..)، بينما تركز جبهة البوليساريو على "الارتباط الحر" الذي لا يحدد بدقة مستوى السيادة التي سيحتفظ بها الطرفان.
والأكيد أن وحدات الحكم الذاتي، سواء تعلق الأمر بالأقاليم أو الجماعات القومية، لا تحظى بالشخصية القانونية الدولية، ومن ثم فليست موضوعا للقانون الدولي. فمجرد تمتع هذا الأقاليم أو الكيانات بقسط من الحكم الذاتي لم يكن ليكسبها الشخصية الدولية طالما أنها لا تتمتع بكيان قانوني مستقل، ومن تم بالسيادة.
ثالثا: تطبيقات المفهوم في الممارسة الدولية
تم استخدام مفهوم الدولة المرتبطة في الأصل للإشارة إلى الترتيبات التي منحت فيها القوى الغربية درجات محدودة أحيانًا من الحكم الذاتي على بعض أراضيها الاستعمارية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. تم تصنيف الأراضي الاستعمارية الفرنسية في فيتنام وكمبوديا ولاوس كـ "دول مرتبطة" ضمن الاتحاد الفرنسي الذي تم إنشاؤه حديثًا بعد انتهاء الحرب بفترة قصيرة. على الرغم من أن هذا الترتيب منح هذه البلدان سيادة داخلية اسمية، إلا أنه أعطى فرنسا السيطرة الفعلية على العلاقات الخارجية والأنشطة العسكرية والقضائية والإدارية والاقتصادية.
تمدد مفهوم الدولة المرتبطة بموجب الدستور الفرنسي لعام 1946، وفقًا لآراء بعض الفقهاء الفرنسيين، ليشمل مناطق المغرب العربي وتونس التي كانت تحت الحماية الفرنسية في ذلك الوقت. ورغم هذا الامتداد، لم يصبح المغرب أو تونس جزءًا من الاتحاد الفرنسي على عكس نظيراتها في جنوب شرق آسيا. وتم وصف تطبيق مفهوم الدولة المرتبطة على الممتلكات الاستعمارية الفرنسية السابقة بأنه "استعمار جديد"، لأنه لم يمنح أيًا من هذه الدول سيادة داخلية أو خارجية حقيقية. في النهاية، أصبحت جميع الدول المرتبطة المذكورة آنفًا دولًا مستقلة تمامًا.
وتتميز جزر "كوك ونييوي" بحالة «الحكم الذاتي مع ارتباط حر» مع نيوزيلاندا، حيث لم تتمكن نيوزيلندا من فرض تشريعات عليهما، مما جعلهما في بعض الحالات دولًا ذات سيادة. يتفاعل كلاهما في الشؤون الخارجية كدول ذات سيادة، وقد مُنحا الحق في التوقيع كدولة على معاهدات وهيئات الأمم المتحدة. رغم ذلك، لا تعتبر نيوزيلندا أن جزر "كوك ونييوي" تتمتع بالسيادة الدستورية، نظرًا لاستمرار استخدامهم للجنسية النيوزيلندية. كما أنشأ كلاهما أنظمة خاصة بالجنسية والهجرة.
فيما يتعلق بولايات "ميكرونيزيا الموحدة" و"جزر مارشال وبالاو"، فقد ارتبطت هذه الكيانات بالولايات المتحدة عبر اتفاق «الارتباط الحر» منذ 1986 و1994 على التوالي، مما يمنحها السيادة الدولية والسيطرة النهائية على أراضيها. وافقت حكومات هذه المناطق على منح الولايات المتحدة حق توفير الدفاع، حيث تموّل الحكومة الأمريكية المنح وتوفر خدمات اجتماعية لمواطني المناطق المذكورة. وتستفيد الولايات المتحدة من إمكانية استخدام الجزر كقواعد عسكرية هامة.
