الشرقاوي: تأهل المنتخب المغربي لأقل من 17 في كرة القدم العالمية.. من قال إن المعجزة ليست مغربية؟

الشرقاوي: تأهل المنتخب المغربي لأقل من 17 في كرة القدم العالمية.. من قال إن المعجزة ليست مغربية؟ الدكتور أنور الشرقاوي، خبير في التواصل الطبي والإعلام الصحي
لم يكن ما حدث في حدود الخيال، بل تجاوزه إلى تخوم الأسطورة.
منتخب المغرب لأقل من سبعة عشر عاماً، الذي كان محكوماً عليه بالإقصاء المنطقي، كتب فصلاً جديداً في كتاب الإيمان.
هزمَ كاليدونيا الجديدة بستة عشر هدفاً مقابل صفر، في مشهدٍ تتداخل فيه الأرقام بالروح، والمنطق بالإعجاز، والعلم بالعزيمة.
كانت النتيجة قبل اللقاء تقول إن كل الآمال قد تبعثرت.
فالفارق السلبي في الأهداف بلغ ثمانية، والخصم الذي سيواجهه المغرب تعادل مع اليابان صفرًا لصفر، بينما اليابان نفسها كانت قد غلبت المغرب بهدفين نظيفين.
على الورق، كان الحلم محالا.
لكن في الميدان، تحوّل المستحيل إلى سيمفونية صبر وإصرار وولادة جديدة.
الطاقم التقني المغربي قرأ الهزيمة أمام اليابان كطبيبٍ يقرأ نبض مريضه ليعيد إليه الحياة.
شدّ الدفاع، رفع الضغط، وأطلق الجناحين كما يطلق الطائر جناحيه نحو الفضاء المفتوح.
تحوّل كل هجوم إلى وعدٍ، وكل تمريرة إلى قصيدةٍ قصيرة في كتاب الانتصار.
أما المحللون بالفيديو، فقد التقطوا بثاقب النظر ثغرات الخصم، وسجلوا بطء انسحابه الدفاعي.
فكانت التوصية الوحيدة: اضرب سريعاً، ولا تترك مجالاً للخصم ليلتقط أنفاسه.
وفي الجانب البدني، غالبا ما سهر المعدون البدنيون على الدقة في المواعيد كإيقاع القلب المنتظم.
المفترض انه بعد الهزيمتين امام البرتغال واليابان أجريت تعديلات دقيقة في الاسترجاع والتدريب جعلت اللاعبين في ذروة طاقاتهم.
وفي الخفاء، في غرفة صغيرة تُغلق أبوابها على الصدق والعزيمة، حدث التحول الكبير.
تحدث المؤطرون عن الشرف، عن الكرامة، عن راية التي الوطن.
وانصهرت النفوس في شعلة واحدة، حتى صار الشعور الجماعي وقوداً يحترق ليضيء.
غير أن جوهر المعجزة لم يكن فقط  في الخطط و في الأقدام، بل في العقل والروح.
لم يعد اللقاء مجرد مباراة كرة قدم، بل مواجهة بين الإنسان وظله، بين الإيمان واليأس، بين الصوت الذي يهمس: “انتهى كل شيء” والصوت الآخر الذي يصرخ: “ابدأ من جديد”.
اختار الأشبال أن يستمعوا إلى الصوت الثاني، صوت الحلم.
حين لا يبقى شيء لتخسره، تتحرر النفس من الخوف، وتغدو اللعبة رقصاً على إيقاع القلب.
هكذا تحولت الحرية إلى طاقة جارفة، والفرح إلى سيلٍ لا يُوقف.
كل تمريرة كانت وعداً بالعودة، وكل هدف كان دعاءا عميقا يرفع باسم الوطن.
ومن خلف كل صرخة نصر، ارتجّ صدى واحد: “هذا المغرب... لا يُهزم.”
وفي كل هدفٍ، ظلّ لعبارةٍ خالدةٍ ترددت يوماً على لسان الملك الحسن الثاني:
 “المغرب لا يتراجع أبداً، إنه يتقدم دائماً.”
في هذه الأمسية من يوم الأحد.9 نونبر 2025 ، لم تكن الكلمات شعاراً بل حقيقة تمشي على العشب الأخضر.
إحصائياً، كانت نسبة حدوث هذا السيناريو لا تتجاوز أربعة أعشار في المئة — احتمال واحد من بين مئتين وخمسين.
لكن الرياضة، كالحياة، لا تُقاس بالأرقام.
فالقلب لا يعرف الإحصاء، والإرادة لا تعترف بالمستحيل.
لم يكن هذه التأهل مجرد معجزة رياضية، بل برهاناً على أن النفس المغربية تعرف كيف تنهض من رماد الهزيمة، وتعيد رسم ملامح الأمل.
في كل لحظة صعبة، يجد المغرب في كبريائه طاقة لا تنضب.
ومن "السداسية" إلى هذه "السادسة عشرة"، تؤكد الحكاية ذاتها أن المعجزة في المغرب ليست حدثاً نادراً، بل اسماً آخر للعزيمة حين تُكتب بالعزيمة والحلم والعرق والإيمان.