في الوقت الذي يتقدم فيه المغرب، لربح معركة تكريس سيادته على الأقاليم الصحراوية، في إطار مقترح الحكم الذاتي، تتواصل الدعاية الجزائرية، مدعية أن هذا المقترح مناقض لمبدإ حق تقرير المصير، الذي يعني بالنسبة لها، الانفصال، وتستعمل لتبرير هذا الطرح عدة تبريرات، أهمها أنها تدافع عن مبدإ حقوقي ديمقراطي. غير أن التطور الذي عرفه مبدأ حق تقرير المصير، يؤكد زيف الأطروحة الجزائرية.
فحق تقرير المصير، لا يناقض استكمال الوحدة الترابية للدول والدفاع عنها، في مواجهة القوى الاستعمارية، غير أن التطورات اللاحقة أدت إلى ظهور تأويلات متعددة لهذا المبدأ، من أهمها الحكم الذاتي، كما يوضح ذلك، الباحث عبد الحميد الوالي في كتاب أصدره سنة 2008، تحت عنوان "الحكم الذاتي في الصحراء: مقدمات لمغارب الجهات"، حيث يقول إن الاهتمام الذي قوبل به المقترح المغربي، جاء في وقت ظهر فيه مفهوم جديد لحق تقرير المصير، هو الحكم الذاتي، بسبب الأزمة التي أخذ يعيشه مفهومالدولة الإقليمية، فهذه الأزمة شبه عامة وتطال، بدرجات متفاوتة، دول الجنوب وكذلك دول الشمال. أما بالنسبة لدول الجنوب، فإن جذور الأزمة تعود إلى عدد من العوامل، أبرزها حق تقرير المصير - الاستقلال، لأن هذا الأخير أدى في كثير من الأحيان إلى ولادة دول اتسمت بالهشاشة وعدم القدرة على ضمان رفاهية وأمن مواطنيها. ولكن الأمر الأكثر خطورة هو أن هذه الدول تميل إلى أن تصبح مصدرا لانعدام الأمن بالنسبة للدول الأخرى، حيث تتطور فيها عدد من الانحرافات، لا سيما اللجوء إلى العنف والإرهاب.
أما بالنسبة لدول الشمال، فإن جذور الأزمة تكمن في العولمة، التي من بين آثارها تحويل مبادئ تنظيم المجتمع الحديث وتقويض التوافق بين الدولة والأمة، وبالتالي ضعف أساس التماسك الوطني. وبما أن الدول أصبحت أقل قدرة على القيام بدورها التقليدي كضامن للرفاه الاقتصادي والاجتماعي، يضيف الباحث، فإن أحد الجوانب البارزة، لعصر ما بعد الحداثة، يتمثل بشكل خاص في دفع الديمقراطيات الغربية القديمة، إلى إعطاء أهمية أكبر للديمقراطية الإقليمية، لا سيما في شكل الحكم الذاتي الإقليمي.
ويقدم الأستاذ الوالي، كذلك، عدة أمثلة لهذا النموذج، تتعلق بالسياسة المتبعة من طرف الإتحاد الأوروبي، خاصة لضمان استقرار أوروبا الشرقية بعد تفكك الإتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا، وهو نفس النهج الذي سارت فيه عدد من لجان الأمم المتحدة، بنوع من السرية. وبصفة عامة، فإن مفهوم تقرير المصير-الانفصال، يتراجع، لصالح تقرير المصير-الديمقراطي، الذي يعني الحكم الذاتي.
فالشعار الذي روجته الجزائر، حول تقرير المصير، كمرادف للإنفصال، لم يكن بدافع ديمقراطي، بل بدوافع خدمة مصالحها، المتمثلة، أساسا، في منع المغرب من استكمال وحدته الترابية، لأنها تعلم أن مسلسل هذا الإستكمالالمتواصل، سيشمل مناطق أخرى غير "الصحراء الغربية". والجزائر في هذا النهج لا تعمل إلا على إعادة إنتاج سياسة الحاكم العام الفرنسي، الذي كان يحكمها. وهي الخلاصة التي يشرحها المفكر والمؤرخ، عبد الله العروي، في كتابه "الجزائر والصحراء المغربية" الذي جمع فيه مساهمات كتبت في منتصف سبعينات القرن الماضي، واعاد تحيين الكتاب سنة 2021. فالجزائر تواصل سياسة حكامها الفرنسيين، الذين كانوا يتمتعون بهامش كبير من الاستقلالية عن باريس، حسب العروي، والذين كانوا يعتبرون أن حدود المغرب تقف عند واد درعة.
يقول العروي، إن بعض الأوساط القريبة من الجزائر، ذهبت إلى حد القول، إن استرجاع المغرب لطرفاية، سنة 1958، ليس شرعيا، هدفها عرقلة استرجاع باقي الأراضي الصحراوية، وهذه أطروحة دافع عنها العسكريون الفرنسيون، وساعدتهم على تبرير عملية "إيكوفيون"، سنة 1958، ضد جيش التحرير المغربي، لمساعدة إسبانيا. والسياسية الحالية للجزائر، ليست سوى عملية "إيكوفيون" جديدة.
فشعار تقرير المصير، بالنسبة للجزائر ودعمها للإنفصال، ليست سياسية عرضية، بل تدخل في صميم استراتيجيتها، التي تأسست عليها، مثلها في ذلك، مثل بعض الدول التي استعمرت قبل أن تتشكل الدولة فيها، مما جعلها تواصل نفس السياسة الخارجية للمستعمر الذي صنعها. ولذلك سيواصل حكام هذا البلد، نهج الإبتزاز، بهدف الحصول على مكاسب، من أهمها الحفاظ على الموروث الترابي الإستعماري.