باريس تنصت لنبض الصحراء.. أول احتفال بالمسيرة الخضراء في مجلس الشيوخ الفرنسي

باريس تنصت لنبض الصحراء.. أول احتفال بالمسيرة الخضراء في مجلس الشيوخ الفرنسي مشهد من الإحتفال
في مساء السادس من نونبر 2025 الباريسي، حيث تهادى الخريف على ضفاف التاريخ وتعانقت أنوار الجمهورية مع عبير الجنوب، كان قصر لوكسمبورغ، بعظمته الرخامية، على موعد مع لحظة تتجاوز البروتوكول إلى حدود الوجدان.
هناك، حيث تكتب فصول السياسة بمداد الحكمة، إنبثق من صمت القاعة الفرنسية العريقة صوت الصحراء المغربية، ليعلن عن إحتفال إستثنائي، هو الأول من نوعه، بمناسبة الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء؛ تلك المسيرة التي لم تكن خطى في الرمل، بل كانت نشيدا في القلب وصلاة في الوعي الجمعي للمغاربة.
إفتتح اللقاء السيناتور كريستيان كامبون، رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية الفرنسية المغربية، بكلمة حاملة لدفء الصداقة ومهابة اللحظة، مؤكدا أن المسيرة الخضراء لم تكن حدثا مغربيا فحسب، بل إنسانيا بامتياز، لأنها جسدت إرادة الشعوب حين تصير السلام سلاحها، والإيمان بوصلة التاريخ.
ثم غمر الظلام شاشة العرض، لتضيء الذاكرة صورا من عام 1975، حين خرج مئات الآلاف بقلوب مضرجة بالإيمان، ورايات خضراء تكتب على الرمل قصيدة الانتماء. كان الفيلم الوثائقي الذي دام ثلاث عشرة دقيقة نافذة على الزمن النقي، حيث بدت الصحراء كأنها تنصت إلى وقع أقدام تعيد إليها نبضها، وإلى أصوات تناديها بالإسم الأول: المغرب.
تلت العرض مداخلات حملت نفس التلاقي بين الضفتين. تحدثت السفيرة سميرة سطّال بصوت دبلوماسي عن ذاكرة المسيرة كجسر أبدي بين الشعوب، فيما شدد محمد زيدوح، رئيس مجموعة الصداقة المغربية الفرنسية بمجلس المستشارين، على أن الروح التي جمعت أبناء المغرب في رمال الصحراء، هي ذاتها التي تجمع اليوم بين الرباط وباريس في فضاء الفكر والسياسة والإنسان.
وفي محور فكري حمل عنوان "نظرات متقاطعة حول البعد التاريخي والقانوني للمسيرة الخضراء"، تحول النقاش إلى رحلة في أعماق الذاكرة والحق، قادها المفكر الفرنسي هوبرت سيلان والباحث المغربي رحال بوبريك، بإشراف الخبير إيمانويل بيّوي.
كانت كلماتهم جسرا من الحكمة بين المتوسط والصحراء، أكدوا فيه أن المسيرة الخضراء لم تكن مجرد حدث سياسي، بل بيانا أخلاقيا للعالم، يثبت أن الأرض يمكن أن تستعاد بالسلام لا بالبارود.
وعند ختام الأمسية، إنحنى الصخب أمام السكينة، وإمتزجت النغمات الفرنسية بألوان الضيافة المغربية في لحظة من الأناقة والحنين.
وبين جدران القصر العتيق، خيل إلى الحاضرين أن باريس تصغي لنداء قادم من عمق الأطلسي، نداء من رمل صار ذاكرة ومن شعب صار قصيدة.
كانت تلك الأمسية أكثر من احتفال؛ كانت إستعادة لنبض التاريخ، ومبايعة للسلام في هيئة مسيرة تمشي في الوجدان منذ نصف قرن.
وهكذا كتب مجلس الشيوخ الفرنسي صفحة جديدة في سفر الصداقة بين البلدين، عنوانها الأبدي: "المسيرة الخضراء... من قلب الصحراء إلى قلب الجمهورية."