وللإشارة فإنه في العام 1994 كانت "بالاو" هي الكيان الوحيد الذي لا يزال خاضعا لاتفاق الوصاية. ويلاحظ أن تطبيق نظام الوصاية يتم تحت إشراف الأمم المتحدة، ويباشر هذا الإشراف عن الأمم المتحدة الجمعية العامة إلا إذا كان الأمر يتعلق بأقاليم تعتبر مواقع استراتيجية ( وقد أحدث ميثاق الأمم المتحدة بالإضافة إلى الوصاية العادية، وصاية خاصة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، أطلق عليها اسم "الوصاية الاستراتيجية" والذي تشبه نظام الاستعمار المباشر أي الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، وقد طبق على الجزر الكائنة في المحيط الهادي والتي كانت عن الانتداب الياباني ويطلق عليها أحيانا جزر الباسفيك) فيكون الإشراف على إدارتها من خصائص مجلس الأمن ويساعد الجمعية العامة ومجلس الأمن في القيام بوظائفهما هذه هيئة خاصة هي مجلس الوصاية وفي 9 نوفمبر 1993 أجرت حكومة "بالاو" الاستفتاء على ميثاق الارتباط الحر بالولايات المتحدة الأمريكية، وفي ختام الدورة الستين لمجلس الوصاية المعقود في يناير 1994 أبلغت الولايات المتحدة بوصفها السلطة القائمة بالإدارة في "بالاو" المجلس بأن حكومتها وحكومة "بالاو" تعتزمان تنفيذ ميثاق الارتباط الحر. وبانتهاء اتفاق الوصاية على "بالاو"، يكون مجلس الوصاية قد أنجز أعماله وأوصى الجمعية العامة بأن تشرع وفقا للمادة 108 من الميثاق في اتخاذ ما يلزم لحل هذا الجهاز .
ثالثا: تطبيقات أخرى معاصرة للارتباط الحر
شهد "إقليم توكيلاو"، الذي يخضع لولاية نيوزيلندا، إجراء استفتاء في فبراير عام 2006 بشأن وضعه المستقبلي. كان الهدف من الاستفتاء هو البتّ فيما إذا كان الإقليم سيُبقي على وضعه الراهن كـإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي تابع لنيوزيلندا، أو ينتقل إلى حالة الارتباط الحر معها، ليصبح بذلك الدولة الثالثة التي ترتبط بهذا الترتيب مع نيوزيلندا (بعد جزر كوك ونييوي). على الرغم من أن غالبية المشاركين في الاقتراع أيدوا خيار الارتباط الحر، إلا أن النتيجة لم تبلغ العتبة الدستورية المطلوبة للموافقة، والتي كانت محددة بثلثي الأصوات.
وقد أُعيد إجراء الاستفتاء مرة أخرى في أكتوبر عام 2007 تحت إشراف الأمم المتحدة، بيد أن النتائج جاءت مماثلة، حيث لم يحصل خيار الارتباط الحر المقترح على الأغلبية المطلوبة، بفارق ستة عشر صوتاً عن النصاب اللازم لاعتماده.
وفي سياق مختلف، أعلنت كيانات سياسية ذات اعتراف محدود (من روسيا وكوريا الشمالية) انفصالها في 2008 إبان حكم الرئيس الروسي "ميدفيديف"عن جمهوريتي جورجيا ومولدوفا التأسيسيتين السابقتين التابعتين للاتحاد السوفياتي سابقاً، . وتعتزم حكومتا "أبخازيا وترانسنيستريا" السعي نحو إقامة علاقة ارتباط حر مع الاتحاد الروسي بعد حصولهما على الاعتراف باستقلالهما، وفقاً لتصريحات مسؤولين حكوميين فيهما. وفي هذا الصدد، أُجري استفتاء في ترانسنيستريا في سبتمبر عام 2006 أسفر عن الموافقة بأغلبية ساحقة بلغت 97% على الانفصال عن مولدوفا وإقامة ارتباط حر مستقبلي مع روسيا، وذلك على الرغم من الافتقار إلى الاعتراف الدولي بنتائج هذا الاستفتاء.
الأكيد أن الحكم الذاتي يبقى الخيار الوحيد لتسوية النزاع الإقليمي الذي طال أمده، كما أن قرار مجلس الأمن الأخير جاء متوازنا، حيث وفق بين مبدأ حق تقرير المصير ومبدأ السلامة الإقليمية (الوحدة الترابية للدول)، في حين أن الارتباط الحر وإن تشابه مع الحكم الذاتي إلا أنه يجزأ سيادة الدولة الأم ويعطي صلاحيات كبيرة جدا تفوق ما هو ممنوح لمناطق الحكم الذاتي في العالم.
محمد بوبوش، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية، المدرسة العليا للتكنولوجيا، وجدة