يثير برنامج دعم السكن الذي أطلقته حكومة أخنوش كواحد من أوراش الدولة الاجتماعية جدلا محتدما بين عدة أطراف.
ويؤكد بعض المراقبين أن هذا المشروع خطوة إيجابية في الشكل لكنها فشلت في تحقيق الأهداف المعلنة، وذلك بسبب غياب الرؤية الاستشرافية وتجاهل خصوصيات العالم القروي وتعقيد المساطر الإدارية، في حين اعتبر آخرون أن الانتقال إلى الدعم المباشر للمواطنين مكسب مهم، غير أن شروط الاستفادة الصارمة ومشكل “النوار” وركود سوق العقار حدّت من فعاليته وأثرت على نتائجه الميدانية.
جمال كريمي بنشقرون، رئيس لجنة المجالات الترابية والمسألة الحضرية بحزب التقدم والاشتراكية، أكد أن برنامج دعم السكن خطوة إيجابية فشلت في العمق في ظل غياب رؤية استشرافية للحكومة، إذ إنه لم يرقَ إلى نجاحات برنامج السكن الاجتماعي لعدة أسباب.
وأضاف محدثُنا أن عدد المستفيدين، حسب آخر تصريح حكومي يوم الإثنين 27 أكتوبر 2025، بلغ 71 ألفًا و114 مواطنًا من أصل 171 ألف طلب، أي بنسبة استجابة لا تتجاوز 41%.
وقال جمال كريمي في تصريح لـ"أنفاس بريس": "نسبة نجاح أي برنامج تُقاس بمدى تحقيق الأهداف المسطرة قبل انطلاقته، وهنا نشير إلى أن الهدف الذي تم تسطيره كان بلوغ 110 آلاف مستفيد خلال السنة الأولى، مع توقع أن يكلف هذا الدعم ميزانية قدرها 9.5 مليار درهم تم رصدها، لكن النتيجة في نهاية السنة كانت صرف 2.3 مليار درهم فقط، أي أقل من 25% من الميزانية المرصودة والهدف المسطر".
وأرجع محدثُنا أسباب تعثر برنامج دعم السكن الاجتماعي، وذلك رغم محاولة تسويقه كإنجاز، إلى ما وصفه بـ"تجاهل خصوصيات المناطق القروية، وعقبة الملكية العقارية، وتعقيدات المساطر الإدارية ومساطر التعمير، خصوصًا على مستوى بعض الوكالات الحضرية التي تعرف تدبيرًا لا يساير الواقع ولا متطلبات الحكامة"، إضافة إلى ضعف تناسب الجودة مع السعر، ومشكل “النوار” الذي يُفرغ عمليًا الدعم المباشر من مغزاه.
وأوضح أن عدد المستفيدين في العالم القروي لم يتجاوز 3000 أسرة إلى حدود يوليوز 2025، حسب تصريح الحكومة نفسها، لأن شرط التحفيظ العقاري للاستفادة من الدعم، وتعقيد رخص البناء ومساطر التعمير، وضعف أو غياب تام للمنتوج، أدت إلى فشل العملية.
وقال جمال كريمي بنشقرون: "الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين ظلت تقترح رفع ثمن شقة السكن الاجتماعي إلى 360 ألف درهم كحد أدنى إذا أصرت الحكومة على إلغاء الإعفاء. والنتيجة اليوم أننا لا يمكن أن نتحدث عن شقق بثمن 25 أو 27 مليون سنتيم كما كان عليه الحال في ظل النظام السابق، وهو ما يُفرغ الدعم من أي معنى. و80% من الذين استفادوا من البرنامج ينتمون إلى ثلاث جهات، وفي الدار البيضاء مثلًا لم يستفد إلا شخص واحد من كل 20 طلبًا بسبب غياب المنتوج".
و تابع محدثنا قائلا: "بخصوص ما تروجه الحكومة حول النجاح الباهر لهذا البرنامج مقارنة مع البرنامج السابق، وبدون الدخول في مقارنات ومقاربات يطول شرحها، وبالاقتصار فقط على الجانب الكمي، نشير إلى أن برنامج السكن الاجتماعي (250 ألف درهم)، الذي انطلق بموجب قانون المالية لسنة 2010، كان يهدف إلى إنتاج 300 ألف وحدة ما بين 2010 و2020، أي 30 ألف وحدة سنويًا، باستثمار إجمالي قدره 60 مليار درهم، يُمكن من إحداث 160 ألف منصب شغل، أي 16 ألفًا سنويًا، وتمكن من بلوغ إنتاج وتسليم أكثر من 366 ألف وحدة سكنية، ليس في نهاية 2020، بل في نهاية سنة 2017، أي بنسبة إنجاز بلغت 122% قبل ثلاث سنوات من التاريخ المحدد، مع إحداث 28 ألف منصب شغل سنويًا مقابل 16 ألفًا التي كانت محددة كهدف.
وأوضح أن ارتفاع مبيعات الإسمنت لا يعني بالضرورة انتعاشًا في قطاع السكن، لأن الأمر مرتبط أساسًا بأوراش كبرى مثل البنيات التحتية، والطرق، والمصانع، والمستشفيات، والمراكز الصحية، والسدود، والملاعب، والموانئ، وبالتالي فإن ربط ارتفاع مبيعات الإسمنت بتعزيز العرض السكني أمر غير دقيق، حتى لا نقول غير صحيح. ويجب أن يتمم هذا المشروع البرامج السابقة التي نجحت فيها الحكومات السابقة والمتعلقة ببرنامج محاربة الصفيح، إضافة إلى إنجاز وحدات سكنية في متناول فئات اجتماعية مختلفة والسكن المخصص للشباب، لأنه لابد من توفير السكن حتى لا تسقط في مشاكل اجتماعية، وأن تكون هناك رؤية استشرافية ومخطط لإحداث وحدات في مختلف الجهات وأن يكون هناك العرض متوفرا حتى يستجيب للطلبات، والكلام دائمًا يعود إلى جمال كريمي بنشقرون.
من جهته، أكد محمد جدري، خبير اقتصادي، أن هناك مجموعة من الأمور الإيجابية في برنامج دعم السكن، لأنه تم الانتقال من دعم المنعشين العقاريين إلى دعم مباشر للمستفيدين، مع منحهم الأريحية لاختيار المنعش العقاري الذي يناسبهم.
وأضاف أن هذا البرنامج يمتد لخمس سنوات، ابتداءً من 2024 إلى غاية 2029، ورُصد له غلاف مالي يقدر بحوالي 9.5 مليار درهم سنويًا.
وقال جدري: "على مستوى تنزيل هذا البرنامج، هناك بعض العراقيل، حيث تجاوزت طلبات الدعم من قبل المواطنين 171 ألف ملف، وتوصل أكثر من 95% منهم بموافقة مبدئية، ولكن في نهاية المطاف لم يحصل سوى 71 ألفًا على الدعم، وذلك بسبب شرط ضرورة الحصول على رخصة السكن ابتداءً من يناير 2023، وهذا ما ساهم في وقوع ركود على مستوى سوق العقار بالمغرب، لأن الناس يرغبون في السكن المدعم، مما أحدث مشاكل بالنسبة لبعض المنعشين العقاريين الذين بنوا مشاريعهم السكنية قبل 2023.
والمسألة الثانية تتعلق بما هو معروف بـ"النوار"، حيث يتم فرض أداء أربعة أو خمسة ملايين سنتيم، ومن ثم فقد البرنامج أهميته، إضافة إلى أن هذا البرنامج لم يدعم المواطن الذي يرغب في بناء أرض قام باقتنائها، كما أن العالم الحضري هو الذي استفاد من هذا الدعم، علمًا أنه موجه حتى إلى العالم القروي".